ملخص
شكّل نجاح الحركة الاحتجاجية الغاضبة في ميشيغان تهديداً خطيراً ضد بايدن، لأنها تقوض ما توقعه حلفاؤه في السابق، من حملة يسيرة داخل الحزب الديمقراطي
على رغم فوز الرئيس الأميركي جو بايدن السهل بالانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي في ولاية ميشيغان الثلاثاء، إلا أنه كان فوزاً مريراً تلقى فيه درساً قاسياً من الناخبين الأميركيين العرب والتقدميين والشباب الذين لم يصوتوا له احتجاجاً على دعمه إسرائيل في أول اختبار حاسم يهدد فرص بقائه في البيت الأبيض لأربعة أعوام أخرى، بينما يواصل خصمه المحتمل بقوة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، دونالد ترمب، المضي قدماً في طريق سريع وسلس نحو ترشيح حزبه الجمهوري على رغم التحديات التي تفرضها نيكي هايلي على السباق، فهل تطيح ميشيغان بآمال بايدن في الرئاسة، وتقرّب ترمب من البيت الأبيض؟
صفعة غير متوقعة
حينما سأل أحد الصحافيين، جو بايدن قبل نحو شهر، حول ما إذا كان يخشى خسارة أصوات العرب الأميركيين بسبب دعمه المطلق لإسرائيل في غزة، سخر بايدن من السؤال وقلل من أهمية أصوات العرب الأميركيين، ربما لأن أصواتهم لم تكن حاسمة أو مؤثرة في أي انتخابات رئاسية سابقة، لكن على غير ما توقع الرئيس الأميركي، جاء الرد سريعاً عبر صفعة مدوية، فقبل ثلاثة أسابيع فقط، نظّم العرب الأميركيون في ولاية ميشيغان حملة واسعة تحت عنوان "استمع إلى ميشيغان" حثوا فيها جميع الناخبين الديمقراطيين على رفض التصويت لبايدن في الانتخابات التمهيدية للحزب واختيار بدلاً من ذلك خانةً في بطاقة الاقتراع تسمى "غير الملتزمين" والتي يمنحها النظام الانتخابي لغير الراغبين في اختيار مرشح بعينه.
ونالت الحملة تأييداً واسعاً ليس فقط بين الناخبين الأميركيين العرب والمسلمين الذين يقدَّر عددهم بنحو 300 ألف شخص وفقاً لصحيفة "واشنطن بوست"، بل أيضاً بين عشرات آلاف الشباب والسود والتقدميين في الحزب، وهو ما أدى مع نهاية يوم الانتخابات إلى تصويت 100 ألف ناخب على الأقل في خانة "غير الملتزمين" بما يمثل نحو 13 في المئة من إجمالي الناخبين، وهو رقم يتجاوز بكثير الهدف الذي حددته الحملة بنحو عشرة آلاف صوت فقط.
وكان هدف الحركة الاحتجاجية المعلن هو تحذير بايدن من أنه إذا لم يغير موقفه الداعم لإسرائيل بشأن غزة، فسيتعين عليه مواجهة التداعيات في الانتخابات العامة المقررة يوم 5 نوفمبر المقبل، والآن بعد أن وصل سخط عشرات آلاف الناخبين إلى بطاقة الاقتراع للمرة الأولى، يمكن أن تنتشر مشاعر الإحباط إلى ولايات أخرى وتجعل بايدن يدفع ثمناً باهظاً.
رسالة تحذير
وشكّل نجاح الحركة الاحتجاجية الغاضبة في ميشيغان تهديداً خطيراً ضد بايدن، لأنها تقوض ما توقعه حلفاؤه في السابق، من حملة يسيرة داخل الحزب الديمقراطي، لا يواجه فيها خصماً مهماً على رغم التحدي الرمزي لعضو مجلس النواب دين فيليبس الذي فشل في تحقيق أي نتيجة مهمة.
وعلى رغم فوز بايدن بأكثر من 80 في المئة من أصوات الناخبين في ميشيغان، إلا أن حملته لا شك أنها تصببت عرقاً بعدما أصبح عدد من صوتوا في خانة "غير الملتزمين" كافياً لقياس مدى المقاومة التي تواجه الرئيس الأميركي داخل الحزب الديمقراطي، بما يبعث برسالة تحذير على مستوى الولايات المتحدة، ويطلق أجراس الخطر في ميشيغان التي فاز بها عام 2020 بفارق 154 ألف صوت، بخاصة أنه يتراجع الآن في استطلاعات الرأي الأخيرة أمام الرئيس السابق ترمب، ما يهدد بخسارته الولاية المتأرجحة التي تعد واحدة من ساحات المعركة الرئاسية الأكثر سخونة في نوفمبر.
وحتى مع محاولة بايدن الضغط على إسرائيل لإنهاء الحرب والتعبير عن آماله في وقف قريب لإطلاق النار، ما زالت استطلاعات الرأي تظهر أن غالبية الديمقراطيين لا يوافقون على طريقة تعامله مع الحرب في غزة. وقاطع المتظاهرون المطالبون بوقف ما يصفونه بالإبادة الجماعية، مراراً جولاته الانتخابية في جميع أنحاء البلاد، لدرجة أنه لم يقم بحملته الانتخابية في ميشيغان خلال الأسابيع الثلاثة التي سبقت الانتخابات التمهيدية، وسافر عدد قليل من كبار الديمقراطيين لدعمه في الولاية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أهمية ميشيغان
وتمثل ولاية ميشيغان أهمية بالغة في السباق نحو البيت الأبيض، فهي واحدة من سبع ولايات متأرجحة أخرى تحدد عادةً الفائز بالانتخابات الرئاسية الأميركية وهي ويسكونسن، وبنسلفانيا، ونيفادا، وجورجيا، وأريزونا، ونورث كارولينا، ولهذا تمثل خسارتها ضربة كبيرة للمتنافسين، وبالنسبة للرئيس بايدن فقد كسب ولاية ميشيغان في عام 2020 ضد ترمب بفارق 154 ألف صوت، بينما فاز بها ترمب ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في عام 2016 بفارق 11 ألف صوت فقط، وإذا استمر التصويت العقابي من العرب الأميركيين وغيرهم من الديمقراطيين في الولاية فإن ذلك سيعقد فرص بايدن في الفوز وربما يجعله مستحيلاً.
وبينما صوّت حوالى 20 ألف ديمقراطي في خانة "غير ملتزمين" في كل من الانتخابات التمهيدية الرئاسية الثلاث الأخيرة للحزب الديمقراطي في ميشيغان، فإن تصويت حوالى 100 ألف، بما يماثل خمسة أضعاف الأرقام السابقة، يعدّ نذير خطر كبير على بايدن، وربما يحمل آثاراً دائمة على الانتخابات العامة، بخاصة إذا تمسك بموقفه إزاء ما يجري في غزة أو فشل في ممارسة الضغوط اللازمة لوقف الحرب حتى بعد شهر رمضان الذي ربما يشهد اتفاقاً أولياً لوقف موقت لإطلاق النار.
وفي وقت يصر قادة الحركة الاحتجاجية ضد بايدن على أنهم لا يريدون إيذاء الرئيس في الانتخابات العامة، فإنهم يأملون في إقناعه بأن موقفه من إسرائيل سيضره سياسياً حتى يتمكن من التصحيح، ولهذا حذر عضو مجلس النواب الأميركي، رو خانا، الذي يعد أحد ممثلي بايدن، من أن الرئيس سيخسر ميشيغان في نوفمبر إذا حافظ على سياسة الوضع الراهن.
ترمب يتقدم
وما يزيد من علامات الخطر للرئيس بايدن أن خصمه المرتقب ترمب، يواصل تقدمه بيسر وزخم للفوز بترشيح حزبه الجمهوري في المؤتمر الوطني الصيف المقبل، حيث سجل ترمب في ميشيغان واحدة من أبرز انتصاراته على منافسته الوحيدة المتبقية نيكي هايلي وتجاوزت الأصوات التي جمعها أكثر من 68 في المئة في مقابل نحو 26 في المئة فقط لهايلي، أي أن الفارق بينهما تجاوز 40 نقطة مئوية وهي انتكاسة كبيرة لهايلي ربما بسبب انشغال غالبية الديمقراطيين الذين كان من الممكن أن يساندونها في نظام التصويت المفتوح في تلك الولاية عبر التصويت لبايدن أو التصويت لخانة غير الملتزمين.
وعلى رغم أن ترمب يقترب بسرعة من استكمال عدد المندوبين اللازم لترشيح حزبه بحلول الـ19 من مارس المقبل أو حتى قبل هذا التاريخ، إلا أن استمرار هايلي في منافسته يزعجه كثيراً لأنها تواصل مهاجمته وتحذير الجمهوريين بأنه سيخسر الانتخابات العامة أمام بايدن كونه كان سبباً في خسارات متتالية للجمهوريين في انتخابات الأعوام 2018 و2020 و2022 وأنه يتسبب في إبعاد الجمهوريين عن الحزب بدلاً من أن يوحد الحزب الجمهوري خلفه.
مواجهة صعبة
وفي حين تتزايد الأجواء الضبابية وتتباين التقديرات حول فرص فوز كل من بايدن وترمب، تثير استطلاعات الرأي قلق الديمقراطيين الذين يرون خلال الأيام الأخيرة تقدماً ثابتاً لترمب في الولايات المتأرجحة، فغداة استطلاع أظهر أن ترمب سيستعيد ولاية ميشيغان من بايدن، أظهر استطلاع جديد أنه يتفوق بفارق 3 في المئة على الرئيس في ولاية ويسكونسن، ما يمنحه السيطرة على جميع الولايات السبع الرئيسة المتأرجحة.
ويثير عمر الرئيس بايدن وذاكرته الضعيفة وزلّات لسانه شكوكاً جدية في أذهان 62 في المئة من الناخبين الذين يدعمونه، وفي المقابل تثير لوائح الاتهام الجنائية الموجهة لترمب شكوكاً لدى 56 في المئة من الناخبين، كما تثير نتائج التصويت في ولايات أيوا، ونيوهامبشر، وساوث كارولينا، والتي لم يدعم فيها نحو 40 في المئة الرئيس السابق، الأمر الذي ربما يكون بمثابة إشارة تحذير له بأن دعمه داخل الحزب ضعيف وأن هناك خطراً من ألا يدعمه الجمهوريون في الانتخابات العامة.
ولكن في النهاية، يشير التاريخ إلى أن الغالبية العظمى من الجمهوريين ستدعمه، حتى لو كانوا يفضلون بديلاً في الانتخابات التمهيدية أو كانت لديهم مخاوف بشأن شخصيته وترشيحه.