Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبح السودان ساحة لمواجهة بين قوات أوكرانية و"فاغنر"؟

تحذيرات من انتقال نيران الصراعات على النفوذ الدولي والإقليمي إلى الخرطوم

شابات سودانيات يشاركن في تدريب عسكري يهدف إلى دعم الجيش في منطقة القضارف شرق السودان، في 26 فبراير الحالي (أ ف ب)

ملخص

هل اجتذب القتال في السودان الحرب الروسية الأوكرانية إلى أراضيه؟

يبدو أن حرب السودان بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، بدأت باجتذاب مزيد من نيران صراع النفوذ الدولي والإقليمي، وأن لاعبين دوليين آخرين يبحثون عن أرض لتصفية حساباتهم في السودان، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لا سيما بعد التقارير التي تشير إلى مشاركة القوات الأوكرانية في الحرب السودانية وتوسيعها نطاق القتال ضد روسيا خارج حدودها، في وقت يشتد فيه الاستقطاب الدولي والإقليمي وصراع المحاور والموارد، مما قد  يدفع بحرب السودان إلى مسارات أوسع نطاقاً في محيط إقليمي مسكون بالهشاشة وتصدعه النزاعات أصلاً.

أوكرانيا في السودان

ونشرت صحيفة "الإيكونوميست" ما اعتبرته دليلاً على مشاركة قوات أوكرانية في حرب السودان وهو مقطع فيديو لعملية تحقيق ميدانية يجريها ضابط من القوات الخاصة الأوكرانية مع عناصر من مجموعة "فاغنر"، أحدهم روسي الجنسية، داخل السودان.

وذكر تقرير للصحيفة أن الفيديو يشير إلى جذب حرب السودان صراعات دولية، وأن أوكرانيا تعمل على توسيع نطاق قتالها ضد روسيا إلى ما هو أبعد من حدودها. ويتفق مع هذا الرأي بعض الدبلوماسيين الغربيين ومصادر مقربة من القوات المسلحة الأوكرانية، بينما لم تؤكد أوكرانيا أو الولايات المتحدة تلك المزاعم أو تنفيها.

ويُظهر الفيديو، الذي نشرته قبلاً صحيفة "كييف بوست"، عملية تحقيق يجريها ضابط أبيض البشرة مع ثلاثة مقاتلين معصوبي الأعين، يخاطب أحدهم (أبيض البشرة أيضاً)، باللغة الروسية، ويجيبه الرجل بأن المقاتلين الثلاثة ينتمون إلى مجموعة "فاغنر" الروسية، ضمن 100 من عناصرها دخلوا إلى السودان من جمهورية أفريقيا الوسطى.


قوات خاصة

وكانت "كييف بوست" قد نشرت المقطع المشار إليه على أنه لقوات خاصة أوكرانية تستجوب فيه مقاتلين من مجموعة "فاغنر" الروسية الخاصة، في السودان. ويظهر في الفيديو، الذي نقلته أيضاً صحيفة الـ"غارديان" البريطانية، عسكريين أوكرانيين من القوات الخاصة يتفقدون مركبات عسكرية تحمل شعار "فاغنر" على مقاعدها.

ونقلت "كييف بوست" عن مصادر في القوات الخاصة الأوكرانية، أنه "من المرجح أن القوات الأوكرانية تستهدف القضاء على فاغنر وشركائها في السودان. العمل الذي خططنا له في السودان يتم تنفيذه".

وسبق أن تداول ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تُظهر ما يعتقد أنها قوات خاصة أوكرانية (قناصون) تشن هجمات انتقائية لصالح الجيش في السودان. ويُزعم وجود طائرات أوكرانية مسيرة انتحارية تهاجم تجمعات ومواقع قوات "الدعم السريع" داخل العاصمة السودانية.

ورغم عدم التحقق المستقل من صحة الفيديو، فإنه يعزز التكهنات بمشاركة قوات أوكرانية خاصة في حرب السودان كجزء من حملة أوكرانية تستهدف المصالح الروسية هناك.

وظهر على ذراع المحقق، في الفيديو، شارة "البومة"، وهي علامة المخابرات العسكرية الأوكرانية المسؤولة عن العمليات السرية.
 


بيئة مؤاتية

في هذا السياق، يرى أستاذ العلاقات الدولية، عبدالمنعم محمد عبدالله، أن "بيئة الحرب في السودان باتت خصبة بالنسبة لأي تدخلات خارجية، عسكرية كانت أم اقتصادية أم لوجيستية، حيث ينتظر طرفا الحرب أي مساندة أو دعم عسكري سواء بالسلاح أو المقاتلين أو حتى المشاركة المباشرة بقوات على الأرض حتى لو كانت محدودة".

ويلفت عبدالله إلى أن "كل المؤشرات تقول بظهور قوات خاصة أوكرانية في السودان، وبالقطع فإن دخولهم إلى السودان لم يتم خلسة، بل بموافقة وتنسيق تام مع السلطات السودانية، في وقت يبحث فيه الجيش عن أي دعم خارجي بالسلاح، ووسط اتهامات لمعظم دول الجوار الأفريقي بفتح حدودها لإمداد الدعم السريع بالسلاح والعتاد والرجال".

تحذيرات الرد

ويعتبر أستاذ العلاقات الدولية أنه "على رغم محدودية التدخل الأوكراني المباشر في حرب السودان لصالح الجيش، لكن ذلك المنحى قد يجر فاعلين آخرين إلى دخول ساحة المعركة، فإذا كانت أوكرانيا تسعى إلى تأكيد قدرتها على استخدام اليد الطولى في ملاحقة الأذرع الروسية داخل أفريقيا، فإن الطرف الآخر قد تكون له أيضاً ترتيباته للرد داخل الأراضي السودانية".

وكان الفريق ياسر العطا عضو مجلس السيادة الانتقالي، مساعد القائد العام للجيش، أكد أن قوات مجموعة فاغنر الروسية تقاتل في السودان وسقط لها قناص من عناصرها، وهي تقاتل إلى جانب قوات العدم السريع التي تضم كذلك مرتزقة من تشاد والنيجر ومالي".
وأشار العطا إلى أن قوات فاغنر توجد في كل مكان يضم شركات استخراج الذهب التابعة لقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) في السودان.

وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على "فاغنر" بعد تحقيقات كشفت دورها في استغلال ذهب السودان.


وقف الذهب

ويرى أستاذ العلاقات الدولية عبدالمنعم محمد عبدالله أن "أوكرانيا تسعى من خلال استهداف مجموعة فاغنر بالسودان، إلى الحد من نشاط تلك المجموعة الاقتصادي والتجاري في مجال الذهب، ووقف تدفقاته المهولة التي أسهمت في تخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا على روسيا".

ورغم نفي كل من "فاغنر" وقائد "الدعم السريع" أي دور للمجموعة الروسية الخاصة في القتال بالسودان، فإن شبكة "سي أن أن" الأميركية نقلت عن مصادر دبلوماسية سودانية وإقليمية إن المجموعة تزود قوات "الدعم السريع" بالصواريخ للمساعدة في قتالها ضد الجيش، بشكل عزز قدراتها القتالية.

ويشير عبدالله، كذلك إلى أن "وجود مجموعة فاغنر الروسية في مناطق التعدين بالسودان أمر واضح تحت واجهات وشركات تديرها المجموعة وتوفر لها الحماية بنفسها، بل ويتسنى لها تهريبها إلى الخارج مباشرة عبر مطارات قريبة تهيمن عليها". ويضيف أستاذ العلاقات الدولية، أنه "رغم محاولات قائد الدعم السريع العديدة التبرؤ من التحالف مع فاغنر لكن علاقاته القوية مع تلك المجموعة في مجالات التنقيب والتدريب والتسلح أمر لا يمكن إنكاره بسهولة، كونها تتم عبر شركاته التي تعتبر رائدة في إنتاج الذهب في جبل عامر ومن أكبر المنتجين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


عمليات نوعية

ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن "ظروف الحرب في أوكرانيا لا تتيح لها توسيع مشاركتها بقوات كبيرة في السودان، لذلك يمكن اعتبار عملياتها التي تمت في السودان بأنها انتقامية ونوعية وعلى نطاق ضيق باستهداف أنشطة مجموعة فاغنر مع تسهيلات تقنية في ما يتعلق بتوفير مجموعات من المسيرات الهجومية وتدريب الجيش على استخدامها".

وكانت صحيفة "الإيكونومسيت" اعتبرت أن المشاركة العسكرية الأوكرانية في حرب السودان، تهدف كذلك إلى استخدام السودان كنقطة للعبور من أجل الحصول على الأسلحة من دول أخرى.

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، إنه ناقش خلال لقائه قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان في إيرلندا، التحديات الأمنية المشتركة بين البلدين، مشيراً على وجه التحديد إلى "نشاط الجماعات المسلحة غير الشرعية الممولة بواسطة موسكو".

مسرح مفتوح

على نحو متصل لفت اللواء المتقاعد أمين إسماعيل مجذوب، المتخصص في إدارة الأزمات بمركز الدراسات الدولية، إلى أن "السودان أصبح الآن بالفعل مسرحاً وساحة مفتوحة للاستقطاب وتصفية الحسابات وصراع النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية، وهذا يرجع إلى أن الولايات المتحدة وأوروبا تعتبرانه إحدى مناطق أمنها القومي".

من جانب آخر يشير مجذوب إلى أن "روسيا أيضاً تعتبر أن السودان هو المنفذ الذي يتيح لها فرصة الولوج إلى البحر الأحمر وبالتالي تثبيت وجودها ونفوذها في هذه المنطقة التي غابت عنها لفترة من الزمن، وهي منطقة تتحكم في مسارات النفط في العالم حيث يمر نحو ثلثي احتياجات العالم من النفط، عبر البحر الأحمر وبخاصة احتياجات أميركا وأوروبا وآسيا من نفط الخليج".


ملاحقة خارج الحدود

ويتابع، "يحتدم الصراع على النفوذ الإقليمي والدولي بالمنطقة حول الموارد المرتبطة بالمعادن والغذاء وكلها متوفرة بالسودان، بجانب صراعات كانت تدور بعيداً عن القارة الأفريقية والسودان، لكنها انتقلت إليه الآن، مثل الصراع الروسي الأوكراني، حيث تشارك مجموعة فاغنر الروسية بجانب قوات الدعم السريع، بحسب إفادات قيادات عليا بالجيش السوداني، وبالتالي نجد أن أوكرانيا تدخل إلى ساحة الحرب بهدف ملاحقة وتدمير مجموعة فاغنر التي تأذت منها بشدة في حربها المتواصلة مع روسيا".

وفي وقت سابق، اتهمت وزارة الخزانة الأميركية قوات مجموعة فاغنر بتزويد "الدعم السريع" بصواريخ أرض جو، مما قد يمنحها دفعة في القتال ضد الجيش السوداني، الذي يعتمد بشكل كبير على الضربات الجوية في الحرب.

نفوذ وموارد

ويلفت مجذوب إلى أن "حرب النفوذ الدولي والإقليمي التي اشتعلت بالفعل في الأراضي السودانية، لن تتوقف ما لم تشعر النخب العسكرية والسياسية والمدنية وكافة منظمات المجتمع المدني بأن السودان بات في عين العاصفة، وتسارع إلى طي خلافاتها والاتفاق على دستور ومشروع قومي ونهج يتيح التبادل السلمي للسلطة بسلاسة من دون العودة إلى دوامة الانقلابات العسكرية".

من جانب آخر بحسب مجذوب، فإن "هناك صراعاً بين الدول الغنية العالمية والإقليمية ذات الثقل المالي والاقتصادي الكبير الباحثة عن استثمارات في هذه المنطقة الأفريقية وأهمها السودان المعروف بوفرة موارده الطبيعية المتنوعة من معادن، وبترول، وغاز، وأراضٍ زراعية شاسعة وخصبة، ومصادر مياه متجددة، في مقابل نقص شديد في الغذاء يعيشه العالم، وهو أساس المشكلة والحروب في المنطقة".


أشرس الأعداء

وكانت مجموعة فاغنر من بين أشرس أعداء الجيش الأوكراني منذ بدء الهجوم الروسي في فبراير (شباط) 2022، غير أن تأثيرها تراجع بعد خلاف قائدها يفغيني بريغوجين مع القيادة العسكرية الروسية، ثم مقتله في حادثة تحطم طائرة في أغسطس (آب) العام الماضي.

وأقام قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو، علاقات مع روسيا.

ولعبت مجموعة "فاغنر" دوراً محورياً في الحملات العسكرية الخارجية لموسكو، تحديداً في أوكرانيا، واتُهمت مراراً وتكراراً بارتكاب فظائع. وفي أفريقيا أسهمت "فاغنر" في تقوية نفوذ موسكو المتزايد والاستيلاء على الموارد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير