ملخص
رفضت البعثة الدولية في ليبيا الخطة التي ناقشها مجلسا النواب والدولة الليبيان في تونس واعتبرتها بديلاً غير مناسب لمشروعها الخاص بحل الأزمة السياسية فيما يسعى الدبيبة إلى تقويضها
أنعش التوافق الذي تم في تونس بين مجلسي النواب والدولة أخيراً آمال الليبيين في الخروج من نفق الأزمة السياسية والمرحلة الانتقالية، والذي بدا بلا آخر أو نهاية، بعد أن اتفق المجلسان على مسودة خريطة طريق تفضي إلى صناديق الاقتراع تنتظر حالياً توقيع رئاسة المجلسين عليه لتأخذ الطابع الرسمي.
لم يعكر الأجواء التفاؤلية التي طغت على الساحة السياسية بعد هذا التقارب بين قطبيها الرئيسين حالياً، واللذين كثيراً ما كانت خلافاتهما الكثيرة عقدة في طريق كل المبادرات الرامية للوصول إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية سوى ردود الفعل المحبطة من البعثة الأممية تجاه ما اتفق عليه في تونس، مع حشد رئيس حكومة الوحدة عبدالحميد الدبيبة كل أسلحته لمنع مروره الذي يعني سقوط حكومته.
جولة تفاوضية مشحونة
وجرت الجولة التفاوضية الأولى هذا العام بين البرلمان ومجلس الدولة في أجواء مشحونة بتونس، إذ ألغت السلطات التونسية الاجتماع الرسمي الذي كان مقرراً الأربعاء والخميس الماضيين لـ"أسباب أمنية" مما دفع أعضاء المجلسين للاجتماع في فندق صغير خرجوا في نهايته باتفاق مبدئي مهم حسم كل النقاط الخلافية بينهما.
وبحسب هذا الاتفاق أكد أعضاء المجلسين تجديد التزام القوانين الانتخابية الصادرة عن مجلس النواب العام الماضي بعد اعتراضات شديدة سابقة من مجلس الدولة عليها. ونص الاتفاق على تشكيل حكومة وطنية جديدة تعمل على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، وضرورة احترام الملكية الليبية للعملية السياسية، وأن يختار رئيس الحكومة الجديدة من خلال آلية شفافة تؤسس على خريطة الطريق المعتمدة وبالتوافق بين المجلسين ورعاية البعثة الأممية. كما اتفق المجلسان على دعوة المفوضية الوطنية العليا للانتخابات للشروع في تنفيذ القوانين الانتخابية ومطالبتها بالإعلان عن موعد إجراء الانتخابات. وشددا على خطورة ما ورد بتقرير المصرف المركزي حول حجم التضخم في الإنفاق في موضوعي الدعم والمصروفات والتمويل مجهول المصدر وضرورة تشكيل لجنة للتحقيق في هذا الموضوع.
المضي قدماً
أكد عضو مجلس الدولة فتح الله السريري أن الاتفاق يعني السير قدماً نحو تشكيل حكومة ليبية موحدة تشرف على الانتخابات مع الالتزام والتمسك بما أنجزته لجنة "6+6" في القوانين الانتخابية. وأضاف أن "مجلس الدولة ليس ضد تولي أي شخص الحكومة الليبية، لكن لا بد أن نؤطر لهذه الحكومة بأسس معينة، ومن يستطيع أن يكون حكومة تعمل على كامل التراب الليبي، وتقدم خدمات لليبيين، ليست لدينا مشكلة معه"، مشيراً إلى أن "مجلس النواب سيتولى الخطوات التشريعية التي يمكن أن تحتاج إليها المرحلة المقبلة، ونحن بدورنا سنتولى ما يسند إلى مجلس الدولة، وسيكون هناك لقاء بين اللجنتين المكلفتين التواصل والتنسيق خلال شهر رمضان أو بعده سينتج خريطة تنفيذية واضحة المعالم، وسنبدأ بتنفيذها بعد ذلك مباشرة"، متابعاً "نحتاج إلى الخريطة التنفيذية الواضحة المعالم هذه، ومن يتقدم لرئاسة الحكومة فليتقدم، فنحن نسعى إلى حل عقلاني وموضوعي بعد التجارب والمآسي التي عاشها الشعب والظروف التي تعيشها البلاد". وأوضح أن "الخطة التنفيذية تلك شبه جاهزة تكريساً للخطة التشريعية المطروحة، وهي أن تكون حكومة مصغرة، وأن يمنح مجلس النواب الثقة لرئيس الحكومة، كما يمكن ألا تكون مركزية في المحافظات ومجلس الدولة يبدأ بالترشيح ويصوغ لمجلس النواب. هذه الخطوط التي اتفقنا عليها حالياً، وسنسعى إلى تنفيذها".
ترحيب محلي
قوبلت نتائج اجتماع تونس المفاجئة وغير المنتظرة بترحيب كبير من غالب الأطياف السياسية الليبية، إذ أصدر 52 حزباً سياسياً ليبياً بياناً مشتركاً، أمس الجمعة، عبروا فيه عن تأييدهم التقارب الحاصل بين مجلسي النواب والدولة ودعم مخرجات اجتماعهم في تونس.
واعتبرت الأحزاب السياسية أن "نتائج الاجتماع أساس للتوافق يمكن البناء عليه وتطويره لمعالجة القضايا التي من شأنها التسريع بالتوجه نحو الانتخابات وتوحيد السلطة التنفيذية وإنهاء الانقسام السياسي"، كما رحبت الحكومة الليبية المكلفة من البرلمان برئاسة أسامة حماد بالاجتماع و"الحوار الليبي المبني على احترام الجميع والشرعية الدستورية والسيادة الليبية، دون إقصاء ودون إملاءات مسبقة".
وأكدت الحكومة أن "يكون الهدف الأول والأخير للحوار هو مصالح الشعب الليبي وتحقيق المصالحة الشاملة، ولا بد أن تنتج منه خطة محددة الأهداف والمدد الزمنية والأدوات الكفيلة بتنفيذ ما يتفق عليه وإلزام الجميع به".
موقف أممي غامض
في المقابل علق المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي على الاتفاق المبدئي بين مجلسي النواب والدولة في تونس بتصريحات أثارت لغطاً كبيراً وبدت غير مفهومة لكثر، اعتبر فيها أن "هذا الاجتماع لا يلبي حل القضايا الخلافية التي تعوق الانتخابات"، محذراً من "إعادة إنتاج حلول غير مقبولة من الجميع".
وخاطب باتيلي المجلسين الليبيين قائلاً "لا يمكن لاجتماعكم أن يكون بديلاً لحوار أوسع وبمشاركة أكبر وجدول أعمال أكثر شمولاً"، في إشارة إلى طاولة الحوار الخماسية التي دعا إليها نهاية العام الماضي، ولم تلق قبولاً من غالب الأطراف السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال المبعوث الدولي إن "البعثة الأممية لكل المبادرات التي تسعى إلى جسر الهوة بين الأطراف الليبية"، لكنه حذر من "الأخطار المرتبطة بإعادة إنتاج حلول غير مقبولة من الجميع تكون مخرجاتها غير قابلة للتنفيذ".
أما فيما يتعلق بمسألة تشكيل حكومة جديدة فقد دعا باتيلي الأطراف الليبية إلى "عدم التركيز على حل مسألة واحدة على حساب مسائل أخرى لا تقل أهمية"، مؤكداً أنه "لا يمكن تحقيق التقدم من خلال فرض واقع مؤسسي جديد، بل يجب معالجة جميع القضايا الخلافية التي تحول دون إجراء انتخابات في البلاد".
عرقلة مقصودة
موقف المبعوث الدولي من اجتماع تونس اعتبر من قبل البرلمان ومجلس الدولة عرقلة مقصودة للتوافق الليبي الجديد، وقالت عضو البرلمان سلطنة المسماري إن "المبعوث الأممي عبدالله باتيلي يعرقل أية جهود توافق بين المجلسين تفضي إلى الانتخابات". ورأت أن "بيان باتيلي الذي أصدره عقب الاجتماع في تونس يعبر عن ذلك بوضوح".
واتهمت عضو مجلس النواب أيضاً رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة، بـ"محاولة عرقلة اجتماع تونس بين أعضاء من مجلسي النواب والدولة، في محاولة منه لمنع تشكيل أية حكومة جديدة لا يكون طرفاً فيها، أو تحل بديلاً لحكومته الحالية".
رد مبطن
من جانبه لم يعلق رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد الدبيبة على نتائج اجتماع تونس، لكنه سارع إلى اتخاذ خطوة جديدة في تطوير العلاقة مع تركيا، من الناحية العسكرية، اعتبرتها أطراف مناوئة له رداً على طريقته بخصوص توافق مجلسي النواب والدولة على إسقاطه.
وتمثلت خطوة الدبيبة في توقيع مذكرة تفاهم مع وزير الدفاع الوطني التركي ياشار غولر في المجالات العسكرية ورفع كفاءة وحدات الجيش الليبي من خلال البرامج التدريبية النوعية. وبحسب بيان نشرته حكومة الوحدة وقع هذا الاتفاق صباح أمس الجمعة، في مدينة أنطاليا التركية، إذ ناقش الطرفان أوجه التعاون العسكري بين البلدين.
ولعبت تركيا دوراً بارزاً سابقاً في منع استبدال حكومة يترأسها فتحي باشاغا في بداية العام الماضي بحكومة الدبيبة، بحسب تصريحات من البرلمان الليبي وباشاغا نفسه.