تتعرض الحكومة العراقية إلى ضغوط كبيرة لإجبارها على تبني مواقف "الحشد الشعبي" تجاه القوات الأميركية المنتشرة في المناطق الشمالية والغربية من البلاد، والرامية إلى تشريع قانون "إخراج القوات الأجنبية".
وتداولت وسائل إعلام محلية ودولية، خلال الأيام القليلة الماضية، أنباءً حول رغبة "الحشد الشعبي" بالحصول على سلاح روسي مضاد للطائرات، وذلك بعد أسابيع من اتهامات وجهتها فصائل عراقية مسلحة لإسرائيل باستهداف مقار الحشد.
والسلاح الذي تبحث عنه فصائل الحشد هو "أس 400"، أو ما يسمى بـ"تريومف"، وهو نظام دفاع جوي دخل الخدمة في الجيش الروسي منذ عام 2007، ويعمل على استخدام أربعة صواريخ مختلفة المدى لتغطية نطاق عملياته. فهو يستخدم صاروخ "40N6" بمدى 400 كيلومتر للأهداف بعيدة المدى، وصاروخ "48 N6" بمدى 250 كيلومتراً، للأهداف طويلة المدى، وصاروخ "9 M96E2" بمدى 120 كيلومتراً للأهداف المتوسطة المدى، وصاروخ "9 M96E" بمدى 40 كيلومتراً للأهداف قصيرة المدى.
وسيلة ضغط
وتؤكد كتلة "الفتح" الممثلة للحشد الشعبي في البرلمان أن زيارة رئيس الهيئة فالح الفياض إلى روسيا، قبل أيام، كانت للتباحث بشأن شراء منظومة "أس 400"، "للتخلص من الهيمنة الأميركية على الأجواء العراقية وصد العدوان الخارجي".
لكن السؤال المطروح الآن في العراق، هل ستسمح واشنطن لبغداد بامتلاك هذا السلاح الروسي؟ خصوصاً بعدما حذرت شريكتها في حلف شمال الأطلسي، تركيا، من امتلاكه وإلا تعرضت لعواقب "خطيرة"، وفق وصف وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) في مقدمتها فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، وحرمانها من نظام باتريوت الصاروخي وطائرات أف-35. ذلك أن الإدارة الأميركية تعترف بأن هذا السلاح يشكل تهديداً مباشراً على الطائرات الأميركية في المنطقة، ناهيك عن حاجة الدولة المستوردة للسلاح إلى تعاون عسكري وثيق مع الجانب الروسي في مجالات التدريب ونقل الخبرات، الأمر الذي يعني وجوداً عسكرياً روسياً داخل مناطق النفوذ الأميركي.
ويقول مصدر سياسي مطلع، رفض الكشف عن اسمه، إن "الجانب الأميركي لن يسمح بكل الأحوال بحيازة العراق لمنظومة الدفاع الروسية وسيستخدم كل الطرق المتاحة لمنع الحكومة العراقية، من إتمام هذه الصفقة. لكن الحكومة غير موافقة حتى الآن على الشراء وهي تتعرض لضغوط كبيرة لجعلها تقدم على مفاوضات جادة مع موسكو بهذا الخصوص". وبحسب المصدر، فإن "الغاية من امتلاك منظومة أس 400 هي إقناع الأطراف المعارضة لقانون إخراج القوات الأميركية من العراق بحجة عدم توافر منظومة متطورة للدفاعات الجوية العراقية، لذا فإن الصفقة مع روسيا هي وسيلة ضغط أكثر من كونها خطوة حقيقية".
وكانت الرئاسات الثلاث (الجمهورية والوزراء والبرلمان) اتفقت في مايو (أيار) الماضي على رفض قانون إخراج القوات الأجنبية "بسبب حاجة العراق للتحالف الدولي في حماية الأجواء العراقية وتقديم المشورة والتدريب للقوات العراقية". كما أن غالبية الأطراف السنية والكردية ترفض القانون أيضاً.
الاتفاق الأمني بين بغداد وواشنطن
وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن الاتفاق الأمني (الإطار الاستراتيجي) الموقع بين بغداد وواشنطن عام 2008 وتأثيره في سياسة التسليح العراقية والدور الأميركي في حماية الأجواء والحدود العراقية، إلا أن معظم الأطراف السياسية العراقية تعتقد بوجود نصوص سرية في الاتفاق، الذي وقعته آنذاك حكومة نوري المالكي تمهيداً لإخراج القوات الأميركية من البلاد.
ويؤكد الخبير الاستراتيجي أحمد الشريفي أن "الاتفاق الموقع مع واشنطن يمنع العراق من امتلاك أسلحة روسية متطورة. كما أن معظم الأحزاب العراقية التي كانت في المعارضة قبل عام 2003، قدمت تعهدات للجانب الأميركي بأن تكون العقيدة الأمنية في العراق ضمن التوجه الغربي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويبين الشريفي وجود بعد فني آخر يمنع امتلاك بغداد منظومة "أس 400"، ويتمثل بتصنيفها من قبل واشنطن كعدو لطائرات "أف 16"، التي يمتلكها الجيش العراقي حالياً. لذا، فإن "طلب الحصول على تلك المنظومة غير ممكن في المدى المنظور ويندرج في إطار الزج بالعراق في منطقة الصراع الإيراني- الأميركي".
ويعكس هذا التناقض في مواقف وتصريحات الأطراف العراقية حجم الخلاف الحاصل في كيفية رسم السياسة الخارجية للعراق. وترى بعض الجهات ضرورة تنويع مصادر التسليح، فيما تدفع الأحزاب القريبة من إيران باتجاه الاعتماد على السلاح الروسي والصيني ومقاطعة السلاح الغربي، من دون أن تربط ذلك بمصالح العراق وعلاقاته الاقتصادية والإستراتيجية مع دول العالم، حتى أنها لا تتردد في إعلان رغبتها بإنهاء الاتفاق الأمني مع واشنطن. وبحسب النائب منصور البعيجي، فإن "الإدارة الأميركية لم تلتزم بالاتفاق الأمني، وهناك ضرورة لخروج العراق من المحور الأميركي وعقد اتفاقات أمنية جديدة مع روسيا والصين وإيران".
وقد تتمكن الأطراف المعارضة للوجود الأميركي في العراق من مواصلة الضغط على رئيس الوزراء عادل عبد المهدي للحصول على مواقف أكثر جدية تجاه الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها مخازن الأسلحة التابعة للفصائل المسلحة، وتوفير مزيد من الحماية للحشد الشعبي، كما حصل عندما حمّل نائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس القوات الأميركية مسؤولية استهداف مخازن أسلحة الحشد ومن ثم إعلان تشكيل قوة جوية خاصة، من دون علم أو موافقة عبد المهدي، الأمر الذي يعرضه إلى حرج كبير على مستوى علاقاته الخارجية كما يشجع الكتل المعارضة لحكومته على الاستعجال في خطوات سحب الثقة، خصوصاً أن الكتل الداعمة للحكومة هي ذاتها التي تعمل على تشريع قانون إخراج القوات الأجنبية والضغط من أجل إنهاء الاتفاق الأمني مع واشنطن، بينما تنشط كتلة "الفتح" بزعامة هادي العامري، لتشريع قانون يجبر الحكومة على التعاقد مع روسيا لشراء منظومة الدفاع الجوي، وفقاً للنائب فاضل جابر، الذي يؤكد معارضة عبد المهدي لهذه الصفقة لكنه لا يوضح أسباب السماح لرئيس هيئة الحشد فالح الفياض بزيارة روسيا والتباحث بشأن صفقة سلاح من دون وجود موافقة حكومية.