Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

وباء الأخبار المزيفة المنفلت يستدعي اتخاذ إجراءات حماية منه

3 ملايين ضحية للاحتيال الشبكي وأكثر من 20 مليون بريطاني تحت هجوم يومي بحقائق مضللة وحملات تصيد وتحيز وكذب وتزوير عميق

إن رد الفعل الأولي على تلك الثورة المدوخة من فوضى المعلومات التي تضربنا، تتمثل عادة في الدعوة إلى مزيد من التشريعات التنظيمية (أ ف ب)

ملخص

أي مشرع على كوكبنا يستطيع إخضاع ما يقارب 4.75 مليار منشور يتشاركه مستخدمو "فيسبوك" يومياً للتنظيم؟ أو الـ35 مليون منشور على "تيك توك"، أو المليون على "ردإت"؟

"توقف. فكر. تيقن أنه خداع" [stop, think, fraud]، شعار حملة حكومية للتوعية من عمليات الخداع والاحتيال، لعلكم رأيتم أو سمعتم ذلك التنبيه الإعلامي الذي أطلقته وزارة الداخلية البريطانية في الأسابيع الأخيرة، ضمن محاولة لتثقيفنا بكل الطرق أن فاسدين قد انفلتوا على الإنترنت كي يحتالوا علينا.

ويتخذ أولئك الفاسدون هيئات تبدو مقنعة تماماً لأنهم يحاولون خداعنا كي نعطيهم كلمات مرورنا وتفاصيل حساباتنا البنكية وأرقام التعريف الأساس على بطاقاتنا الائتمانية وهوياتنا ونقودنا. ويخبرنا الموقع المخصص لتلك الحملة أن واحداً من كل 17 بالغاً في إنجلترا وويلز يقع ضحية للاحتيال سنوياً، أي نحو 3 ملايين شخص منا. إنه لعدد كبير من الناس، لكنه ليس سوى نقطة في المحيط بالمقارنة مع عدد من يتعرضون منا للتحايل الماكر أو أنهم يخدعون بطرق أخرى. وقد أظهرت دراسة قيمة أن نحو الثلثين منا لم يعودوا قادرين على ملاحظة الفارق بين الصحافة الجيدة والزائفة. وتجد نسبة مماثلة صعوبة متزايدة في تقدير ما إذا الخبر كان صادراً عن مؤسسة إعلامية محترمة.

إذاً، مبلغ الأمر أن نحو 24 بالغاً بريطانياً، غير الأطفال والمراهقين، يهيمون في الظلام في شأن الطرف الذي يجب تصديقه. وإذا لم يدفعكم ذلك إلى الانتباه لشعار "توقف. فكر. تيقن أنه خداع"، فما من شيء سيحثكم على ذلك.

خلال هذا الأسبوع، وجدت نفسي صحبة جمع من المراهقين الأذكياء بعمر الـ19 سنة يبدأون كلهم حياتهم الجامعية. سألتهم عن المصدر الذين يستقون الأخبار منه. وجاءت إجابة معظمهم بأنها أقنية السوشيال ميديا كـ"إنستغرام" و"ردإت" Reddit و"تيك توك".

بعدها، تمثلت متابعتي لذلك الأمر بسؤال تلك المجموعة عن المكان الذي تأتي منه الأخبار قبل نشرها على السوشيال ميديا. وقد تسبب ذلك في شيء من الارتباك، إذ بدا السؤال كأنه فكرة جديدة، ثم حرضتهم عن التساؤل ما إذا كان لدى "إنستغرام" مراسلون موظفون وإن لم يكن ذلك كذلك، ألا تكون أخباره آتية من مكان آخر؟

وفجأة أدركوا الأمر، على رغم أنهم لم يحسموا تماماً أين كان مصدر لقطة الشاشة هذه أو تلك، أو هذه الصورة أو تلك. لم يستطع سوى ثلاثة من تلك المجموعة المكونة من نحو 20 شخصاً، تسمية مصدر الأخبار التي استهلكوها أخيراً على السوشيال ميديا. في خطوة تالية، انتقلت بقلب مثقل إلى سؤالهم عما درجنا تسميته الإعلام السائد. بالطبع، لم يدفع أي فرد من المجموعة لقاء الحصول على الأخبار، ولم يرد ذلك حتى في خيالهم. تابع شخص أو اثنان منهم الـ"بي بي سي".

كذلك لم يستطيعوا كلهم، باستثناء فرد منهم، معرفة انتماءات صحف مثل "دايلي مايل" أو "ميرور"، إلى اليمين أو اليسار. لم يتعرفوا على أسماء أصحاب الصحف، على رغم أن واحداً أو اثنين منهم سمع على شخص غامض اسمه روبرت مردوخ. كذلك لم يبدو اهتماماً كبيراً بالسؤال عن السبب الذي قد يدفع شخص ما إلى امتلاك صحيفة، أو عمن يقرر ما هو جدير بأن يكون "خبراً".

ثم انتقلنا إلى الحقائق، ومدى ضرورة وجود معيار مقدار من التوافق حولها بهدف امتلاك مجتمع فاعل وحيوي. تشكك شخص أو اثنين حتى بوجود شيء بمسمى حقائق. لقد رغبوا في معرفة "حقائق بالنسبة لمن؟". وعقب بعض النقاش، برز نوع من التوافق على صعوبة التعامل مع مناخ الأزمة إن لم نستطع التوافق على وجود شيء بذلك المسمى [حقائق].

لم أرغب في عدم التعاون المطلق مع أولئك الشباب الذين يحزون ذكاءً واسعاً، ورغبة في التقصي، إضافة إلى كونهم محببين. وبصورة أو آخر، ثابر معظمهم على متابعة بعض مجريات الأخبار، على رغم قول اثنين منهم بأنهم لا يكترثون البتة بالقضايا الراهنة. لكن، لم يجر تشجعيهم أبداً على النقد أو التشكيك أو إبداء اهتمام خاص بالتقصي حول ما يخبرون عن العالم الذي يحيط بهم. وكذلك أبدوا غربة أصيلة عن مفهوم دور الصحافة الوطنية في تزويد الرأي العام المعلومات، أو عملها على تشكيله.

لكن، كنا قد حظينا في الآونة الأخيرة برئيسة وزراء، ليز تراس، التي درست الفلسفة والسياسة والاقتصاد في "كلية مرتون" بجامعة أكسفورد، وليس أقل من ذلك. وفي المقابل، بدا أنها مخلصة للاعتقاد أن "جي بي نيوز" GB News أكثر موثوقية كمرشد عن العالم، من هيئة "بي بي سي". وكذلك فإنها ليست فريدة في نوعها ضمن صفوف طبقاتنا السياسية والاقتصادية. [تأسست "جي بي نيوز" في 2021 كقناة خاصة وتبث بصورة مباشرة على الإنترنت بوسائط الميديا المتعددة، ويقودها أشخاص من اليمين البريطاني. ويقصد بالمقارنة أن تراس فضلت قناة أحادية الميل والمصادر سياسياً على "بي بي سي" الراسخة في الاعتدال وتعدد المصادر].

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إذاً، حتى لو نحينا جانباً 3 ملايين ممن يقعون ضحية الاحتيال الشبكي، أين هي الحملة التي تحمل معلومات بهدف مساعدة أكثر من 20 مليون بريطاني منا ونحن نلاقي العناء كي نشق طريقنا بالضد من أكثف حملات المعلومات المضللة، وحملات التصيد الشبكي، وتحيز، وبروباغندا، وحملات علاقات عامة، وترويج متنكر، والصحافة السطحية Churnalism، وأكاذيب، وتزوير عميق على الإنترنت، ومنتجات يولدها الذكاء الاصطناعي، والهلوسات، ونظريات المؤامرة المجنونة؟ مع الإشارة إلى أن تلك الأشياء كلها تمزج بأجزاء من الحقيقة.

إن رد الفعل الأولي على تلك الثورة المدوخة من فوضى المعلومات التي تضربنا، تتمثل عادة في الدعوة إلى مزيد من التشريعات التنظيمية. بالتأكيد، ثمة دور للتنظيم التشريعي، لكن أي مشرع على كوكبنا يستطيع إخضاع ما يقارب 4.75 مليار منشور يتشاركه مستخدمو "فيسبوك" يومياً للتنظيم؟ أو الـ35 مليون منشور على "تيك توك"، أو المليون على "ردإت"؟

لقد بلغت تلك المشكلة مستوى يفوق الخيال في اتساعها بحيث إن حلها الوحيد يتمثل في سعينا كلنا وكل فرد منا، للبحث عن المخادعين في كل ما يتعلق بالمعلومات على الإنترنت. ويتضمن ذلك المسعى شيء من الخداع. [المعنى المقصود أن التدقيق النقدي بالمعلومات على الإنترنت فيه نوع من مراوغة المخادعين الذين ينشرون وباء المعلومات المضللة عليها].

مع مجموعتي من الطلبة، تمنيت لو امتلكت الوقت لحثهم على التعمق في التفكير في شأن أصول المعلومات، والفارق بين الأخبار والتعليقات وكيفية ملاحظة ذلك، وطرح أسئلة عمن يمتلك ويتحكم بالأخبار، والسبب وراء ذلك. وكذلك الأمر بالنسبة إلى التمييز بين المصدر الجيد والرديء، والقدرة على التقاط الفارق بين الصورة الحقيقية والمزيفة، وامتلاك شيء من الحس الحدسي في شأن الدافع السياسي، إذا وجد، الكامن خلف الكلمات. هل هنالك إسهام لصحافيين محترفين [في خبر ما] أو أناس آخرون ممن لديهم خبرة أصيلة في ذلك الموضوع؟ كيف يمكنهم [تلك المجموعة من الطلبة نفسها] تعيين وتقييم محتوى ما حين يولده الكمبيوتر، أو صورة مصنوعة بتقنية التزييف العميق؟ كيف يبدأ تكون نظريات المؤامرة؟ كيف يمكنك أن تنجح في كشفها؟

في ذلك الصدد، تألف وكالاتنا الاستخباراتية التنبه للخطورة التي قد تحملها المعلومات المضللة للأمن العام والنظام والتماسك الاجتماعي. إن جيلاً من المتلقين السذج للأخبار والمعلومات [بمعنى أنهم لا يتعاملون معها نقدياً] يشكل مساحة هشاشة ضخمة.

جرت العادة على اعتبار "دراسات الإعلام" نوعاً من المنهج الدراسي غير الجدي، وإنه موضوع خفيف يندرج ضمن تيار الـ"ووك" ويليق بقليلي الذكاء. لكن، ألم يغد من شبه الإجباري الانغراس في محو الأمية الإعلامية بوصفها حاجة ملحة بالنسبة إلى مفردات منهجنا التعليمي الوطني؟ [ووك تيار ثقافي ينادي بالتنبه إلى التمييز ضد المرأة والأعراق غير البيضاء وأصحاب الهويات الجنسية غير التقليدية، وما إلى ذلك].

لقد تقدم الألمان علينا، مع وجود حركة "لا تعليم بلا محو الأمية الإعلامية". كذلك أضحى محو الأمية الإعلامية جزءاً من المنهج التعليمي الأساس في الدنمارك (بالنسبة لمن تراوح أعمارهم بين 16 و19 سنة)، والسويد، إضافة إلى أنها تناقش بجدية في مؤسسة الـ"يونيسكو". ثمة مشروع استكشافي في بريطانيا تموله "وزارة الثقافة والإعلام والرياضة"، يسمى "صندوق محو الأمية في شأن الأخبار"، وقد توصل إلى أن اثنين في المئة فقط من الأطفال لديهم المهارات الكافية للتعرف إلى المعلومات المضللة، وكذلك فإن نصف المدرسين يعتقدون أن الأطفال ليسوا مجهزين كي يتعرفوا على الأخبار المزيفة.

إذاً، يجب طرق السبل كلها للتعرف على المحتالين الشبكيين. في المقابل، لقد بات فيروس المعلومات المضللة وباءً الآن. ويحتاج كل واحد منا إلى نوع من اللقاح ضده.

*  ألان رسبريدجر، محرر سابق في صحيفة "غارديان"، ومحرر لمجلة "بروسبكت"

© The Independent

المزيد من آراء