ملخص
غالبية البريطانيين يريدون تحسين الخدمات العامة بدلاً من خفض الضرائب، لكن الحكومة ترى أن الخفض هو السبيل إلى إنعاش الاقتصاد
لم تبد الموازنة التي أعلنها وزير الخزانة البريطاني جريمي هانت أمام البرلمان اليوم الأربعاء "موازنة انتخابات" بالشكل الذي كان يتحدث عنه المراقبون تماماً، لكنها في جوهرها تشكل أساساً للبيان الانتخابي لحزب "المحافظين" الحاكم، إذا قرر رئيس الوزراء ريشي سوناك الدعوة إلى الانتخابات بعد شهرين، أي في مايو (أيار) المقبل.
ومن الملامح العامة للموازنة يمكن القول إن من يرون أن سوناك ربما يؤجل الدعوة إلى الانتخابات العامة حتى سبتمبر (أيلول) المقبل محقون إلى حد كبير، وبدا واضحاً من خطاب هانت في البرلمان أنه ربما يستعد لإعلان موازنة أخرى قبل الانتخابات، أو في أقل تقدير إعطاء مهلة لإشعار الناس بأثر من أعلنه، والذي قد يحتاج إلى ستة أشهر في الأقل.
ومع ذلك لم يفت وزير الخزانة طوال البيان الإشارة إلى حزب "العمال" المعارض، وأنه لا يستطيع أن يفعل ما تفعله حكومة "المحافظين"، فضلاً عن أنه كما يصف بعض المعلقين، سرق بعضاً من وعود حزب "العمال" وضمنها موازنته مثل تمديد العمل بضريبة الأرباح الاضافية على شركات النفط والغاز، وإلغاء الإعفاء الضريبي للأثرياء الذين يحتفظون بأموالهم خارج بريطانيا.
لكن في النهاية تضمنت الموازنة بنوداً عدة ذات تأثير كان أهمها متوقعاً على نطاق واسع، وهو خفض ضريبة التأمينات الاجتماعية بنسبة اثنين في المئة.
وسبق وخفض هانت تلك الضريبة اثنين في المئة خلال موازنة الخريف التي أعلنها في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
واستشهد وزير الخزانة جيرمي هانت في بداية بيانه بتقديرات مكتب مسؤولية الموازنة، متفاخراً بأن حكومة حزب "المحافظين" ماضية في طريق خفض العجز وتقليل الاقتراض، مع اتخاذ اجراءات مالية تشجع النمو.
وعلى رغم أن الاقتصاد البريطاني في ركود تقني بنهاية العام الماضي، إلا أن ما أعلنه هانت من تقديرات أن الناتج المحلي الاجمالي سينمو 0.8 في المئة هذا العام و 1.6 في المئة العام المقبل، وسيواصل النمو بمعدل معقول حتى العام المالي 2028 - 2029.
ومن البنود المهمة التي أعلنها وزير الخزانة في الموازنة، وكان أمراً متوقعاً أيضاً، إلغاء الإعفاء الضريبي للمقيمين الذي يسجلون إقامتهم الضريبية خارج بريطانيا Non-Dom، وذلك سيوفر 2.7 مليار جنيه (3.44 مليار دولار) خلال الفترة المقبلة، وبدءاً مما بعد عام 2025 سيكون القادمون للإقامة في بريطانيا معفيين من الضرائب على ثروتهم التي يجلبونها مدة أربعة أعوام، وبعدها سيدفعون ضرائب مثل الجميع.
ومن البنود التي ربما كان حزب "العمال" المعارض يراهن على أن يكون هو صاحبها، تمديد خفض الرسوم على البنزين خمسة في المئة، وكذلك تجميد زيادة الضريبة على الكحول، وفي المقابل زيادة الضريبة على التبغ تمهيداً لفرض رسوم على السجائر الإلكترونية، إضافة إلى تمديد الضريبة الإضافية على أرباح شركات النفط والغاز التي فرضت مع ارتفاع أسعار الطاقة وتحقيق الشركات عائدات وأرباحاً طائلة. وفور انتهاء وزير الخزانة من بيان الموازنة، أعلن أحد الأعضاء البارزين في حزبه زعيم "المحافظين" في سكوتلندا النائب دوغلاس روس أنه سيصوت ضد هذا البند في الموازنة.
موازنة لا ترضي أحداً
وليس دوغلاس روس القيادي الوحيد في الحزب الحاكم الذي لم تعجبه الموازنة، فعدد من نواب حزب "المحافظين" كانوا ينتظرون من جيرمي هانت أن يعلن خفض الضريبة على الدخل، أو حتى في الأقل إلغاء التجميد الحالي لشرائح ضريبة الدخل، والذي يعني زيادة العبء الضريبي على البريطانيين الذي وصل إلى أعلى مستوى له خلال 70 عاماً.
يذكر أنه في آخر موازنة أعلنها كوزير للخزانة في حكومة رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون في مارس (آذار) 2022، تعهد رئيس الوزراء الحالي ريشي سوناك بأنه سيخفض ضريبة الدخل للشريحة الأساس من 20 في المئة إلى 19 في المئة بحلول العام الحالي، كما تعهد بأنه سيخفض ضريبة الدخل إلى 16 في المئة إذا فاز خلال الانتخابات المقبلة، لكن يبدو أن تلك الوعود ذهبت أدراج الرياح مثل وعود أخرى تعهد بها مطلع العام الماضي، وهو ما جعل بعض المعلقين يرون إعلان الموازنة، في محاولته إرضاء الجميع، فشلاً في إرضاء أي أحد، إذ كتب الاقتصادي الشهير محمد العريان على حسابه في مواقع التواصل معلقاً على الموازنة البريطانية التي أعلنها جيرمي هانت بأنها "لن ترضي كثيرين"، مع ضيق مساحة المناورة المالية للحكومة. وأضاف أن الموازنة "تجعل التحديات المالية التي تواجه من يفوز بالانتخابات العامة المقبلة أكثر تعقيداً، وربما يكون لها تأثير إيجابي قصير المدى في آفاق النمو الاقتصادي، لكنها لا تعزز السبيل نحو النمو الشامل والمستدام والمرتفع الذي تحتاج إليه بريطانيا".
أما البند الأهم والأعلى كلفة في الموازنة فهو خفض ضرائب التأمينات الاجتماعية بنسبة اثنين في المئة، مع وعد من وزير الخزانة بمزيد من الخفوض الضريبية، وإن كان ليس واضحاً هل سيعلن ذلك في موازنة أخرى قبل الانتخابات، أم أن ذلك الخفض الموعود سيكون ضمن البيان الانتخابي لحزب "المحافظين"، إلا أن خفض ضريبة التأمينات الاجتماعية في موازنة الخريف بنسبة مماثلة لم يترك أثراً لا على النمو الاقتصادي ولا رضا الناخبين عن حزب "المحافظين" الذي لا يزال حزب "العمال" يتقدم عليه في استطلاعات الرأي بنحو 20 نقطة.
تقليص غير مباشر للإنفاق
ومن البنود التي أعلنها وزير الخزانة في موازنة الربيع اليوم زيادة سقف دفع ضريبة المبيعات للأعمال الصغيرة من 85 ألف جنيه إسترليني (108 ألف دولار) إلى 90 ألف جنيه إسترليني (114.5 ألف دولار)، مما يعني أن عدداً كبيراً من الاعمال الصغيرة والمتوسطة لن تدفع ضريبة مبيعات.
وأعلن هانت زيادة الحد الأعلى من الدخل السنوي للحصول على الإعفاء الضريبي لرعاية الطفل إلى 60 ألف جنيه إسترليني (76.4 ألف دولار) بدلاً من 50 ألف جنيه إسترليني (63.6 ألف دولار) حالياً.
ومما يهم غالبية البريطانيين ما أعلنه وزير الخزانة من خفض ضريبة أرباح مبيعات البيوت التي يدفعها صاحب العقار على الأرباح التي يحققها من بيعه، من 28 في المئة إلى 24 في المئة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما بالنسبة إلى الإنفاق الحكومي على الخدمات العامة والوزارات والإدارات الحكومية، فلم يشأ وزير الخزانة أن يعلن خفضاً مباشراً للإنفاق، لكنه أعلن خطة لزيادة الإنتاجية في الإدارات والخدمات العامة مع إبقاء الزيادة السنوية في موازنتها عند نسبة واحد في المئة. وبحسب تقديرات مكتب مسؤولية الموازنة فإن إبقاء الزيادة عند واحد في المئة تعنني خفضاً فعلياً في الإنفاق على "الخدمات غير المحمية" بنسبة 18 في المئة خلال الأعوام الخمسة المقبلة.
أما بالنسبة إلى "الخدمات المحمية"، وهي الصحة والشرطة، فقد أعلن هانت استثمار 3.4 مليار جنيه إسترليني (4.3 مليار دولار) في تحديث البنية التحتية الإلكترونية للخدمة الصحية الوطنية (NHS) لتقليل الوقت المستقطع من الأطباء والممرضين في ملء الاستمارات وغيرها من الإجراءات الإدارية، ومع الزيادة السنوية في الإنفاق فسيكون نصيب الخدمة الصحية الوطنية 6 مليارات جنيه إسترليني (7.6 مليار دولار) في الموازنة.
ولا شك في أن جيرمي هانت أخذ في الاعتبار عدم إغضاب الناخبين بأن يبدو وكأنه يمول خفض الضرائب بسياسة تقشفية تقلل الإنفاق على الخدمات المباشرة للمواطنين، إذ تشير نتائج أحدث استطلاعات الرأي، كما ذكرت صحيفة "فايننشال تايمز"، إلى أن الناخبين البريطانيين "يفضلون أن يروا تحسناً في الخدمات مثل الصحة الوطنية، بدلاً من خفض الضرائب"، وهذا ما جعل زعيم حزب "العمال" المعارض كيير ستارمر، خلال تعليقه على بيان الموازنة في البرلمان، يتهم الحكومة بأنها "تعطي بيد وتأخذ أكثر من ذلك باليد الأخرى".
واتهم ستارمر حكومة حزب "المحافظين" بأنها "تتمسك بأفكار فاشلة من الماضي، وأنها غير قادرة على تحقيق النمو الذي تحتاج إليه البلاد".