ملخص
ارتفاع كلفة رعاية الأبناء يدفع البعض إلى التقاعد أو الحصول على إجازة
تأجل الركود الذي ترددت الإشاعات عنه منذ فترة طويلة، أو ربما ألغي تماماً، لكن في المقابل، تبقى ردود الفعل الإيجابية حول الهبوط الناعم في الولايات المتحدة حقيقية، فالتضخم في طريقه لمزيد من التراجع، والاقتصاد ينمو بوتيرة قوية بشكل مثير للصدمة، ولم تكن البطالة بهذا الخفض لفترة طويلة منذ أواخر الستينيات.
خلف هذه المؤشرات الاقتصادية المزدهرة، تظل هناك حقيقة محبطة تتمثل في أن الحياة باهظة الثمن للغاية بالنسبة لكثير من الأميركيين، بدءاً من سوق الإسكان إلى ارتفاع أسعار السيارات، في وقت تعاني الولايات المتحدة من مشكلة كلفة المعيشة التي كانت في طور التشكل منذ عديد السنوات.
ويتخذ الآباء خيارات صعبة لتحمل كلفة رعاية الأطفال، أو يختارون التهرب من ذلك من طريق ترك القوى العاملة تماماً، ويكافح الآباء أيضاً لشراء سيارات أكبر حجماً، بينما يقومون في الوقت نفسه بتخزين بعض الأموال في خطط الادخار الجامعية، وبالنسبة إلى كثيرين، يبدو الحلم الأميركي كأنه وهم.
امتلاك منزل أصبح مجرد حلم
تعرف المحللة الاقتصادية ذات الـ36 عاماً، هانا هوسكوفيتش، مدى الضرر الذي يلحقه ارتفاع كلفة المعيشة بالأسر الأميركية، إذ تساعد في تجميع البيانات التي تغذي مؤشر أسعار المنتجين، وهو مقياس للتضخم بالجملة الذي تراقبه "وول ستريت" من كثب.
وتستأجر هانا وزوجتها ميشيل البالغ من العمر 29 عاماً، شقة في بيتشتري كورنرز بولاية جورجيا، ولم تحلما بشراء منزل في منطقة ديكاتور القريبة حيث توجد مدارس جيدة وعديد العائلات، لكن الزوجين ليسا متفائلين. وفق شبكة "سي أن أن" تقول هانا، "لا أعرف ما إذا كنا سنتمكن يوماً ما من شراء منزل... لا توجد طريقة يمكننا تحملها، إنها ليست مجرد أسعار الفائدة، إنها كلفة الحياة بصورة عامة، التي أصبحت أكثر من مكلفة".
ولدت هانا في يوغوسلافيا وهربت كلاجئة خلال الحرب، وعاشت في ملجأ تحت الأرض لعديد من الأشهر قبل عبورها إلى إيطاليا وحصلت في نهاية المطاف على اللجوء للقدوم إلى الولايات المتحدة، وتقول "لقد جئت من فقر مدقع، وأنا ممتنة للغاية لأنني أعلم أن الراتب سيأتي كل أسبوعين". أيضاً، فإن عائلة زوجتها من المكسيك، بالمثل جاءت من بدايات متواضعة، لكن الزوجين يفقدان الثقة في أنهما سيكونان قادرين على الارتقاء في السلم الاجتماعي والاقتصادي.
الإسكان يستحوذ على حصة ضخمة في إنفاق الأسر
في السياق، أدركت الممرضة الأميركية أليسون باول، أنه لن يكون من السهل تكوين أسرة وشراء منزل، لكنها لم تعتقد أن الأمر سيكون بهذه الصعوبة. كانت الممرضة المسجلة البالغة من العمر 31 عاماً في أوكلاند، بولاية كاليفورنيا، تنفق على مدخراتها فقط لتتمكن من تدبر أمرها، بعدما ترك زوجها ليام كيلي وظيفته كضابط شرطة لرعاية ابنتهما البالغة من العمر تسعة أشهر، وتجنب دفع ما يقارب 2500 دولار شهرياً للرعاية النهارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتقول أليسون، "أشعر كأننا سنبلغ الـ50 من العمر بحلول وقت نشتري فيه منزلاً... يبدو من المستحيل أن أعيش الحلم الأميركي مثلما شاهدت والدي يعيشان في التسعينيات"، وبينما يكافحون من أجل شراء منزل خاص بهم، تعيش العائلة وكلبهم من دون إيجار في منزل في ليفرمور، وهي مدينة شرق سان فرانسيسكو، ولكن هذا فقط لأن والدا أليسون استخدما جزءاً كبيراً من مدخراتهما التقاعدية لشراء المنزل، ولم يحدث ذلك إلا بعد حرب مزايدة ضخمة على العقار.
أضافت، "كان هناك 26 شخصاً يحاولون شرائه في الوقت نفسه الذي كنا فيه... السبب الوحيد الذي حصلنا عليه هو أن والدي قدموا عرضاً نقدياً بالكامل مع تقاعدهما". يقول الزوجان إنهما لا يستطيعان حتى التفكير في إنجاب طفل ثان، لأنه لن يكون من الممكن تحقيق ذلك مالياً. وتابعت "أعاني من نوبات ذعر شديدة في شأن وضعنا المالي... يبدو من المستحيل أن ندرج أياً من أهدافنا المالية في قائمتنا".
بطبيعة الحال، فإن أليسون ليست الوحيدة التي تشعر بأن تحقيق الحلم الأميركي كان أكثر صعوبة، وأكثر كلفة، مما كان يتصور، إذ تتجلى مشكلة القدرة على تحمل الكلفة في أميركا في أوضح صورها في سوق الإسكان الأميركية، فالضربة المزدوجة المتمثلة في ارتفاع أسعار المساكن ومعدلات الرهن العقاري المرتفعة الناجمة عن حرب بنك الاحتياط الفيدرالي على التضخم، جعلت سوق الإسكان غير قابلة للتحمل تاريخياً.
وغالباً ما يكون السكن هو النفقات الأكبر للعائلات، ولكن في سوق اليوم، يبتلع الإسكان جزءاً كبيراً من ميزانيات الأسرة بشكل غير مريح. واعتباراً من فبراير (شباط) الماضي، كان الأمر يتطلب نحو 34 في المئة من الدخل الشهري للأسرة المتوسطة لتغطية أصل المبلغ ومدفوعات الفائدة على منزل متوسط السعر، وفقاً لبحث أجرته "إنتركونتيننتال إكستشنغ".
ووصل هذا المقياس للقدرة على تحمل كلفة الإسكان إلى أعلى مستوى منذ عام 1984، على رغم تراجعه قليلاً مع تراجع الرهن العقاري بعد أن وصل إلى ثمانية في المئة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومع ذلك، لا تزال معدلات الرهن العقاري مرتفعة عند مستوى سبعة في المئة تقريباً.
وبطبيعة الحال، فإن تحدي القدرة على تحمل الكلفة يختلف بصورة كبيرة بحسب السوق، وليس من المستغرب أن ستة من أسواق الإسكان الـ10 الأقل كلفة تقع في كاليفورنيا، حيث تعيش أليسون وعائلتها. ووفقاً لشركة "إنتركونتيننتال إكستشنغ"، فإن مدفوعات الرهن العقاري تلتهم ما يقارب ثلثي متوسط الدخل في لوس أنجليس بنسبة 68 في المئة وسان دييغو بنسبة 60 في المئة.