علاقة السلام بين أذربيجان وأرمينيا في ضوء الوساطة الفرنسية

احتفلت فرنسا أمس الأربعاء الـ21 من فبراير (شباط) بدخول المقاوم الأرميني ميساك مانوشيان وزوجته إلى مقبرة عظماء فرنسا "البانتيون"، ليكونا بذلك أول ثنائي مقاوم من أصول أجنبية يدخلا المقبرة، وتزامن ذلك مع زيارة نيكول باشينيان إلى باريس حيث التقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

والمقاوم الشيوعي أسس مجموعة مقاومين معظمهم من الأجانب إيطاليين منهم إسبان ومعادين للفاشية وبولنديين ومجريين، أحيت فرنسا ذكراهم أمس، وتأتي هذه المناسبة وسط تلبد الأجواء بين فرنسا وأذربيجان، وعودة مؤشرات التوتر بين أرمينيا وجارتها.

وفي مؤتمره الصحافي في الإليزيه أشار رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان إلى أن بلاده تعترف بوحدة أراضي جيرانها كافة، في إشارة إلى أذربيجان.

الرئيس الفرنسي بدوره، حذر من خطر تصاعد التوتر "الذي مازال ملموساً"، وأسف لإطلاق النار من الجانب الأرميني الذي أصاب جندياً أذربيجانياً، في زانجيلان في الـ12 من فبراير الجاري، ورأى أن رد الفعل من أذربيجان كان غير متواز، وطلب ماكرون من باكو رفع كل "اللبس" حول ترسيم الحدود بين البلدين خلال محادثات السلام.

فترة توتر

وتمر العلاقات بين فرنسا وأذربيجان بفترة توتر إثر طرد أذربيجان لدبلوماسيين فرنسيين في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ اعتبرت أن أنشطتهما لا تتناسب مع صفتهما الدبلوماسية، كما أنها تحتجز مواطناً فرنسياً بتهمة التجسس، وبدورها طردت باريس دبلوماسيين أذربيجانيين.

فرنسا تربطها علاقات تاريخية بأرمينيا، وتعيش على أراضيها جالية أرمينية عددها 600 ألف نسمة، وهي تزود يريفان بأسلحة دفاعية وصواريخ أرض جو، وهو ما لا تستسيغه أذربيجان التي تنظر بريبة إلى هذه العلاقة، وتتهم باريس بأنها تغذي النعرة الهجومية لدى جارتها، "وتزويدها بالأسلحة يعني دفعها باتجاه حرب أخرى مع جارتها".

الرئيس الفرنسي أشار إلى حق كل دولة ذات سيادة في التسلح للدفاع عن نفسها، وشدد على احترام جيران أرمينيا كافة، منوهاً بأن فرنسا تقف إلى جانب أرمينيا كونها في "معسكر العدالة والاستقلال والحرية والقانون الدولي"، وكرر دعم بلاده للعلاقات بين أرمينيا وأذربيجان.

"اندبندنت عربية" أجرت الحوار التالي مع الممثل الخاص لرئيس أذربيجان إلهام علييف للمهمات الخاصة التشين أميربايوف، الذي كان سفيراً سابقاً لدى فرنسا، ويقود ملف التفاوض مع أرمينيا للتوصل إلى اتفاق سلام دائم.

حول محادثات السلام والعوائق أمام توقيع اتفاق نهائي مع أرمينيا أشار التشين أميربايوف إلى وجود حظوظ جيدة خاصة بعد استعادة بلاده لأراضيها إقليم قره باغ، الذي احتلته أرمينيا طوال 30 عاماً، ونوه باللقاء الإيجابي بين مسؤولي البلدين على هامش اجتماع الأمن في ميونخ أخيراً.

وتطرق خلال حديثه إلى العلاقات الثنائية وسبل التوصل إلى اتفاق سلام، إضافة إلى علاقات أذربيجان وفرنسا التي تمر بفترة فتور، وشدد على أهمية "إظهار حسن النوايا من الجانب الأرمني"، فالسلام بحسب تعبيره، يبقى "رهن إرادة أرمينيا السياسية"، فهي على ما يبدو ما تزال متمسكة بمطالبها حول الأراضي.

تجاوب أرمينيا

وقال أميربايوف إن أرمينيا لم تتجاوب بعد مع المطالب الأذربيجانية المتعقلة بالجانب القانوني، بمعنى أن دستورها ينص على استعادة هذه الأراضي، و"إعلان استقلال البلد أكد على سيادة أرمينيا على إقليم قرة باغ"، وكذلك "سلسلة القوانين التي تبناها البرلمان ما بين 1990 و2000 التي تنص على المطالب الجغرافية بين البلدين"، لافتاً إلى أن "هناك قانون تبناه البرلمان في تسعينيات القرن الماضي يمنع المسؤولين الأرمن من توقيع أية وثيقة تعترف بسيادة أذربيجان على هذه الأراضي، وأن وجود هذه الإشارات القانونية يحول دون توقيع الاتفاق".

واعتبر أميربايوف أن ذلك هو بمثابة دليل على غياب إرادة أرمينيا بالسلام إلى "جانب كونه مخالف للقانون الدولي، لأن المجتمع الدولي اعترف بإقليم قرة باغ، كجزء من أذربيجان منذ 1992 تاريخ انضمامنا للأمم المتحدة".

العائق الثاني يتمثل في "الاحتلال الأرميني لأربع قرى أذربيجانية في كازاك (شمال غربي) التي احتلتها أرمينيا في 1992 ولا تزال تحت سيطرتها، هذا إلى جانب قضايا قانونية رفعتها أرمينيا ضد جارتها أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي ومجلس حقوق الإنسان"، بحسب قوله.

وعن مخاوف أرمينيا من هجوم تشنه أذربيجان لضم أراض أرمينية تؤمن لها استمرارية جغرافية، نفى التشين أميربايوف الأمر قائلاً "أذربيجان تسعى إلى فتح طرق المواصلات كنتيجة إيجابية لاتفاق السلام، ولا يمكن إرغامهم، لكن عليهم أن يفهموا إلى أية درجة هذه المواصلات تفيد أرمينيا، كونها في مأزق، فحدودها مع تركيا وأذربيجان مغلقة، وحدودها مع جورجيا لا تعمل خلال الشتاء بسبب موقعها الجغرافي في مناطق جبلية وعرة تغمرها الثلوج في الشتاء، ولا يبقى لها سوى حدودها مع إيران".

وتابع المتحدث "توقيع السلام وإقامة علاقات دبلوماسية، ينعكس بانفراجات جمة عبر فتح الطرق، وهي بالتالي ستكسب فوائد عدة، إذ ستصبح مركزاً للترانزيت يصل بين جزئين من أذربيجان، وتصبح أيضاً بلد ترانزيت عبر الممر المتوسط الذي يربط الصين بالعالم الغربي". وعبر التشين أميربايوف عن أمنيته أن تكون أرمينيا مهتمة بالجانب الاقتصادي والتجاري لهذه المسألة"، وأشار إلى الأوضاع في مدينة شوشا التي أعلنت كعاصمة أذربيجان الثقافية وعن ورش إعادة الإعمار وعودة المهجرين، الذين لم يتجاوز عددهم 6 آلاف في حين أن باكو تستهدف إعادة 140 ألف نازح بحلول 2026.

وعلل أميربايوف سبب قلة عدد الذين تمكنوا من العودة لقراهم إلى "الألغام المزروعة، ورفض أرمينيا تسليم خرائطها، لكنها تحت ضغط المجتمع الدولي قامت بتسليم خرائط لا يمكن استغلالها إلا بنسبة 25 في المئة، بسبب تلفها وعدم صحتها في معظم الأحيان".

وحول تدهور العلاقات مع فرنسا التي تربطها علاقات وثيقة مع أرمينيا، وزيارة نيكول باشينيان إلى فرنسا، أرجع التشين أميربايوف سبب تدهور العلاقات إلى "موقف فرنسا الملتوي، والذي يسيء منذ أشهر إلى عملية السلام"، وتابع القول "باريس تسعى لنسف آفاق اتفاق السلام كونها تقدم دعماً سياسياً ودبلوماسياً كاملاً، أضافت إليه أخيراً الدعم العسكري لأرمينيا".

وواصل المتحدث قوله "حاولت فرنسا مرات عديدة التقدم بشكوى أمام مجلس الأمن، بهدف الحصول على قرارات تدين أذربيجان، إضافة إلى دعاوى أمام مجلس حقوق الإنسان لاتهامنا بكل الخطايا الممكنة، لكن من دون جدوى وهي تواصل محاولاتها لاستخدام المحافل الأوروبية، لفرض موقفها في بروكسل، علماً أن المفوضية الأوروبية  تحاول لعب دور الوسيط بين الجانبين الأرميني والأذربيجاني، مما أساء إلى دور الوساطة الذي كانت بروكسل تحاول القيام به، كما أثر سلباً بصدقية فرنسا في أذربيجان".

دعم فرنسي

وعبر التشين أميربايوف عن امتعاض بلاده من حصول أرمينيا على أسلحة فرنسية وصفها بـ"المميتة" في حين تصر فرنسا على وصفها بأنها أسلحة دفاعية لا يمكن استخدامها في أي هجوم، بل هدفها حماية أجواء أرمينيا ومن يعيش تحتها خصوصاً في ظل الظروف التي تفرضها الحرب في أوكرانيا.

وعلق على الدعم الفرنسي قائلاً "إلى جانب الدعم السياسي والدبلوماسي تحصل أرمينيا من فرنسا على المساعدة العسكرية أحادية الجانب، التي تتضمن تزويد يريفان بأسلحة فتاكة، وهذا من شأنه دفع المنطقة إلى سباق التسلح، وزعزعة الأوضاع في القوقاز، كما أنها تزيد من تباعد باكو ويريفان عن آفاق السلام، لأنها تدفع منطقتنا نحو مواجهات عسكرية جديدة"، واستطرد بالقول "الدليل زيارة نيكول باشينيان، ويرافقه فيها وزير الدفاع الأرميني الذي يجدد اتصالاته لمواصلة التزود بالأسلحة الفتاكة ضد أذربيجان".

وحول مسألة طرد الدبلوماسيين التي أزمت العلاقة بين فرنسا وأذربيجان قال "باريس لم تستوعب فكرة استعادة باكو سيادتها على كامل أراضيها، وأنها بسطت العدالة ووضعت حداً لاحتلال غير شرعي استمر 30 عاماً لقرة باغ ومناطق أخرى".

وطالب المسؤول الأذربيجاني فرنسا بالكف عن "الطموح لتقديم نفسها كوسيط لتسهيل السلام بين أرمينيا وأذربيجان"، واعتبر أن مشكلة فرنسا تكمن بأنها تنظر إلى علاقاتها مع أذربيجان من زاوية علاقاتها مع أرمينيا، وانطلاقاً من مصالحها الداخلية الضيقة، وضعفها تجاه الأرمن واللوبي الأرمني في فرنسا الذي يضم جالية عددها يتجاوز 600 ألف نسمة".

وأضاف المتحدث أن "هذا اللوبي يتمتع بخيال واسع لينشر المعلومات الخاطئة حول نية أذربيجان بالهجوم على أرمينيا، وليصور يريفان بأنها الضحية الضعيفة، ويهدف إلى تبرير السياسة الاقتصادية العسكرية تجاه أرمينيا، باستخدام الحجة الملفقة المتمثلة بتهديد أذربيجان".

 أسلحة دفاعية

ولدى سؤاله عن حق أرمينيا كبلد مستقل في الحصول على أسلحة تمكنه الدفاع عن نفسه، أجاب بأن "أرمينيا لها كل الحق بذلك، لكن السؤال هل يحق لفرنسا القيام بذلك؟ كونها جزءاً من الاتحاد الأوروبي، وهي تطمح للعب دور بتطبيع العلاقات بين بلدينا، وهل هذا الطموح يتماشى مع تزويد أرمينيا بأسلحة مؤذية ومميتة إلى طرف من المتخاصمين ضد آخر؟".

وتابع بالقول "أرمينيا لديها حق لكن في المقابل هي تنفق كل هذه الأموال في التسلح لتعطي صورة غير مطمئنة إلى أذربيجان"، متسائلاً كيف يمكن لأذربيجان أن "تتفهم كل الإنفاق على الأسلحة في حين أن بلاده تسعى إلى إيجاد نص اتفاق سلام، إذ من الأفضل التركيز على الجهود والطرق الدبلوماسية".

واعتبر الدبلوماسي الأذربيجاني أن مساعي أرمينيا للتزود بالأسلحة، لا تخفف من عزيمة بلاده على مواصلة السعي إلى التوصل إلى السلام مع جارته قائلاً "على رغم ذلك أذربيجان تبقى ملتزمة بالتوصل إلى السلام، فالشعبان منهكين من هذه المواجهة، واعتقد أن المستقبل يجب أن يكون مختلفاً لأطفال وشباب البلدين وأن نتعلم أن نكون جارين جيدين".

وحول مصير الفرنسي المتهم بالتجسس، أشار التشين أميربايوف إلى أن التحقيق ما يزال سارياً، "هو يعتقد أنه ضحية، ونحن اتخذنا الإجراء بإبعاد دبلوماسيين اثنين لتصرفاتهما التي لا تتناسب مع وضعهما كدبلوماسيين".

 مورد الغاز

أذربيجان عززت مكانتها كمورد أساسي للغاز الطبيعي إلى أوروبا، خصوصاً بعد الحرب في أوكرانيا، وعن هذه العلاقات أشار التشين أميربايوف، إلى أن بلاده كانت قبل فترة الغاز تزود أوروبا بالنفط، وهي بالتالي شريك موثوق منذ 2006.

وتابع المتحدث "انطلاقاً من ذلك، نعمل مع الاتحاد لوضع الصيغة النهائية للاتفاق الجديد، الذي يؤسس لمرحلة جديدة في علاقاتنا في ميادين عدة نسعى إلى تعميقها، من ناحية الموصلات علماً أن أذربيجان بلد محوري يصل آسيا بأوروبا، ونعمل بشكل ضيق على الطاقة المتجددة أوروبا تساعدنا لتحقيق التحول الأخضر، إضافة إلى التعاون في مجالات التربية والعلوم".

واختتم حديثه بالإشارة إلى اللقاء بين الجانبين الأرميني والأذربيجاني على هامش قمة الأمن في ميونخ، الذي سيتبعه لقاءات أخرى على أن يكون هذا العام هو تاريخ التوصل إلى اتفاق سلام بين الجانبين.