دخل الاقتصاد البريطاني في أول ركود له منذ بداية جائحة "كوفيد"، في ضربة إلى تعهد ريشي سوناك الرئيس المتمثل بتنمية الاقتصاد.
ذلك أن بيانات جديدة سلبية نشرها مكتب الإحصاءات الوطنية أفادت بأن الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المتحدة انكمش بنسبة 0.3 في المئة في الربع الأخير من عام 2023، خلافاً عن النسبة التي توقعها الاقتصاديون عند 0.1 في المئة.
وقالت مديرة الإحصاءات الاقتصادية في مكتب الإحصاءات الوطنية ليز ماكيون إن ناتج كل قطاع اقتصادي رئيس انخفض في الفصل الأخير من عام 2023، "وتسببت قطاعات التصنيع والبناء والبيع بالجملة بأكبر عرقلة للنمو، في حين عوضت أداءها جزئياً زيادات في نمو قطاعات الفنادق وتأجير المركبات والآلات".
وباستثناء عام 2020 المنكوب بالجائحة، شكل العام الماضي أضعف عام للنمو الاقتصادي منذ أعقاب الأزمة المالية عام 2009.
وتشير الأرقام إلى الضغط الذي تتعرض إليه الأسر، مع قرار بنك إنجلترا بالإبقاء على معدلات الفائدة عند أعلى مستوى لها منذ 14 سنة، مما يعني أن كلفة الاقتراض والرهون العقارية لا تزال مرتفعة.
وبينما أصر وزير المالية جيريمي هانت على أن الحكومة يجب أن "تلتزم الخطة" الخاصة بخفض معدل التضخم على رغم الأوقات الصعبة التي تمر بها العائلات، حذرت نظيرته العمالية راشيل ريفز من أن السيد سوناك "لم يعد بإمكانه ادعاء الصدقية بأن خطته تنجح" في حين بات وعده بتنمية الاقتصاد "في حالة يرثى لها الآن".
ما هو الركود؟
ويُعتبر الركود فترة يتراجع فيها الاقتصاد، لكن لا طريقة موحدة عالمياً لتحديد مقدار التراجع بالضبط ومدة الفترة بالضبط.
في المملكة المتحدة، يشمل التعريف الأكثر تداولاً للركود، حدوث فصلين سنويين متتاليين من خفض الناتج المحلي الإجمالي.
لكن هذا التعريف يعني أن خفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.01 في المئة في فصل و0.01 في المئة مرة أخرى في الفصل التالي، يجعلنا تقنياً في ركود – على رغم أن الاقتصاد يكون أشد تأثراً بكثير مقارنة مع تقلص الناتج المحلي الإجمالي بدلاً من ذلك بنسبة ثلاثة في المئة في فصل وارتفاعه بنسبة واحد في المئة في الفصل التالي، وتقنياً لن يكون في ركود.
ما حدة الركود الحالي؟
كان الخفض في الناتج الاقتصادي البريطاني في الفصل الأخير من عام 2023 أكبر خفض منذ بداية عام 2021، أي في ذروة الجائحة، لكن الاقتصاديين سارعوا إلى ترجيح أن يكون ركوداً معتدلاً، وأن يكون قريب الأجل، ويصر البعض على أن من الأدق وصف الاقتصاد بأنه "راكد"، بعدما ترنح معدل النمو قرب صفر في المئة معظم العام الماضي.
وتبرز أيضاً علامات على المرونة في أماكن أخرى من الاقتصاد، إذ أثبتت سوق الوظائف قوتها وتجاوز معدل نمو الأجور معدل التضخم لمدة خمسة أشهر متتالية.
ومع ذلك، حذر جيمس سميث، المتخصص في "مؤسسة القرار" البحثية، من أن ارتفاع عدد سكان بريطانيا يخفي آثار الركود، إذ لا يعتبر الاقتصاد قد شهد نمواً منذ أوائل عام 2022 عند احتساب النمو السكاني. وقال "تتمثل الصورة الكبيرة في أن بريطانيا لا تزال بلاداً تعاني الركود، وأن العلامات على الانتعاش الذي سيخرج الاقتصاد من الركود قليلة جداً".
وزعم كبير أمناء وزارة المالية في حكومة الظل في حزب العمال، دارن جونز، أن "التدقيق" في أحدث مجموعات البيانات يشير إلى أن السيد سوناك قد ترأس في الواقع أطول سجل غير منقطع من التدهور المالي للعائلات منذ أن ابتدأ تدوين السجلات في خمسينيات القرن الـ20.
ماذا يعني الآن وجود البلاد في ركود؟
في حين يؤدي الركود الحاد عادة إلى ارتفاع معدلات البطالة، يعمل الركود التقني في بريطانيا في صورة أكبر كمؤشر إلى الضغوط التي تتعرض إليها الأسر والشركات بالفعل وكضربة إلى وعود الحكومة بتعزيز النمو.
كبير الاقتصاديين في "مؤسسة جوزيف راونتري"، ألفي ستيرلنغ، قال "إن أخبار اليوم حول دخول الاقتصاد في ركود تقني مثيرة للقلق، لكنه لن يكون أولوية في أذهان الملايين الذين يعانون بالفعل من صعوبات غير مبررة.
"إن الثلاجات إما مطفأة أو فارغة، إذ تستمر الأسعار المذهلة للمواد الغذائية في الارتفاع. ويفوت تسديد أقساط قروض ورهون عقارية لأن معدلات الفائدة المرتفعة تسحق الموارد المالية للأسرة. وتتعرض الوظائف إلى خطر في صورة متزايدة مع استمرار تدهور سوق العمل.
"قبل أسابيع فقط من صدور الموازنة، يجب أن تكون معالجة أزمة الأمن الاقتصادي هذه، بدءاً بالأسر الفردية ووصولاً إلى الأمة ككل، الأولوية الأولى لواضعي السياسات".
ماذا يعني الركود بالنسبة إلى الرهون العقارية؟
من المرجح أن تزيد البيانات الاقتصادية السلبية الضغط على بنك إنجلترا للبدء في خفض معدلات الفائدة من أعلى مستوى لها في 14 سنة البالغ 5.25 في المئة، نظراً إلى التهديد الذي يتعرض إليه الاقتصاد الأوسع من كلف الاقتراض المرتفعة في صورة مؤلمة، لكن على رغم أن أي خفض في سعر الفائدة الأساس لدى المصرف المركزي ينتظره بفارغ الصبر أصحاب المنازل، الذين يدفعون آلاف الجنيهات الإضافية في مقابل رهنهم العقاري مع ارتفاع معدلات الفائدة من 0.1 في المئة فقط عام 2020، ليس المحللون متأكدين مما إذا كان أي خفض سيقرر قبل الصيف.
من يذكر أن معدل التضخم لا يزال عند ضعف هدف المصرف المركزي البالغ اثنين في المئة، مما يعني أن المصرف سيرغب في ضمان استمرار المعدل في التراجع قبل أن يخفض معدلات الفائدة.
ولا يتوقع خبراء مؤسسة "آي أن جي" البحثية خفضاً حتى أغسطس (آب)، بينما يعتقد آخرون أنه قد يقرر في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران).
متى مرت المملكة المتحدة بركود من قبل؟
حل الركود الأخير في المملكة المتحدة عام 2020، عندما وجهت الإغلاقات بسبب "كوفيد" ضربة كبيرة إلى الناتج المحلي الإجمالي، مما تسبب في أعمق ركود منذ عام 1709، وإن كان في الواقع ركوداً مفروضاً ذاتياً وقريب الأجل. ومع ذلك، ساعد التعطل في سلاسل الإمداد العالمية في إطلاق شرارة أزمة كلف المعيشة التضخمية.
قبل ذلك، كانت الأزمة المالية عام 2008، التي شهدت ركود الناتج الاقتصادي في المملكة المتحدة لمدة خمسة فصول متتالية، في أعمق ركود منذ عقود، بسبب مخاوف ترتبت على منح رهون عقارية إلى أشخاص لم يكونوا يستطيعون تحمل كلفها، ما جمد أسواق الائتمان وشهد انهيار مصارف كبرى.
في التاريخ الحديث، شهدت المملكة المتحدة أيضاً حالات ركود في أوائل تسعينيات القرن الـ20 – كان "انهيار الأربعاء الأسود" في قيمة الجنيه سبباً في شهرتها – وركوداً واحداً في الأقل في كل من العقود الأربعة السابقة.
© The Independent