ملخص
نيكي هايلي كانت حاكمة ساوث كارولاينا لدورتين متتاليتين ومشرعة في مجلس النواب
مع انطلاق الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، اليوم السبت، في ولاية ساوث كارولاينا، والتي يعتقد كثر أنها ستحدد الصورة النهائية للسباق الانتخابي، إلا أن التقدم الكبير للرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب على نيكي هايلي في الولاية التي كانت حاكمة لها لدورتين متتاليتين، لم يردعها عن مواصلة السباق مهما كانت نتيجة الولاية، على رغم أنه لم يسبق تاريخياً لمرشح خسر ولايته الأصلية أن فاز بترشيح حزبه للانتخابات الرئاسية. فما الدلالات التي تقدمها انتخابات ساوث كارولاينا؟ ولماذا تصر هايلي على الاستمرار في السباق حتى النهاية؟ وهل يؤثر ذلك على ترمب؟
أهمية ساوث كارولاينا
تقدم الانتخابات التمهيدية في ولاية ساوث كارولاينا أدلة قوية حول ما يمكن أن تنتهي إليه بقية الانتخابات في الولايات الأخرى، وهو ما يجعل لهذه الولاية أهمية خاصة في الميزان السياسي الأميركي، وذلك يعود إلى أنها ولاية حمراء صلبة أي ولاية جمهورية خالصة، ومن الناحية التاريخية يشير البعض إلى أن الطريقة التي تسير بها الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولاينا تؤشر بصورة عامة إلى كيف ستسير بقية الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، بالنظر إلى أن المرشح الجمهوري الذي يفوز بالانتخابات التمهيدية فيها يصبح في النهاية هو مرشح الحزب، ولم يكسر هذه القاعدة سوى ميت رومني، عام 2012، عندما اختارت ولاية ساوث كارولاينا رئيس مجلس النواب السابق نيوت غينغريتش، لكن رومني استمر في الفوز بالولايات الأخرى وفاز بترشيح الحزب الجمهوري في النهاية.
وإضافة إلى ذلك، تعد الانتخابات التمهيدية في ساوث كارولاينا هي الأولى في ولايات الجنوب، والتي تعد ولايات جمهورية حمراء في غالبيتها العظمى، وهي أيضاً الولاية الأولى التي تتمتع ببعض التنوع العرقي، وهو أمر يرتبط أكثر بالحزب الديمقراطي، ولكنه لا يزال مهماً أيضاً للحزب الجمهوري، لأن ولايتي أيوا ونيوهامبشير غالبية سكانهما من البيض ولا تمثلان المجتمع الأميركي بصورة متناسبة، وبما أن الجنوب يصوت في الغالب ككتلة واحدة في السباقات الانتخابية الرئاسية الحديثة، فإن الحزب الجمهوري مهتم دائماً باختيار مرشح يمثل قاعدته الانتخابية.
هل الولاية الأصلية ميزة؟
بصورة عامة، يتوقع أن يكون للذي يترشح في ولايته الأصلية ميزة في الانتخابات، ولأن نيكي هايلي كانت حاكمة ساوث كارولاينا لدورتين متتاليتين بين عامي 2011 و2017، كما كانت مشرعة في مجلس النواب بالولاية لثلاث دورات متتالية، فمن المنطقي أن تتمتع بشهرة أعلى بعد أن بنت حياة مهنية وسمعة طيبة هناك، وتعرف الناخبون عليها وعلى سجل إنجازاتها، كما أن المرشح الذي ينتمي للولاية يعرف ثقافتها أكثر ونقاط الضغط السياسي فيها، فضلاً عن أن الروابط المشتركة في الولاية تعمل على تشكيل هوية تعمل على تعزيز العلاقة مع الناخبين على أساس الثقة.
كل هذا كان من الممكن أن يضيف ميزة انتخابية كبيرة ربما عولت عليها هايلي في لحظة من اللحظات، لكن لسوء حظها، فإن كل استطلاع للرأي أجري على الناخبين في ولايتها الأصلية على مدى الشهرين الماضيين أظهر أن ترمب يتقدم عليها بأكثر من 20 نقطة، لدرجة أنها زعمت أخيراً أنه لا يهم إذا لم تفز بولاية ساوث كارولاينا، ما دامت تسد الفجوة مع ترمب.
مشكلتان أمام هايلي
لكن هايلي لا تواجه في ولايتها مشكلة واحدة، بل اثنتين، الأولى أن منافسها الوحيد في ولايتها الأصلية أكثر منها شهرة، فقد كان الرئيس السابق للولايات المتحدة لأربع سنوات، وهو ما زال منذ خروجه من البيت الأبيض عام 2021 زعيم الحزب الجمهوري بلا منازع والأكثر نفوذاً فيه، كما أن "حزب الشاي"، وهو جماعة سياسية محافظة اعتمدت عليها هايلي للفوز في ولايتها قبل 12 عاماً، اندمج معظم أعضائه وقياداته في مجموعة "ماغا" (اجعل أميركا عظيمة مرة أخرى) التي تدين بالولاء المطلق لترمب.
أما المشكلة الثانية فتتعلق بأنها لم تكن محبوبة بدرجة كافية في ولايتها، لأن كثيراً من الدعم الذي كانت تحظى به في الماضي لم يأت من المؤسسة الجمهورية، فعندما ترشحت لمنصب الحاكم للمرة الأولى في عام 2010، تنافست مع عدد من السياسيين الجمهوريين الرئيسين وتغلبت عليهم جميعاً، لكن أثناء وجودها في منصبها، لم تكن من الأشخاص الذين يصطفون مع الحزب الجمهوري بالولاية وأدى ذلك في كثير من الأحيان إلى صراع مع مشرعي الولاية. كما خسرت بعض التأييد الشعبي عندما قادت عملية إنزال العلم الكونفيدرالي (المرتبط بولايات الجنوب الانفصالية خلال الحرب الأهلية الأميركية) من أراضي مقر الولاية عقب حادثة إطلاق نار جماعي في كنيسة للسود بمدينة تشارلستون، لكن قضية العلم الكونفيدرالي ارتبط بصورة كبيرة بهوية الحزب الجمهوري، وأدت إلى خسارة حاكم سابق إعادة انتخابه، وهو ديفيد بيزلي عندما اعترض على رفع العلم.
وبحسب أستاذة العلوم السياسية في كلية "تشارلستون" كندرا ستيوارت فإن جزءاً كبيراً مما جعل هايلي دخيلة على سياسة ولاية كارولاينا الجنوبية هو أنها امرأة، بالنظر إلى أن ولاية ساوث كارولاينا كانت دائماً قرب أسفل القائمة من حيث عدد النساء المنتخبات لشغل مناصب سياسية بسبب الثقافة السياسية القائمة على الأدوار التقليدية للجنسين، ولهذا قللت هايلي كثيراً من حقيقة أنها كانت أول حاكمة لولاية ساوث كارولاينا، فضلاً عن التمييز بين الجنسين الذي تواجهه النساء عموماً في السياسة، وذلك لأنها سياسية ذكية تدرك أن هذه القضايا لا تحظى بقبول واسع في الولاية.
هل من إمكانية للفوز؟
تظهر استطلاعات الرأي الأخيرة في ولاية ساوث كارولاينا أن ترمب يتقدم على هايلي بفارق 36 نقطة، وهي خسارة حاسمة من شأنها أن تجعل ترشيح الحزب الجمهوري لها بعيداً من متناول اليد وتوفر خاتمة مؤلمة لمسيرتها السياسية في ولايتها الأصلية، ومع ذلك يرى البعض أنه ما زالت هناك فرصة ضئيلة للفوز أو في الأقل الاقتراب مما قد يسجله ترمب، ويعود ذلك جزئياً إلى النظام الانتخابي في ولاية ساوث كارولاينا، والذي يعقد بالنظام المفتوح، إذ لا يضطر الناخب أن يقوم باختيار حزب سياسي عندما يقوم بالتسجيل للتصويت، بل عليه فقط التسجيل كمواطن من ولاية ساوث كارولاينا الجنوبية، وذلك على خلاف الانتخابات التمهيدية المغلقة التي لا تسمح للناخب التصويت إلا في الانتخابات التمهيدية للحزب الذي يكون عضواً فيه.
ولهذا يخلق نظام الانتخابات المفتوح في ولاية ساوث كارولاينا، قدراً كبيراً من المرونة عندما يتعلق الأمر بالتصويت، ولن يحرم من التصويت سوى الناخبين المسجلين الذين صوتوا بالفعل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في الثالث من فبراير (شباط)، والتي كانت نسبة المشاركة فيها منخفضة للغاية، ما يشير إلى أن هناك كثراً من الناخبين المؤهلين الذين لا يصوتون عادة للجمهوريين، يمكنهم الآن التصويت للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري المقبلة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويعتقد عدد قليل من المراقبين أن عدداً كبيراً من هؤلاء الأشخاص سيشاركون في الانتخابات التمهيدية للتصويت ضد ترمب، وهو ما سيكون بمثابة تصويت لصالح هايلي، ما يطرح أسئلة حول ما إذا كان هذا العدد كافياً من الناخبين لتغيير نتيجة الانتخابات التمهيدية.
وهناك نقطة أخيرة يجب تذكرها، وهي أن استطلاعات الرأي تركز في الغالب على الأشخاص الذين صوتوا في الانتخابات التمهيدية السابقة للحزب الجمهوري، وعندما تكون توقعات الاستطلاع خاطئة، يكون ذلك دائماً لأن عينات الاستطلاع لم تعكس الأشخاص الذين شاركوا بالفعل، ولهذا السبب يفترض البعض أن عدداً لا بأس به من الديمقراطيين والمستقلين سيدلون بأصواتهم، من ثم سيكون دعم هايلي أعلى قليلاً مما تتوقعه استطلاعات الرأي.
هل من فرصة أخرى إذا خسرت ولايتها؟
لكن، إذا خسرت الفوز في ولايتها الأصلية، سيكون من الصعب أن يتبقى لديها أي فرصة للترشيح النهائي من الحزب وفقاً للبيانات التاريخية الأميركية، التي رصدها تشارلي هانت أستاذ مساعد العلوم السياسية في جامعة "بويز" في الفترة من عام 1992 إلى عام 2020، والتي أظهرت أن النسبة المئوية للأصوات التي حصل عليها المرشحون في الانتخابات التمهيدية في ولايتهم الأصلية تقترب من المتوسط الذي حصلوا عليه في الانتخابات التمهيدية في الولايات الأخرى التي أجريت بها الانتخابات قبل أو أثناء أو في يوم ولايتهم الأصلية نفسه. كما تؤكد هذه البيانات أنه لم يكن هناك في تاريخ الانتخابات التمهيدية الرئاسية الحديثة، منذ عام 1972، أي مرشح نهائي واحد من أي من الحزبين لم يفز في ولايته الأصلية، وبهذا المعنى، فإن فوز هايلي بترشيح الحزب الجمهوري في النهاية من دون فوزها بولايتها الأصلية سيكون أمراً غير مسبوق بالمعنى الحرفي للكلمة.
لماذا تصر هايلي على الاستمرار؟
وفقا لهذه المقدمات، فإن فوز ترمب في ولاية ساوث كارولاينا من شأنه أن يكتب الفصل الأخير من واحدة من أهم القصص السياسية، إذ من المؤكد أن ناخبي ساوث كارولاينا سيسببون لنيكي هايلي إحراجاً سياسياً، لأنها ستكون هزيمتها الرابعة على التوالي في الولايات التي انتهت من الانتخابات التمهيدية المبكرة.
ومع ذلك، تعهدت هايلي مواصلة تحدي ترمب حتى يوم الثلاثاء الكبير في الخامس من مارس (آذار) في الأقل، إذ ستجري نحو 16 ولاية انتخاباتها التمهيدية منها أكبر ولايتين أميركيتين وهما كاليفورنيا وتكساس.
وبطبيعة الحال، قد يكون لدى هايلي نتائج أخرى في ذهنها، ومن بين ذلك أنه حتى لو ظلت تحتل المركز الثاني بصورة ثابتة في الانتخابات التمهيدية، فإنها يمكن أن تنتظر الترشيح من الحزب إذا منعت الصعوبات القانونية ترمب من الخدمة كرئيس، بخاصة أنها تحولت بعدما أحرقت أي جسور بينهما في الأشهر الأخيرة إلى توجيه انتقادات حادة لترمب وتحديها مطالبه لها بالانسحاب من السباق، وهي الآن تستنزف موارده، التي أضعفها بالفعل عديد من المتاعب القانونية، كما أنها تذكر الناخبين المستقلين ونساء الضواحي بالأشياء التي لا يحبونها فيه.
وفي مقابلة مع صحيفة "وول ستريت جورنال" في وقت سابق من هذا الشهر، قالت هايلي إنها ليست لديها مخاوف في شأن الضرر الذي ربما تلحقه بحملة ترمب للانتخابات العامة، وقد أظهرت قدرتها على الاستفادة من هجمات الرئيس السابق ضدها، إذ لم تؤد ردوده إلا إلى تعزيز جمع التبرعات إليها، بما في ذلك بين بعض الديمقراطيين.
لكن، إذا خسر ترمب انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) أمام الرئيس جو بايدن الضعيف سياسياً، فقد تبرز هايلي كصوت رائد لإعادة الحزب الجمهوري إلى جذوره التقليدية، ويمكن أن تكون أفضل مرشح لعام 2028، لكنها ستحتاج إلى التصالح مع شريحة كبيرة من قاعدة الحزب التي تنظر إليها الآن بعين الشك بسبب هجماتها على ترمب.