ملخص
على رغم النقلة النوعية التي أحدثتها الروبوتات إلا أن هناك أخطاء سجلت شملت سقوط قطع أدوات محترقة أو مكسورة على المريض، وحدوث شرر كهربائي يصيب المرضى
أحدثت الروبوتات ثورة في إجراء الجراحات الدقيقة منذ إدخالها إلى غرف الجراحات في عام 2001، وباتت موجودة في معظم مستشفيات المعمورة، إذ يستخدم الجهاز الأكثر تطوراً المسمى "دافنشي" في 1.5 مليون جراحة كل عام، ناهيك بأن الذكاء الاصطناعي والتقنيات الجديدة سهلت على المهندسين تطوير روبوتات متقدمة تبشر ببزوغ عصر جديد في الجراحة.
لكن هذه الروبوتات لا تعمل حتى يومنا هذا من تلقاء نفسها، بل يستخدمها الجراح كأداة أثناء الجراحة تماماً كالمعدات والتقنيات الأخرى. ويمتلك الروبوت الجراحي أذرعاً تفاعلية تعمل بمثابة امتدادات لأيدي الجراح، وهذه الأذرع مجهزة بأدوات جراحية وكاميرات ثلاثية الأبعاد مكبرة ومحسنة لمنطقة الجراحة إلى جانب وحدة تحكم جراحية يتحكم الجراح من خلالها في كل حركة.
وتتيح الجراحة الروبوتية للأطباء إجراء عديد من أنواع الجراحات المعقدة بدقة ومرونة وتحكم أكبر مقارنة باستخدام التقنيات التقليدية. وترتبط عادة بالجراحة الصغيرة، أي الجراحات التي تجرى من خلال شقوق جراحية بسيطة. وعلى رغم ذلك قد يكون لها آثار سلبية، إذ سجلت "إدارة الغذاء والدواء الأميركية"، أكثر من 20 ألف خطأ تتعلق بروبوتات "دافنشي"، تتضمن أكثر من 2000 إصابة و274 حالة وفاة، كان آخر الوفيات المسجلة قبل نحو أسبوعين، حين تسبب الروبوت بثقب في أمعاء إمرأة أميركية خلال إجراء جراحة لعلاج سرطان القولون لديها، نتج منه نزف داخلي قاتل أودى بحياتها.
فوائد الروبوتات الجراحية
بادئ ذي بدء لا بد لنا من الإشارة إلى أن الروبوتات الجراحية لها فوائد كبيرة، لعل أبرزها أنها تسمح للمرضى بالتعافي بشكل أسرع والعودة للأنشطة اليومية في وقت قصير. إضافة إلى ذلك فإن الجراحات الروبوتية لها مضاعفات جراحية أقل وتؤدي إلى ندبات أصغر وأقل وضوحاً، في حين يفقد المرضى خلالها كمية أقل من الدم ويشعرون بألم أقل بعدها.
بالنسبة إلى الجراحين يعزز الروبوت الجراحي الدقة والمرونة والتحكم أثناء الجراحة، وتتمتع الأذرع الآلية بنطاق حركة أكبر من المعصم البشري، لذلك يستطيع الجراحون عبرها التنقل بنجاح في المناطق التي يصعب الوصول إليها من دون التسبب بضرر للأنسجة المحيطة. كما تسهل الجراحة الروبوتية بعض الإجراءات الدقيقة والمعقدة التي قد تكون صعبة أو مستحيلة مع الطرق الأخرى. وأخيراً يقوم الروبوت بحركات التمدد والانحناء اللازمة للوصول إلى المواقع الجراحية الصعبة، وهذا ما يمكن أن يقلل من أخطار التعرض للعدوى في موضع الجراحة ويترك ندوباً أصغر لا تلاحظ بسهولة.
وتستخدم الروبوتات الحالية الكاميرات لتزويد الجراحين بصورة ثلاثية الأبعاد، يمكنهم مشاهدتها من خلال سماعة الرأس أو وحدة التحكم، فيما تعمل الأجهزة الأحدث على تحسين تلك المعلومات من خلال صور الواقع المعزز. وعلى سبيل المثال توفر روبوتات "دافنشي" الحديثة رؤية ثانوية "للموجات فوق الصوتية"، وباستخدام الذكاء الاصطناعي قد يتمكن الروبوت من تحديد وتسليط الضوء على المعلومات المهمة التي لا يلاحظها الجراح، وهذا ما يحدث بالفعل حالياً في مجال الأشعة.
حدود عملها الجراحي
وعلى رغم فوائدها الكبيرة والنقلة النوعية التي أحدثتها في عالم الطب، لا يمكن لهذه الروبوتات أن تعمل من دون مساعدة الأطباء، فهي أقرب إلى أداة جراحية متقدمة، ونظامها الآلي غير قادر على "التفكير" بمفرده، ولا يمكن أن يعمل من دون سيطرة الجراح. وبذلك فهو يستجيب لحركات اليد والأصابع الدقيقة للجراح فحسب، ويتطلب وجود الجراح في غرفة الجراحات، وإشرافه على الجراحة طوال الوقت.
وتواجه الجراحة الروبوتية المستقلة قيوداً عدة تحتاج إلى معالجة، وأحد التحديات الرئيسة يتجسد بصعوبة التعامل مع الجراحات شديدة التعقيد التي تتطلب اتخاذ قرارات تكيفية في الوقت الفعلي. كما أن جودة بيانات الاستشعار وردود الفعل اللمسية المحدودة يمكن أن تعوق اتخاذ القرار الدقيق والتكيف في الوقت الحقيقي أثناء الجراحات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إضافة إلى ذلك قد تواجه الروبوتات الجراحية المستقلة صعوبة في التكيف مع السيناريوهات الجراحية غير المتوقعة أو تواجه مواقف معقدة لم تواجهها أثناء تدريبها، وبطبيعة الحال سيؤثر نقص الخبرة في مثل هذه السيناريوهات الجديدة في أدائها وفعاليتها بشكل عام.
ويعد تدريب الروبوتات الجراحية المستقلة والتحقق من صحتها عملية شاقة تتطلب بيانات مكثفة واختبارات صارمة لإثبات سلامتها ودقتها. وهنا نلفت إلى أن عدم كفاية البيانات أو التحقق من صحتها يعني تقويض موثوقيتها السريرية، مما يجعل التقييم البشري الشامل أمراً بالغ الأهمية قبل اعتمادها على نطاق واسع.
أما الكلفة المرتبطة بتطوير واقتناء وتشغيل الروبوتات الجراحية المستقلة فغالباً ما تكون مرتفعة، مما يحد من توافرها وإمكان الوصول إليها، خصوصاً في المستشفيات أو المناطق ذات الموارد المحدودة.
وما ذكرناه آنفاً تثبته المعطيات الطبية على أرض الواقع، فمثلاً اقترب المهندسون في جامعة "جونز هوبكنز" الأميركية عام 2022، خطوة واحدة من تحقيق ما وصفوه بأنه أحد أكثر الإجراءات حساسية في ممارسة الجراحة، حين قام الروبوت "ستار" للمرة الأولى بجراحة دقيقة لأمعاء خنزير من دون مساعدة البشر، وأدى المهمة بشكل أفضل من الجراحين. بيد أن هذا النجاح لا يعني إجراء جراحة مستقلة في المستشفيات في أي وقت قريب، إذ لم يقم نظام "ستار" سوى بجزء صغير من الجراحة الكاملة من دون مساعدة بشرية، ما يعني بحسب العلماء أنه قام بأتمتة مهمة فرعية جراحية محددة.
الأخطار المحتملة
وبعد سرد كل هذه التفاصيل، يجب التنبه إلى أنه كما هو حال الإجراءات الطبية كافة، هناك أخطار محتملة يجب أخذها في الاعتبار للروبوتات الجراحية، فإذا لم يدرب الجراح بشكل صحيح على استخدام التكنولوجيا الجديدة، فقد لا يتمكن من استخدام الروبوت بأمان أو معرفة متى يكون استخدامه مناسباً. وهناك أيضاً احتمال حدوث أخطاء في التصميم أو في التصنيع، أو في البرمجة نفسها.
ووجدت دراسة لمعهد "ماساتشوستس للتكنولوجيا"، أن صعوبات ومضاعفات فنية حدثت في الجراحة الروبوتية، وأن الأخطاء شملت سقوط قطع أدوات محترقة أو مكسورة على المريض، وحدوث شرر كهربائي يصيب المرضى، وقيام الروبوتات بحركات غير مقصودة.
وأفادت دراسة شاملة أجرتها مجلة "نيو إنغلند جورنال أوف ميديسين" الطبية بقيادة باحثين من مركز "إم دي أندرسون" للسرطان عام 2018، بأن جراحات استئصال الرحم الجذري بالمنظار أو الروبوت عند النساء المصابات بسرطان عنق الرحم المبكر، ارتبطت بانخفاض معدلات البقاء على قيد الحياة. وتبع ذلك إطلاق "إدارة الغذاء والدواء الأميركية" تحذير عام 2021 من استخدام الأجهزة الجراحية المدعومة آلياً لاستئصال الثدي.
وبما أن الجراح يحتفظ بالسيطرة الكاملة لكون الآلة لا تتخذ القرارات من تلقاء نفسها، فهذا يعني بالضرورة تحمله المسؤولية الكاملة في حالة حدوث عطل فني. وتعرضت شركة Intuitive Surgical المطورة لروبوت "دافنشي"، للمقاضاة غير مرة في دعاوى قضائية تتهمها بالفشل في تزويد الطاقم الطبي بالتدريب المطلوب.
هل سيتم استبدال الجراحين بالروبوتات؟
وبناء على ما تقدم، لن يؤدي تطور الروبوتات الجراحية بأية حال من الأحوال إلى الاستغناء عن الدور البشري، وخير دليل على ذلك ما خلصت إليه كلية الجراحين الأميركية العام الماضي في تقرير تطرق لدور الذكاء الاصطناعي في الجراحة، بقولها إن الروبوتات تهدف إلى مساعدة أطباء الأشعة في العثور على إبرة في كومة قش، وليس استبدالهم. وينطبق الشيء نفسه على الإجراءات الطبية الأخرى، إذ يميل غالبية الخبراء في الجراحة الروبوتية والذكاء الاصطناعي إلى الاتفاق على أنه من غير المرجح أن يستبدل الجراحين البشر بالكامل بروبوت جراحي يتحكم فيه بواسطة الذكاء الاصطناعي.
من جهته يتفق أكسل كريجر، مبتكر روبوت "ستار"، مع كلية الجراحين الأميركية، مفيداً بأن الروبوتات الجراحية لم يكن المقصود منها أن تحل محل الجراحين البشر بالكامل في غرفة الجراحات، إنما تهدف إلى العمل جنباً إلى جنب معهم خلال العمل الجراحي، مما يساعدهم في إنجاز مهمات متكررة أكثر دقة، وفي النهاية زيادة الاتساق الجراحي من مريض إلى آخر.