ملخص
من غير الواضح أن كان إعلان بيان الموازنة البريطانية بعد أيام سيشجع رئيس الوزراء على الدعوة إلى الانتخابات العامة بعد شهرين
استغل وزير الخزانة البريطاني جيريمي هانت عطلة نهاية الأسبوع في الحديث لوسائل الإعلام البريطانية على مدى يومي السبت والأحد ليعطي مؤشراً إلى الموازنة السنوية التي سيعلنها أمام البرلمان، الأربعاء المقبل، لكن مقابلاته وتصريحاته لم تحسم السؤال الأساس الذي يتداوله البريطانيون في شأن احتمالات خفض الضرائب، إذ إن العبء الضريبي على الأسر والأعمال حالياً هو الأعلى منذ 70 عاماً.
وتتهم المعارضة السياسية في بريطانيا حكومة حزب المحافظين الحالية بأن الموازنة قد تتضمن رشوة انتخابية تضر بالوضع الاقتصادي، كي يتمكن رئيس الحكومة ريشي سوناك من الدعوة إلى الانتخابات العامة بعد شهرين، أي في مايو (أيار) المقبل. وستجرى الانتخابات العامة هذا العام، لكن لم يحدد موعدها حتى الآن، سواء بعد شهرين أو في سبتمبر (أيلول)، كما يتوقع البعض.
وتشير استطلاعات الرأي إلى تقدم حزب العمال المعارض على حزب المحافظين الحاكم بفارق يصل إلى 18 نقطة، وحتى المقعد البرلماني لوزير الخزانة نفسه مهدد بمنافسة قوية من حزب الليبراليين الديمقراطيين المعارض. وعلى رغم أن دائرة جيرمي هانت "جنوب غربي سري" تعد تقليدياً ضمن الدوائر الآمنة للمحافظين، فإن استطلاعاً للرأي من شركة "سيرفيشن" نشرته صحيفة "الغارديان" يشير إلى تقدم اللليبراليين الديمقراطيين بنحو ست نقاط على المحافظين.
خفض الضرائب
أهم ما حاول وزير الخزانة إيصاله للمواطنين ورجال الأعمال في بريطانيا عبر مقابلاته التلفزيونية والصحافية هو تقليل التفاؤل في شأن خفض الضرائب الذي سيعلن عنه ضمن الموازنة. وأشار جيريمي هانت إلى أن التوقعات المالية تجعل مهمته "في غاية الصعوبة"، مؤكداً أن خفض العبء الضريبي عن مستوياته الحالية "يتطلب طريقاً طويلاً".
واستشهد هانت في إحدى المقابلات بحكومة سابقة لحزب المحافظين احتاجت إلى عقد من الزمن لخفض العبء الضريبي. وقال "إن مارغريت تاتشر، وهي رئيسة الوزراء التي الهمتني لدخول معترك السياسة، خفضت الضرائب على مدى 10 سنوات". وفي مقابلة مع "بي بي سي" قال وزير الخزانة "كثيراً ما قلنا إننا سنخفض الضرائب فقط بطريقة مسؤولة وممكنة، فالأمر الأكثر تعارضاً مع سياسة حزب المحافظين هو أن أقوم بخفض الضرائب وتمويل ذلك بزيادة الاقتراض".
أما الاعتقاد السائد فهو أن يتضمن بيان الموازنة خفضاً للضرائب يساوي ما أعلنه وزير الخزانة في موازنة الخريف، حين خفض مدفوعات التأمينات الاجتماعية التي تستقطع من العاملين بنسبة اثنين في المئة. وما زال بعض نواب حزب المحافظين يتوقعون أن يعلن وزير الخزانة، الأربعاء المقبل، عن تخفيض الضرائب مع إعلان خطط تقشف لتمويل الخفض دون الحاجة إلى زيادة الاقتراض بشدة، بالتالي ارتفاع الدين العام.
من المعروف أن خفض مستقطعات التأمينات الاجتماعية بنسبة واحد في المئة تكلف الخزانة خمسة مليارات جنيه استرليني (6.33 مليار دولار)، أما خفض نسبة واحد في المئة من شريحة ضريبة الدخل الأساس البالغة حالياً نسبة 20 في المئة فيكلف الخزانة سبعة مليارات جنيه استرليني (8.86 مليار دولار).
تمويل بنود الموازنة
كي يتفادى وزير الخزانة الاقتراض لتمويل خفض الضرائب وبنود الموازنة الأخرى، سيكون عليه توفير التمويل بخفض الإنفاق الحكومي وزيادة عائدات الخزانة من مصادر أخرى، وإلا سيضطر لتجاوز توصيات مكتب مسؤولية الموازنة الذي يحذر من زيادة العجز وارتفاع الدين العام.
وكانت صحيفة "فايننشال تايمز" قد ذكرت قبل أسابيع أن المسؤولين في وزارة الخزانة يدرسون خفض الزيادة السنوية في إنفاق الوزارات والإدارات الحكومية من نسبة واحد في المئة إلى نسبة 0.75 في المئة. ومن شأن ذلك أن يوفر ما بين خمسة مليارات جنيه استرليني (6.33 مليار دولار) إلى ستة مليارات جنيه استرليني (7.59 مليار دولار) تغطي تمويل خفض الضرائب.
من بين الخيارات الأخرى أيضاً، ما يصفه المراقبون بأنه "سرقة مقترحات حزب العمال" وتطبيقها من قبل وزير خزانة حكومة المحافظين، وعلى سبيل المثال، تمديد فترة ضريبة الأرباح على شركات النفط والغاز بما يوفر للخزانة نحو 10 مليارات جنيه استرليني (12.66 مليار دولار) على مدى خمس سنوات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يمكن لوزير الخزانة أن يوفر 300 مليون جنيه استرليني (379.7 مليون دولار) من إلغاء النظام الضريبي الحالي لإيجار الوحدات المفروشة، وأول من نشر حول هذا الاحتمال كانت صحيفة "صنداي تايمز". وذكرت أن غالب نواب حزب المحافظين يؤيدون الاقتراح على اعتبار أنه سيقلل من تحول أصحاب العقارات السكنية نحو الإيجار المفروش قصير الأجل. أما الخيار المثير للجدل فهو أن يتجه وزير الخزانة إلى تقليص أو حتى إلغاء الإعفاء الضريبي للمقيمين المسجلة ثرواتهم في الخارج. وفي مقابلته مع شبكة "سكاي نيوز"، تحاشى جيريمي هانت تأكيد أو نفي هذا الاحتمال، وهو ما يوفر للخزانة ما بين ملياري جنيه استرليني (2.53 مليار دولار) وثلاثة مليارات جنيه استرليني (3.8 مليار دولار) سنوياً. أو من أشار إلى هذا الاحتمال هي صحيفة "فايننشال تايمز"، ومع تفادي هانت نفيه فهو أمر قائم، والمثير في الأمر أن إلغاء الإعفاء الضريبي لمن يسجلون ثرواتهم خارج بريطانيا يعد مسألة في غاية الحساسية لرئيس الوزراء ريشي سوناك الذي تستفيد زوجته أكشاتا ميرتي من هذا الوضع الحالي، فهي ابنة الملياردير الهندي صاحب شركة البرمجيات الشهيرة "إنفوسيز"، وتسجل ثروتها من أبيها في الخارج لتستفيد من الإعفاء الضريبي.
تدبير الالتزام المالي
يرى كثر من المراقبين والمحللين أن وزير الخزانة ليس لديه مساحة واسعة للمناورة مالياً كما كانت الحال في وقت موازنة الخريف نهاية العام الماضي. واعترف جيريمي هانت بذلك في حوار مع صحيفة "صنداي تلغراف" حين قال، "ليس لدينا توقعات مستقبلية إيجابية بالقدر الذي كان لدينا مع بيان موازنة الخريف"، ويعني بذلك ما أعلنه مكتب مسؤولية الموازنة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، من أن وزير الخزانة أمكنه تدبير حماية مالية تعزز فرص خفض نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي على مدى خمس سنوات، وكان مبلغ الحماية المالية وقتها في حدود 13 مليار جنيه استرليني (16.45 مليار دولار).
ومع التخفيضات الضريبية المتوقعة في بنود بيان الموازنة، الأربعاء، يمكن أن ينخفض هذا المبلغ إلى ستة مليارات جنيه استرليني (7.59 مليار دولار)، وسيكون ذلك أقل حماية مالية منذ أنشئ مكتب مسؤولية الموازنة عام 2010.
ومما حاول وزير الخزانة طمأنة البريطانيين في شأنه ما يتعلق ببيان الموازنة القادم هو أن خفض الانفاق لتمويل أي خفض للضرائب دون زيادة كبيرة في الاقتراض لن يمس قطاعات تهم الناخبين، فقد وعد في مقابلاته بأنه سيفعل "الأمر الصحيح على المدى الطويل لمصلحة البلاد". وتعهد استثمار الحكومة مئات ملايين الجنيهات لزيادة الإنتاجية في قطاعات مثل خدمة الصحة الوطنية (أن أتش أس) والشرطة.