Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قرارات صعبة تنتظر البريطانيين ومستقبل الحكومة على المحك

"ستارمر" تحت الضغط بسبب وعوده وتراجع النمو وتباطؤ الاقتصاد في المملكة المتحدة

تشهد موازنة الحزب الحاكم الجديدة زيادة الضرائب بـ40 مليار دولار (اندبندنت عربية)

ملخص

يأتي ذلك في الوقت الذي يشهد فيه حزب العمال الحاكم انقساماً في شأن الأنباء التي ترددت أخيراً التي تشير إلى أن بيتر ماندلسون، الذي رشحه ستارمر سفيراً لبريطانيا في الولايات المتحدة، سيتعاون مع السياسي اليميني المتطرف نايغل فاراغ ليسهل له مهمة التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب

يسدل عام 2024 الستار وكل المؤشرات الاقتصادية والسياسية على أداء حكومة حزب العمال الجديدة في بريطانيا سلبية إلى حد كبير في أقل من نصف عام من بداية تسلمها السلطة.

 ووسط غيوم التراجع والتدهور تشهد الأيام القليلة المتبقية من العام بصورة شبه يومية أخباراً سلبية للحكومة ورئيس الوزراء كير ستارمر، لم يكن آخرها بيانات مكتب الإحصاء الوطني عن النمو الصادرة هذا الأسبوع، بعد أن أظهرت أن الناتج المحلي الإجمالي البريطاني لم يحقق أي نمو في الربع الثالث من العام الحالي.

يأتي ذلك في الوقت الذي يشهد فيه حزب العمال الحاكم انقساماً في شأن الأنباء التي ترددت أخيراً التي تشير إلى أن بيتر ماندلسون، الذي رشحه ستارمر سفيراً لبريطانيا في الولايات المتحدة، سيتعاون مع السياسي اليميني المتطرف نايغل فاراغ ليسهل له مهمة التواصل مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب.

ويحظى فاراغ، رئيس حزب الإصلاح المعارض الناشئ بعلاقة جيدة مع ترمب وحليفه الملياردير إيلون ماسك، بينما يعترض كثيراً من أعضاء الحزب الحاكم على عمل ماندليون مع فاراغ على اعتبار أن ذلك يشكل تهديداً خطراً للحزب وحكومته، خصوصاً أن فاراغ وحزبه يصبحان بسرعة المنافس الأقوى لحزب العمال الحاكم، ربما أكثر من حزب المحافظين الذي فاز عليه "العمال" في انتخابات يوليو (تموز) الماضي وأخرجه من الحكومة بعد نحو 15 عاماً.

كذلك يبدو أن تبعات الموازنة الأولى لحكومة "العمال"، التي أعلنتها وزيرة الخزانة راتشيل ريفز، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ما زالت تؤثر سلباً في ثقة المستثمرين في الاقتصاد البريطاني.

فقدان الثقة

لم يعد شعار الحملة الانتخابية لحزب العمال قبل فوزه الكاسح وتشكيله الحكومة مقنعاً، ليس فحسب للأعمال والشركات والمستثمرين ولكن حتى للناس العاديين، إذ كان العنوان الأهم للحملة هو زيادة النمو الاقتصادي باعتبار أن في ذلك الحل لكل مشكلات بريطانيا، وهو نظرياً أمر صحيح، كما كتب الاقتصادي المخضرم مارتن وولف في صحيفة الـ"فايننشال تايمز" هذا الأسبوع.

لكن الموازنة التي تضمنت زيادة الضرائب 40 مليار جنيه استرليني (50 مليار دولار)، معظمها على الأعمال والشركات، أدت إلى تدهور ثقة المستثمرين في الاقتصاد البريطاني، بالتالي التراجع عن خطط الاستثمار في الاقتصاد، مما يعني تراجع فرص النمو.

من جهته، قال المحلل من "أس أند بي غلوبال" كريس ويليامسون، إن "الشركات ردت على إعلان الموازنة بإشارة عدم رضا واضحة على السياسات التي تضمنتها بخاصة زيادة مساهمة الشركات وأصحاب الأعمال في مدفوعات التأمينات".

وشرح وولف في مقاله أن مسألة الثقة مهمة، خصوصاً حين تتخذ الشركات والأعمال قرارات الاستثمار المستقبلية، إذ إنها تعتمد على المخاطرة بتوقع النمو، بينما ترى الشركات والأعمال أن زيادة الضرائب على التوظيف تعني زيادة كلف الإنتاج وانخفاض الأرباح وبالتالي يتراجع النشاط، ما لم يتوافر حافز مثل انخفاض كلفة الاقتراض في الوقت الذي تزيد فيه الضرائب.

لكن في الوقت الذي أعلن فيه زيادة الضرائب قدر مكتب مسؤولية الموازنة، أن الاقتراض آخذ في الزيادة مستقبلاً، لذا، ارتفع العائد على سندات الخزانة البريطانية متوسطة الأجل لمدة 10 سنوات بأكثر من ربع نقطة مئوية (0.268 في المئة) عن معدله قبل إعلان الموازنة، ويعد ذلك أكبر ارتفاع في العائد على السندات في دول مجموعة السبع باستثناء أميركا.

مناخ متراجع

إضافة إلى حالة عدم اليقين في شأن المستقبل، هناك عامل آخر في غاية الأهمية يضعف زيادة الاستثمار بالتالي يقلل فرص النمو، ذلك هو ضعف الاستثمار في حالات تباطؤ الاقتصاد لفترة طويلة، وتدل معظم المؤشرات ونتائج المسح المتكررة، إلى أن ثقة المستثمرين في الاقتصاد البريطاني عند أدنى مستوياتها منذ عام 2020 أي في عز أزمة وباء كورونا.

ومع توقف نمو الناتج المحلي الإجمالي، بل مع احتمالات الانكماش (نمو بالسالب) في الربع المقبل، سيكون من الصعب على حكومة ستارمر ووزيرة خزانته استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين في بريطانيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهنا لن تفيد الشعارات كثيراً، حتى لو عدل ستارمر من هدف زيادة النمو بقوة إلى تحسين أحوال المعيشة فإن النتيجة لن تكون تشجيع الشركات والأعمال على توسيع النشاط، بينما الأرقام والمؤشرات الحقيقية تدل على أن المستقبل أكثر ضبابية.

هذا التراجع في المناخ الاستثماري أصبح واضحاً في أكثر من قطاع، فبحسب التقارير الاقتصادية في أغلب وسائل الإعلام في الأيام القليلة الماضية نجد أن هدف الحكومة بناء 1.5 مليون مسكن في مدة البرلمان الحالي قد لا يتحقق، فهناك تراجع في عدد الوحدات التي ينجزها المطورون العقاريون في الـ6 أشهر الأخيرة وتشير التوقعات إلى أن ذلك التراجع مستمر.

أضف إلى ذلك، أن عودة الضغوط التضخمية، وارتفاع أسعار المواد الأساسية للأسر البريطانية، يشكل ضغطاً على بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) كي يتريث في مسار خفض أسعار الفائدة، ويواجه البنك معضلة أن الجمود الاقتصادي الذي عبرت عنه مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي يجعله مضطراً لاستمرار خفض الفائدة لتحفيز النشاط الاقتصادي، وهكذا فالسياسة النقدية ما بين كماشة احتمال عودة التضخم وتوقف النمو.

خطر اليمين

على أية حال، لا تقتصر أزمة حكومة "العمال" ورئيس وزرائها على وضع الاقتصاد المتردي، بل إن هناك تطورات سياسية متسارعة تزيد من مشكلات الحكومة والحزب الحاكم، فمع إعلان الملياردير الأميركي وأغنى رجل في العالم إيلون ماسك احتمال تمويل الحزب اليميني المتطرف الجديد "الإصلاح" الذي يرأسه السياسي البريطاني المثير للجدل نايغل فاراغ، نشرت صحيفة الـ"تايمز" تقريراً بعنوان "المليارديرات يقفون طابوراً لدعم حزب الإصلاح".

قد يكون العنوان الصحافي للتقرير به مبالغة، لكن حواراً نشرته صحيفة "فايننشال تايمز" قبل أيام مع المسؤول المالي الجديد لحزب الإصلاح نيك كاندي، ذكر فيه أن ماسك ليس الوحيد الذي يستعد لدعم وتمويل الحزب.

وتسمح قوانين الانتخابات البريطانية بتمويل مستثمرين أجانب للأحزاب السياسية، في حدود أن يكون ذلك التمويل تبرعاً من طريق أعمالهم أو شركاتهم في بريطانيا.

وكاندي نفسه أحد أثرياء التطوير العقاري في بريطانيا، وكان عضواً في حزب المحافظين وممولاً له، لكنه انشق قبل أن ينضم إلى حزب فاراغ الجديد.

ومع أن الحزب لم يحقق فوزاً واضحاً في الانتخابات الأخيرة، إلا أن مرشحيه في نحو 100 دائرة انتخابية فاز بها حزب العمال جاؤوا في المرتبة الثانية، بالتالي تقدم حزب الإصلاح على حزب المحافظين بوضوح. وإذا توافر له التمويل الكبير من ماسك وغيره من المليارديرات فإنه سيجعل منه كما قال كاندي في مقابلته الصحافية "أكبر قوة مثيرة للاضطراب في السياسة البريطانية على الإطلاق".

ويدعي حزب فاراغ حديث التشكيل أنه أصبح لديه نحو 100 ألف عضو، وهذا رقم كبير بين الناخبين، إذ إن "المحافظين" اليميني الذي كان يحكم حتى منتصف العام الحالي لا يزيد عدد أعضائه على 130 ألف عضو. ومع أن حزب الإصلاح قد يشكل خطراً واضحاً على حزب المعارضة الكبير "المحافظين"، باعتباره يسحب ناخبيه اليمينيين إلى أقصى اليمين المتطرف، إلا أن الخطر ليس أقل على حزب العمال الحاكم.

ربما هذا ما استدعى مسارعة الحكومة إلى الإعلان عن إعادة النظر في قوانين وقواعد تمويل الأحزاب و"المال السياسي" بصورة عامة، وتطرح الحكومة تقييد التمويل من الأجانب، بحيث لا يخرج عن أرباح أعمالهم التي يحصلون عليها من النشاط في بريطانيا، وذلك في محاولة لردع تمويل ماسك لحزب فاراغ، كما فعل مع حملة دونالد ترمب التي ساعدت الأخير بالفوز في الانتخابات الأميركية الشهر الماضي.

اقرأ المزيد