ملخص
على رغم وجود قانون يجرم ختان الإناث في السودان وإقرار عقوبة الحبس والغرامة المالية، إلا أن عمليات الختان تبقى مزدهرة ومتزايدة بشكل أوسع.
في الساعات الأولى من الصباح، استقبلت أسرة عائشة أحمد التي تقطن مدينة القوز في إحدى ولايات كردفان جنوب الخرطوم، القابلة كلتوم بخيت وعدد من النسوة. بعد الترحاب، أتت الطفلة ذات الثماني سنوات لتلقي التحية على الضيوف، باغتتها والدتها حين قالت لها تهيئي اليوم ستصبحين فتاة بمعنى الكلمة، لم تعط عائشة الأمر أهمية وذهبت إلى اللعب مع رفيقاتها.
بعد مضي دقائق طلبت منها والدتها الحضور، ولدى وصولها، انتاب الخوف والرعب الطفلة بسبب التعامل الصارم والعنيف من القابلة التي دفعتها بقوة إلى إحدى غرف المنزل وسحبت من محفظتها السوداء علبة بلاستيكية مليئة بالشفرات بأحجام مختلفة.
حاولت عائشة الهرب لكنها لم تتمكن، نظرت إلى جدتها التي كانت دائماً تقف إلى جانبها، لكن ذلك لم يشفع لها، وضعتها النسوة على طاولة خشبية وأمسكن برجليها ويديها، فيما تولت والدتها مهمة تثبيت رأسها، بدأت تصرخ بأعلى صوتها وتترجاهن بألا يفعلن بها هذا، انهمرت الدموع على وجهها، وسال الدم على رجليها من دون أن يكترث أحد لمآساتها ومضين في تشويه جسدها بلا رحمة.
شهادة
22 سنة مرت، على إجراء عملية الختان، ولم تنس عائشة وجه القابلة كلتوم وقدرتها على فرض سطوتها بكل صرامة وحزم حتى على أسرتها التي كانت تراهن عليها في التخلي عن العادات والموروثات القديمة.
غير أن الخذلان كان نصيبها إثر عملية بتر وتشويه عضوها التناسلي لتعاني أوجاعاً استمرت سنوات، وأسهمت التجربة المريرة في أصابتها بعقدة نفسية، وراحت الكوابيس تطاردها إلى أن وصلت المرحلة الجامعية، وبدا وكأن الختان دمر حياتها بالكامل، إذ رفضت طلبات الزواج خشية تسببه في الطلاق، خصوصاً أن أكثر من صديقة تخلى عنها زوجها بسبب الختان.
تنام وانتشار
على رغم زيادة الوعي المعرفي في السودان، ووجود تشريعات قانونية تجرم ممارسة الختان، وبروز عدد كبير من المجموعات النسوية والمنظمات الحقوقية المناهضة لاستمرار الظاهرة، إلا أنها ظلت في تنام وانتشار، لا سيما في أحياء العاصمة الخرطوم النائية وبعض الولايات والمناطق بريف البلاد.
ضمن هذا التحقيق، تناقش "اندبندنت عربية" واقع ظاهرة ختان الإناث في السودان الذي يسهم في التشويه المتعمد للأعضاء التناسلية لدى كثيرات عقب استخدام إجراءات وبروتوكولات مخالفة للوائح الطبية، خصوصاً من أطباء وقابلات وأسر لا يزالون يجرون العمليات سراً وعلناً في بعض المدن والأقاليم والأرياف، على رغم وجود قانون تشريعي يجرم تلك المخالفات ويحاسب عليها، لتبقى مثل هذه الأعمال خارج نطاق الرقابة.
وتخشى كثير من المجموعات النسوية في البلاد انتشار الظاهرة، لا سيما مع اندلاع الحرب وغياب السطات المناط بها تطبيق القوانين في السودان.
نسب متفاوتة
لدى بحثنا عن الإحصاءات لمعدلات انتشار الختان في السودان تبين لنا وجود أرقام رسمية منذ عام 2014 فقط، إلى جانب آخر مسح أعدته وزارة الصحة السودانية عام 2018، ولم نتمكن من الحصول على إحصاءات عامي 2020 و2021، بسبب التخريب والتلف الذي تعرضت له مكاتب ومقار الجهات ذات الصلة بملف الختان أثناء الحرب الدائرة حالياً بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
وبحسب إحصاءات 2014، فإن نسبة الختان بين الفتيات "ما دون سن الـ14"، 31.5 في المئة، وبلغت النسبة عام 2006 للفئة العمرية ذاتها 41.6 في المئة، أما النسبة الكلية إلى الختان بين نساء السودان فبلغت نحو 87 في المئة في إحصاء عام 2014.
واحتلت ولاية شمال كردفان أعلى مرتبة في الممارسة، إذ بلغت نسبة الانتشار نحو 98 في المئة، وبلغت النسبة في ولاية نهر النيل 96.4 في المئة، وسجلت ولاية وسط دارفور أقل نسبة انتشار، إذ بلغت 45.4 في المئة، وتتفاوت نسب انتشار ممارسة الختان بين منطقة وأخرى بحسب معطيات تتعلق بتشكيلة الإثنيات المتعددة في البلاد وخلفياتها وثوابتها الثقافية حتى وإن اتخذت غطاء دينياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأظهر آخر مسح أعدته وزارة الصحة السودانية عام 2018 انخفاضاً ملحوظاً في ختان الإناث حيث بلغ معدل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية 27.18 في المئة بين الفتيات ما دون سن الـ14، وسجلت ولاية البحر الأحمر شرق البلاد أعلى معدل انتشار بنسبة 61.52 في المئة، بينما سجلت ولاية غرب دارفور انتشاراً أقل بنسبة 8.15 في المئة، ولا تغيير يذكر في ممارسة هذه العادة للفئة العمرية "15 - 49" سنة.
ووفق إحصاء رسمي أجرته منظمة الأمومة والطفولة "يونيسف" عام 2015، أشار إلى أن 86.6 في المئة من النساء والفتيات في السودان تعرضن لتشويه أعضائهن التناسلية، وأن 83 في المئة من هذه النسبة مختونات ختاناً فرعونياً، "وهو ذلك الختان الذي يبتر فيه جزء من الجهاز التناسلي بشكل كامل".
وفي شأن حالات الوفيات الناتجة من الختان، يقدر الأطباء النسبة من 10 إلى 30 بالمئة في بعض القرى السودانية. ويعرف ختان الإناث بأنه عملية قطع أو استئصال متعمدة للأعضاء التناسلية الخارجية للمرأة، وتشمل العملية في أغلب الأحيان استئصال أو قطع الشفرين والبظر.
غياب الرقابة
على رغم وجود قانون يجرم ختان الإناث في السودان وإقرار عقوبة الحبس والغرامة المالية، فإن عمليات الختان تبقى مزدهرة ومتزايدة بشكل أوسع.
وحظرت السلطات الطبية السودانية عام 2006، على جميع الكوادر الصحية إجراء عمليات ختان الإناث، وأصدر المجلس الطبي في البلاد قراراً طالب بموجبه جميع المراكز الصحية عدم إجراء عمليات ختان الإناث سداً للذرائع وقفلاً لأبواب تؤدي إلى مضاعفات مثل التتنوس والاحتقان المشفري والنزف.
المدافعات عن حقوق المرأة والمهتمات بقضاياهن، ناهضن ختان الإناث واعتبرنه جريمة يجب أن يحاسب عليها القانون. وكان من أحد المطالب البارزة خلال ثورة ديسمبر (كانون الأول) 2018، إذ خرجن يطالبن بضرورة إقرار قانون رادع يحمي الإناث من عملية الختان وسط مجتمع ما زال يؤمن بالعادة، خصوصاً في المناطق الطرفية البعيدة من العاصمة. المناهضة أتت بنتيجة، بحيث أجرت الحكومة الانتقالية تعديلاً على المادة 141 من القانون الجنائي المعدل في الـ10 من يوليو (تموز) 2020، وتنص على عقوبات تتضمن السجن والغرامة وسحب ترخيص العمل للمتورطين في جريمة ختان الإناث.
وبعد التقصي، رصدت "اندبندنت عربية" غياب القوانين واللوائح المنظمة والمراقبة الطبية لعدد من المستشفيات والمراكز الصحية في بعض ولايات كردفان ودارفور والمناطق الريفية، إذ يعمل أطباء وقابلات علناً وبموافقة الأسر خارج نطاق الرقابة.
وفي هذا الصدد، تشير الطبيبة والاستشارية لبنى علي إلى أن "ختان الإناث من المهددات للأطفال والشباب في المستقبل، وشخصياً تضررت منه وبسببه تأخرت عن الإنجاب لمدة ثماني سنوات، إذ لديه أخطار صحية على الفتاة الصغيرة، ويؤدي إلى الوفاة، وبحكم عملي في المجال الطبي كنت شاهدة على سيدات لقين حتفهن نتيجة تعثر الولادة بسبب الختان منهن ثلاث صديقات، فضلاً عن الآثار النفسية مثل تخوف الفتاة من الزواج والممارسة الجنسية نظراً إلى وجود آلام دائمة".
لختان الإناث أخطاراً صحية تؤدي في كثير من الأحيان إلى الإجهاض المتكرر والتأخر في الإنجاب والالتهابات الحادة في عنق الرحم نتيجة الجراحة خلال عمليات الولادة
وتضيف علي أن "الظاهرة في السودان مرتبطة بالعادات والتقاليد، وصدر قرار منع الختان من السلطات العدلية في عام 2003، وعلى رغم حملات المناهضة والجهود المستمرة، إلا أن التقاليد وقفت سداً منيعاً أمام التشريعات والإصلاحات وأسهمت في تنامي وانتشار الظاهرة على رغم عدم وجود نص في القرآن الكريم يشير إلى أن ختان الإناث محبب من السنة، على عكس ختان الأولاد".
ونبهت الطبيبة السودانية أن "لختان الإناث أخطاراً صحية تؤدي في كثير من الأحيان إلى الإجهاض المتكرر والتأخر في الإنجاب والالتهابات الحادة في عنق الرحم نتيجة الجراحة خلال عمليات الولادة، فضلاً عن الآثار النفسية للفتاة منذ الصغر بسبب الخوف المستمر".
وتتابع "لا توجد رعاية صحية متكاملة في بعض ولايات السودان والمناطق النائية، وتعمل القابلات دون اشتراطات طبية تسهم في نجاح عمليات الختان، لا سيما التعقيم والحقيبة الطبية، والأمر المؤسف استخدام القابلات لخيوط الحبال التقليدية في العمليات، وهو ما يؤدي إلى تعرض الفتيات لأخطار صحية بالغة الأثر في المستقبل، علاوة على اتباع بروتوكول فحص الدم قبل إجراء العمليات لمعرفة نسبة السيولة، وحدثت وفيات عدة نتيجة النزف الحاد والمستمر جراء الإهمال المتعمد وعدم تنفيذ خطوات فحوص الدم".
تشريعات وقوانين
بحسب ورقة قدمت في ورشة لمجلس الطفولة واليونيسف ومنظمات المجتمع المدني مطلع مايو (أيار) 2022، فإن محاولات وضع التشريعات لمحاربة ختان الإناث في السودان بدأت منذ عام 1924، واستمرت المحاولات حتى وصلت البلاد إلى نظام الحكم اللامركزي الذي أقره دستور عام 2005 بعد اتفاق السلام الشامل الموقع بين حكومة السودان و"الحركة الشعبية لتحرير السودان" الذي يخول للولايات سلطة إصدار وتشريع دساتيرها وكثير من القوانين على المستوى الولائي، وشجعت الخطوة كثيراً من الأقاليم على سن تشريعات تحت مسميات مختلفة لمنع تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية.
وفي يوليو (تموز) 2020، أعلنت وزارة العدل السودانية قانوناً يجرم ختان الإناث في مدن البلاد كافة. وتصل عقوبة ختان الإناث لمن يرتكبه، إلى ثلاث سنوات سجناً مع دفع الغرامة، وفق التعديل الذي أقره مجلس الوزراء السوداني في القانون الجنائي شهر مايو (أيار)، وتهم العقوبة تحديداً الشخص الذي يجري عملية الختان حتى ولو كان طبيباً.
وورد في نص المادة المعدلة "يعد مرتكباً جريمة كل من يقوم بإزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى، مما يؤدي إلى ذهاب وظيفته كلياً أو جزئياً سواء كان داخل أي مستشفى أو مركز صحي أو مستوصف أو عيادة أو غيرها من الأماكن، ويعاقب من يرتكب الجريمة بالسجن مدة لا تتجاوز ثلاث سنوات وبالغرامة".
أطباء على خط الأزمة
لم تكن الأسر وحدها المسؤولة عن ختان بناتهن، إذ دخل أطباء وقابلات على خط الأزمة، وأفادت تقارير رسمية بإجراء أطباء عمليات الختان في المنازل وفي بعض المستشفيات والمراكز الصحية وسط تكتم كبير.
وفي الشأن ذاته قالت القابلة مروة حمد قسم الله التي عملت في هذا المجال ثمانية أعوام بولاية شمال كردفان جنوب الخرطوم، إنها "تجري أسبوعياً عمليات ختان لعدد كبير من الفتيات، بعلم سكان المناطق التي لا يزال أهلها يعتزون بختان فتياتهن".
وأضافت أن "تمسك المجتمعات الريفية بالختان يعود للتقاليد الصارمة والمفاهيم الخاطئة وأحياناً من الشروط الدينية التي لا غنى عنها، وتبررها باعتبارها من المألوفات الضرورية، ولعبت هذه المعتقدات في انتشار الظاهرة في أقاليم دافور وكردفان والمناطق الريفية".
وأوضحت القابلة السودانية أن "الختان الفرعوني يتسبب في أضرار عدة من بينها حالات وفيات وسط الأمهات اللاتي لم تسلم أجسادهن من التشويه، فضلاً عن تعثر الولادة الطبيعية، مما يضطر كثيراً منهن لإجراء عمليات قيصرية".
القانون يغيب
في ظل تصورات المجتمعات عن أهمية العفة والشرف بالنسبة إلى الفتيات باتت قضية الختان في السودان شائكة ومعقدة، لتداخلها ما بين الاجتماعي والثقافي والديني.
يوضح المحامي والناشط في حقوق الإنسان جمال آدم موسى أنه "لا يوجد قانون يجرم ختان الإناث في السودان، والتشريعات الموجودة عبارة عن أوامر أو لوائح تمنع المختصين من الأطباء والممرضات عن القيام بإجراء عمليات بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية في البلاد، مع ذلك لم تحد هذه اللوائح أو تمنع انتشار الختان وظل كثير من الكوادر الطبية يمارسه في الخفاء حتى في العاصمة الخرطوم".
وأضاف أن "الظاهرة لها امتدادات مجتمعية عميقة وغارقة في القدم، وحتى الآن الوعي المعرفي لم يتبلور من أجل المناهضة، لا سيما شمال السودان وغرب وجنوب دارفور، والمناطق النائية في ولاية سنار وكذلك ولاية النيل الأزرق".
وطالب موسى المدافعين عن حقوق الإنسان بضرورة "تنظيم حملات مناصرة لمحاربة العادات الضارة والمسيئة للمرأة السودانية وإيقاف الجرائم التي ترتكب في حق الطفلات".
ونوه المحامي السوداني أنه "في الفترة من عام 2003 وحتى أبريل (نيسان) 2023، نظمت حملات توعوية عدة، فضلاً عن برامج وأنشطة من المدافعات عن حقوق المرأة والمجموعات النسوية الغرض، منها توسيع دائرة المعرفة والثقافة في ما يخص ختان الإناث، أسهمت في خفض النسبة في عموم ولايات السودان".
ويتابع "على رغم الجهود الكبيرة ما زالت نسبة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث مرتفعة بشكل مخيف، خصوصاً في إقليم دارفور وشمال السودان وولايات كردفان ومناطق الهامش، وبفضل الوعي والتعليم تخلت عدد من الأسر عن هذه العادة في مدينة مدني بولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم".
وحول التشريعات، يشير موسى إلى أن "هناك مادة في القانون الجنائي السوداني تجرم ختان الإناث"، وجاء في نصها "كل من قام بفعل أضر وتسبب في إزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى يعاقب من يرتكب الجريمة، لكن لا يوجد نص بعينه يجرم الختان، ويعود عدم وجود قانون يحد من الظاهرة للتأثير القوي للعادات والتقاليد في المجتمع السوداني، بالتالي فإن تقديم التشريع على التوعية يقود لكارثة حقيقية وينبغي أن تصدر القوانين بالتدرج".
توعية ومفاهيم
في سياق متصل، ترى مديرة وحدة مكافحة العنف ضد المرأة في السودان سليمى إسحق، أن "القانون خرج للعلن مع وجود خريطة طريق للتنفيذ، كما أن الآلية المجتمعية ذات أهمية قصوى ولا يمكن أن يكون القانون فاعلاً من دونها، وتسهم التوعية والمفاهيم المتطورة في إحداث تغيير في المورثات والتقاليد".
هناك مادة في القانون الجنائي السوداني تجرم ختان الإناث، وجاء في نصها كل من قام بفعل أضر وتسبب في إزالة أو تشويه العضو التناسلي للأنثى يعاقب من يرتكب الجريمة
وأقرت إسحق بتزايد الممارسة في بعض المناطق خصوصاً ولايات كردفان والوسط، مؤكدة وقوع عمليات ختان أثناء إغلاق البلاد إبان الموجة الأولى من جائحة كورونا وغياب الرقابة القانونية".
وتعتقد مديرة مكافحة العنف ضد المرأة أن "70 في المئة من سكان السودان شباب يشكلون سند حقيقي في مسألة التغيير والشراكات التي تقود إلى إنهاء ظاهرة بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية".
جدل ديني
يجادل رجال الدين المؤيدين لهذه العملية بأن "الختان له أصل في الشرع وثابت في الكتاب والسنة"، معتبرين أن المخالف للشرع فقط هو "الخفاض الفرعوني"، إذ ينطوي على مبالغة في إزالة أجزاء من العضو التناسلي للأنثى.
وهناك مثال يعكس تطوراً في الاهتمام بقضايا المرأة يتمثل في وقوف آخرين مثل الشيخ عبدالجليل الكاروري الذي قاد حملة "سليمة" لمحاربة ختان الإناث، جنباً إلى جنب مع منظمات المجتمع المدني بشعار "كل بنت تولد سليمة، دعوا كل بنت تنمو سليمة".
يقول رجل الدين السوداني محمد هاشم الحكيم، الذي يعارض الختان، إنه "يجب على رجال الدين مواجهة محاولات إدراج الحكم الديني في عادة متجذرة إلى حد كبير في الثقافة".
وكشف عن أن "هذه الممارسة تسبق الإسلام وتتجاوز الخطوط الدينية، ولا يستطيع أحد أن يقول إن الممارسة الضارة تنتمي إلى الدين".
مناصرة ومناهضة
ظلت المجموعات النسوية في السودان تعمل بصورة مستمرة للقضاء على ظاهرة ختان الإناث، وشكلت الجهود دعماً كبيراً وأسهمت في التغيير.
وفي هذا السياق اعتبرت الناشطة في العمل النسوي وحقوق المرأة إيمان حمد النيل أن "بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية جريمة بشعة في حق الأطفال، ويتسبب بمشكلات صحية ونفسية واجتماعية تستمر مع الفتاة طوال حياتها، لكن المجتمع السوداني المحافظ ظل ينظر إلى الختان على أنه مصدر للعفة مع وصم الفتيات غير المختونات".
وأضافت أن "منظمات المجتمع المدني والمدافعات عن حقوق المرأة والمهتمات بقضاياهن، ناهضن الظاهرة بقوة وطالبن بضرورة وحماية وسلامة أجساد الطفلات".
ونوهت حمد النيل أن "حملات المناصرة وبرامج التوعية المستمرة وجدت طريقاً شائكاً، إذ وقفت التقاليد عقبة في طريق خفض نسب الختان المتزايدة، لا سيما في الولايات والمجتمعات الريفية".
ولفتت الناشطة في العمل النسوي أن "تمدد رقعة الحرب يسهم في ممارسة الختان على نطاق واسع، خصوصاً في ظل غياب السلطات المناط بها تطبيق القوانين في السودان".
وتابعت "قضية الختان تراكمية تحتاج إلى عمل مكثف وتوعوي من الدرجة الأولى للقضاء عليها، نظراً إلى انتشار الجهل في المناطق الريفية، فضلاً عن الخوف من المجتمع في ما يتعلق بتقييد البلاغات ضد مرتكبي جرائم الختان".
معاناة بعد الزواج
تحاول هاجر خليل من إقليم دارفور أن تستجمع قواها، وهي تتذكر كيف كانت تجربتها المريرة مع الختان، وحرص والدتها على ضرورة خضوعها للعملية مثل سائر بنات الإقليم من منطلق الحفاظ على العادات والتقاليد، وجرى ذلك بإيعاز من والدها الذي كان يرى في الختان عفة للفتاة المسلمة.
هاجر تبلغ الآن من العمر 25 سنة، وتسكن في مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور، وأجرى لها الختان عندما كانت في الثامنة من عمرها.
قضية الختان تراكمية تحتاج إلى عمل مكثف وتوعوي من الدرجة الأولى للقضاء عليها
تتحدث هاجر عن الأوجاع المستمرة التي عانتها لأعوام طويلة، وتقول "كل طبيبة أقصدها تصف لي مهدئاً فقط من دون الشفاء الكامل، وما زلت أعاني بشدة نظراً إلى معاودة الألم كل مرة". وتشير إلى أن "تجربة الزواج كانت صعبة بالنسبة إليها، وفاقمت الأثر النفسي الذي لا يزال مستمراً، فضلاً عن التعثر في الولادة والنزف والمضاعفات، وكذلك آلام الدورة الشهرية".
وفي هذا الصدد، يشير استشاري النساء والتوليد عماد الفاتح إلى أن "اللوائح العامة غير كافية، مما يؤكد ضرورة تقنين أوضاع بعض المستشفيات والمراكز لإجراء عمليات الختان، ويجب أن تكون هناك سلطة أعلى من المجلس الطبي لمتابعة عمل المشافي والمراكز".
وأضاف أنه "عمل في أحد أقاليم كردفان، ولاحظ تزايد عمليات ختان الإناث لتمسك المجتمعات في تلك المناطق بالعادات والتقاليد التي رسخت عندها أن "البنت غير المختونة ناقصة ويعتريها عيب كبير"، مع ربط ذلك بالعفة والزواج السريع، وهي معتقدات غير صحيحة".
وشدد الفاتح على ضرورة التقيد بلوائح المجلس الطبي، فضلاً عن أهمية فرض ضوابط صارمة تتعلق بالترخيص والمعدات الطبية وخبرة الطبيب، إضافة إلى تعزيز دور الكادر الصحي في نشر ثقافة مناهضة الظاهرة باستهداف جميع الكوادر العاملة في الحقل الصحي الحكومي والخاص".
اضطرابات نفسية
الاختصاصية النفسية أماني الحسين نبهت إلى أن "كثيراً من الفتيات اللاتي تعرضن لهذه الممارسة يفقدن الثقة في أقرب الأقربين لهن سواء كان الأم أم الجدة، علاوة على الاضطرابات النفسية التي تحدث للطفلات بعد ارتكاب ذلك الخطأ، وزرع الخوف داخل العقل الباطني لديهن الذي يسبب أحياناً حالات من الاكتئاب والقلق والإحباط، الذي يقود إلى الانتحار في بعض الأحيان".
وأرجعت الحسين انتشار ظاهرة ختان الإناث إلى عدم وعي المجتمع والضغوط التي تتعرض لها الأمهات من الجدات التي حان وقت مواجهتها بكل صلابة وشجاعة".
ولفتت الاختصاصية النفسية إلى "الآثار السالبة التي تتعرض لها المرأة منذ نعومة أظافرها وحتى الشيخوخة حال إجراء عملية بتر وتشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية التي تجريها في الغالب القابلات لتتحول إلى جريمة وعنف المرأة ضد بنت جنسها".