Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الغلاء يجرد شوارع مصر من زينة رمضان

الأسعار ارتفعت إلى الضعف والبعض فضل شراء الطعام والشعبة التجارية: "قللنا نسبة الربح"

أجبر ارتفاع الأسعار غالبية المصريين على الاستعانة بزينة الأعوام الماضية (أ ف ب)

ملخص

في كل عام كانت الأشرطة الزاهية تزيّن شوارع القاهرة في استقبال رمضان. لكن، هذا العام تأخرت تلك المظاهر، فكيف أثرت الأزمة الاقتصادية في طقوس المصريين الرمضانية؟
 

بأشرطة ملونة تتزين شوارع مصر احتفالاً بحلول شهر رمضان، في طقس يرجعه بعض المؤرخين إلى القاهرة قبل أكثر من ألف عام. لكن، عادة المصريين السنوية تأثرت، مثل كل نواحي حياتهم، بالأزمة الاقتصادية التي يعايشونها بارتفاع الأسعار، وزيادة نسب التضخم.

وفي كل عام كانت الأشرطة الزاهية تزين شوارع القاهرة في استقبال رمضان قبل حلوله بنحو شهر، لتكون الأجواء الرمضانية حاضرة منذ مطلع شعبان. لكن، هذا العام تأخرت تلك المظاهر وفق ما رصدته "اندبندنت عربية" في جولة بعدة أحياء بالعاصمة المصرية.

ارتفاع الأسعار

لم يتوقف محمد يونس وأصدقاؤه عن طقسهم الرمضاني المعتاد بتعليق الزينة بطول الشارع بمنطقة عين شمس شرق القاهرة، يمرون على كل منزل ليسهم بالمال، إذ جمعوا العام السابق نحو 15 جنيهاً (30 سنتاً أميركياً) من كل شقة وصلت هذا العام إلى 30 جنيهاً (60 سنتاً أميركياً).

فوجئ الشاب العشريني بارتفاع شديد في الأسعار، كاد يعطل مساعيه في تزيين الشارع، فالعام الماضي اشترى متر الزينة القماش بستة جنيهات (12 سنتاً أميركياً)، لكنه وصل حالياً إلى 10 جنيهات (20 سنتاً أميركياً)، مما يعني أنه يحتاج إلى 1500 جنيه (30 دولاراً أميركياً) لشراء 150 متراً من الزينة لتكفي الشارع، بعد أن كان يسدد لنفس الأمتار 900 (18 دولاراً أميركياً) جنيه، بفارق 600 جنيه (12 دولاراً أميركياً) عن العام الماضي.

 

الكلفة الباهظة مقارنة بالأعوام الماضية، تشمل أيضاً تجميل الشارع بـ"لمبات" وفانوس كبير في الوسط، فتكلفة حبل مضيء قوامه 20 لمبة تراوح بين 400 و450 جنيهاً (8.1 إلى 9.1 دولار أميركي)، بدلاً من 200 إلى 240 جنيهاً (4.05 إلى 4.86 دولار أميركي) العام الماضي، مما يعني أن القيمة تضاعفت تقريباً، كذلك ارتفع سعر الفانوس الكبير ليتراوح بين 1500 و2000 جنيه (30.4 إلى 40.5 دولار)، بعد أن كان لا يتجاوز 1200 جنيه (24.3 دولار).

وعلى رغم التأخر في تعليق الزينة إلى الأسبوع الأخير في شعبان، استطاع محمد ورفاقه جمع المبلغ اللازم، وأكملوا ما تبقى من أموالهم الخاصة، كي لا تنقطع العادة التي تشعر أهالي الشارع بفرحة قدوم رمضان.

إعادة الاستخدام

ارتفاع الأسعار دفع رضوى سليمان، ربة منزل، إلى الاستعانة بزينة الأعوام الماضية، كي تحافظ على أجواء رمضان داخل منزلها، حتى لا يشعر طفلاها بفارق عما سبق، موضحة أنها قبل ثلاث سنوات اشترت زينة "بلاستيك" سعر المتر حينها لم يتعد خمسة جنيهات (10 سنتات أميركية)، وستارة النور بها 20 لمبة كان سعرها 120 جنيهاً (2.43 دولار أميركي).

 

وتشير سليمان إلى أنها لجأت إلى ذلك بعدما سألت عن أسعار الزينة في محلات العتبة، الأرخص سعراً، ووجدت أنها مغالى فيها، بحسب وصفها، فاكتفت ببعض الديكورات مثل مفرش زينة بـ180 جنيهاً (2.43 دولار أميركي)، و"مغناطيس للثلاجة" بـ25 جنيهاً (51 سنتاً أميركياً)، مؤكدة أن الأولوية حالياً لشراء السلع الأساسية، مثل الرز والزيت واللحوم والمكسرات التي تضاعفت أسعارها، أخيراً.

كذلك اكتفى سامح رجب، الموظف بوزارة الصحة، بشراء فوانيس جديدة متوسطة الحجم لأطفاله الثلاثة، كل منها بـ65 جنيهاً (1.32 دولار أميركي)، رغبة في إدخال السرور عليهم خلال رمضان، ولم يكرر ما اعتاده من تزيين المنزل توفيراً للنفقات، مشيراً إلى أنه دفع 50 جنيهاً (دولاراً أميركياً واحداً) لتزيين الشارع، الذي يسكنه في حي الهرم بمحافظة الجيزة، وهو المبلغ الذي كان متعارفاً عليه هذا العام، بعدما كان 30 جنيهاً (61 سنتاً أميركياً) العام الماضي.

"وقف الحال"

غير بعيد من منزل سامح، جلس سيد حسين أمام محله الصغير بشارع فيصل، جنوب الجيزة، واضعاً فوانيس وزينة رمضان، وداخل المحل تتعالى أصوات الأغاني الشهيرة التي تنبئ بقدوم رمضان، رغبة منه في لفت انتباه الزبائن.

إلا أن الزبائن قليلون وسيد يشكو من "وقف الحال"، قائلاً إن محله بالأساس لبيع الأدوات المكتبية، ومع حلول شهر شعبان اشترى كمية من الزينة من أحد تجار الجملة بشارع الخيامية قرب منطقة الربع وسط القاهرة، مشيراً إلى أن بضاعته ذات جودة منخفضة لتسهيل بيعها في منطقة شعبية مثل فيصل.

ويبيع الرجل الأربعيني فرع الزينة القماش (ثلاثة أمتار) بـ10 جنيهات (20 سنتاً أميركياً)، بزيادة 50 في المئة عن أسعار العام الماضي، فيما وصل سعر الفانوس القماش (درجة ثالثة) إلى 200 جنيه (4.2 دولار أميركي)، والفانوس الخشبي بـ450 جنيهاً (9.12 دولار أميركي)، وستارة النور 10 لمبات يصل سعرها إلى 150 جنيهاً (3.4 دولار أميركي).

 

ويشير البائع المصري إلى الشوارع المجاورة التي يخلو معظمها من الزينة الكثيفة التي اعتادها حي فيصل قبل شهر كامل من حلول رمضان، لكن مع تبقي ساعات فقط على بداية رمضان، اكتفت بعض الشوارع الجانبية بأفرع قليلة من الزينة.

أما في حي الشيخ زايد، فقد تغاضت الطبيبة لمياء محمود، عن ارتفاع الأسعار الملحوظ، واشترت ما اعتادته من زينة رمضان داخل منزلها، بخاصة أنها ستقيم "عزومة" لأخواتها، ولا تريد أن يشعر أبناؤها وصغار العائلة أن رمضان هذا العام اختلف عن سابقه.

وأوضحت محمود أنها اشترت من محل بأحد المولات الكبرى ستارة النور التي أصبح سعرها نحو 270 جنيهاً (5.47 دولار أميركي)، ومتر الزينة القماش 20 جنيهاً (41 سنتاً أميركياً)، فيما يتراوح هلال رمضان الخشبي بين 30 و50 جنيهاً بحسب الحجم، أما "المفرش" فسعره نحو 300 جنيه (6.08 دولار أميركي)، موضحة أن الأسعار زادت الضعف مقارنة بالعام الماضي، فبالتالي قد تتعدى كلفة زينة منزلها والشرفة 1500 جنيه (30.39 دولار أميركي)، وفي حالة شراء فانوس متوسط 2000 جنيه (40.53 دولار أميركي) في الأقل.

التجار ينفون المغالاة

وعلى رغم تلك الزيادة التي رصدها المواطنون، يؤكد وكيل شعبة الأدوات المكتبية وألعاب الأطفال بالغرفة التجارية بالقاهرة، محمد حسن، أن التجار "لم يغالوا في الأسعار، واختاروا تقليل نسبة الربح رغم ارتفاع معدلات أسعار جميع المنتجات الأخرى، مقابل استمرار حركة البيع، وإلا كانت الدنيا هتقف".

وقال حسن، في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن حركة بيع زينة رمضان انخفضت بنسبة طفيفة في هذا العام، لكنه أكد أن "الدنيا مش (ليست) واقفة خالص. الموسم فيه (يوجد) شغل"، وأن الورش والمصانع أنتجت فوانيس وزينة رغم أزمة الاستيراد، في إشارة إلى وقف الحكومة حركة الاستيراد خلال العام الماضي، باستثناء السلع الأساسية.

وأرجع وكيل شعبة الأدوات المكتبية خفض حركة البيع إلى ارتفاع الأسعار عموماً في كل المنتجات، مشيراً إلى فارق زيادة الأسعار في السلع الأساسية مثل "الزيت والياميش"، مؤكداً أن المواطن بالتأكيد سيختار شراء الحاجات الأساسية من طعام وشراب قبل التفكير في شراء الزينة.

 

وعن التأثر بوقف الاستيراد نتيجة شح العملة الصعبة خلال الفترة الماضية، قال حسن إن الصناعة المصرية للفوانيس "استطاعت سد الفجوة التي أحدثتها عدم دخول الفوانيس، التي كانت تأتي غالباً من الصين"، مؤكداً أنها "بجودة مناسبة وتقدم أفكاراً متجددة، سواء في الفوانيس أو الزينة والأكسسوارات"، التي أكد أنها تشهد "طفرة كبيرة".

ورفض حسن الكشف عن إجمالي حجم تجارة الزينة والفوانيس هذا العام قائلاً "الإجابة ممكن تستفز الناس"، في إشارة إلى أنها سلع ترفيهية في وقت تشهد فيه السلع الأساسية موجة غلاء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وسجلت مصر نسبة تضخم في يناير (كانون الثاني) الماضي بلغت 31.2 في المئة على أساس سنوي، خفضاً من 38 في المئة خلال سبتمبر (أيلول) 2023.

وانخفضت قيمة الجنيه المصري أمام الدولار مرات عدة خلال العامين الأخيرين، إذ هبط من 15.6 جنيه للدولار في مارس (آذار) 2022 إلى ما يقارب الـ50 جنيهاً حالياً، بعد قرار الحكومة تحرير سعر الصرف، الأسبوع الماضي.

ارتباط المصريين بزينة رمضان يرجعه بعض المؤرخين إلى أن فكرة تزيين الشوارع للاحتفال بالشهر بدأت مع فترة عهد الدولة الطولونية (868 – 905)، حيث أمر الخلفاء بتزيين الشوارع والمساجد بالقناديل.

فيما تقول روايات أخرى متواترة إن الخليفة عمر بن الخطاب أول من زين المساجد وأنارها مع قدوم شهر رمضان، حتى يتمكن المسلمون من إحياء الشعائر الدينية أثناء الليل.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات