ملخص
تونس دخلت في ركود اقتصادي نهاية 2023 ونسبة البطالة تتجاوز 16 في المئة وحتى 40 في المئة بين الشباب
يثير مشروع قانون ينظم إنشاء الجمعيات وتمويلها مخاوف كبيرة في تونس المتعثرة اقتصادياً، إذ يدعم كثير من هذه المنظمات أنشطة مهمة على غرار الصناعات التقليدية والتدريب المهني ومساعدة النساء المعنفات.
ويفترض أن يحل المقترح الجديد مكان قانون 88 الذي أقر في سبتمبر (أيلول) 2011، وسمح بإنشاء نحو 25 ألف منظمة وجمعية شكلت حلقة مهمة في مسار الانتقال الديمقراطي في البلاد إثر سقوط نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي.
وينص مشروع القانون الذي يناقشه البرلمان على أن تمنح وزارة الشؤون الخارجية التراخيص للمنظمات الأجنبية وتراقب تمويلاتها.
تقدم بمشروع القانون 10 نواب من الداعمين للرئيس قيس سعيد الذي هاجم في مناسبات عدة نشاط بعض الجمعيات "المشبوه"، واعتبرها امتداد "لأطراف خارجية" في تونس، خصوصاً في ما يتعلق بالتمويل. وأثار النص حفيظة منظمات حقوقية تونسية ودولية على حد سواء.
وتشكل جمعية "شانتي" التي تنشط في مجال الحرف والصناعات التقليدية واحدة من المنظمات التي تعبر عن مخاوف من بعض فصول مشروع القانون الجديد.
الحفاظ على مكسب الحريات
يقول مدير "شانتي"، التي تعتمد غالبية موازنتها على تمويلات خارجية، مهدي البكوش، "نحن حذرون في شأن ما سيحدث"، لا سيما مع إدراج القانون الجديد لمسألة التراخيص المسبقة التي يجب طلبها من السلطات للحصول على أموال من الخارج.
وإضافة إلى متجر الصناعات التقليدية، حيث تباع منتجات 60 حرفياً (من السجاد والفخار والأثاث)، توظف جمعية "شانتي" نحو "22 عاملاً بدوام كامل"، و"ندعم نحو 100 مشروع" في جميع أنحاء البلاد وفي قطاعات مختلفة منها السياحة والزراعة.
ويوضح البكوش لوكالة الصحافة الفرنسية "من المهم الحفاظ على مكسب الحريات التي حققتها الجمعيات ومواصلة التطوير للحصول على التمويل الوطني أو الدولي"، مؤكداً أنه منفتح على تنظيم القطاع، لكن في إطار "حوار متواصل" مع السلطات.
فرص العمل
ويرى أن تطوير قطاع الجمعيات "يوفر آلاف فرص العمل، ويؤثر أكثر من ذلك في آلاف الأشخاص بصورة مباشرة" في حياتهم اليومية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعمل زهرة الزيمومي البالغة 38 سنة وأم لطفلتين في نسج السجاد بمنطقة نفطة (جنوب تونس) وتبيعها في تونس العاصمة، مما يتيح لها "الحصول على راتب شهري منتظم" تستخدمه "لدفع إيجار منزلها وضمان حياة كريمة".
ويعتبر رئيس "الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان" باسم الطريفي أن "تونس قد تفقد مجتمعها المدني وكل العمل الذي قامت به" إذا تم تعديل قانون 88 بصورة جذرية. ويؤكد "بحسب دراسة قمنا بها، فإننا من خلال الحد من الموارد المالية للمجتمع المدني، قد نخسر نحو 30 ألف فرصة عمل بشكل مباشر" و100 ألف فرصة عمل غير مباشرة.
ركود اقتصادي
لكن تونس دخلت في ركود اقتصادي نهاية 2023 ونسبة البطالة تتجاوز 16 في المئة، وحتى 40 في المئة بين الشباب.
والموازنة العامة للدولة التونسية مثقلة بالديون (80 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي)، وتوجه أساساً لدفع رواتب موظفي القطاع الحكومي والعام ولا تملك التمويلات الكافية لدعم الجمعيات.
ويكشف الطريفي عن أن "النية تتجه اليوم من خلال هذا القانون إلى التضييق على المجتمع المدني وعلى تمويله ونشاطه وحصر نشاطه في مواضيع معينة تكون مقترحة من قبل السلطة السياسية".
"صلاحيات مفرطة للسلطة"
يشاركه هذه المخاوف والتوجس مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي كليمان نياليتسوسي فول الذي زار تونس في الفترة الأخيرة.
ودعا المسؤول الأممي إلى اعتبار "مرسوم 2011 من مكتسبات الثورة التي يجب الحفاظ عليها"، مؤكداً أن نظام "التراخيص المسبقة الجديد (لإنشاء الجمعيات) يعطي صلاحيات مفرطة للسلطة التي يمكنها، وفق أجندتها رفض الترخيص لإنشاء جمعية".
وقانون تشكيل الجمعيات الحالي، والذي يقوم على أساس إخطار السلطات، يتيح للسلطات مراقبة "أجندة المنظمة وما إذا كان هناك خطر أمني داهم" من خلال نشاطها، بحسب المسؤول.
وكان لانتشار المنظمات والجمعيات دور لافت في تونس إثر ثورة 2011، وخصوصاً خلال مرحلة الانتقال الديمقراطي ومختلف المراحل السياسية العصيبة التي مرت بها البلاد.
ودعا مقرر الأمم المتحدة إلى "أن تفتح السلطات نقاشاً مع المجتمع المدني"، مشيراً إلى "مشكلة عدم التشاور" في شأن مراجعة المرسوم 88.