ملخص
عصر متابعة المباريات الرياضية أمام تحول جذري كبير مع دخول شركات إنتاج كبرى في عمليات شراء حقوق البث والدخول المرتقب لتقنيات الواقع المعزز
ابني آرتشي، الذي بلغ الثامنة عشر من عمره، يستمد شغفه الرياضي من كل مكان. لا يفضل برنامج معين أم مقدم محدد، مع أنه معجب بـ غاري نيفيل. أما غاري لينكر وآلان شيرر وداني ميرفي، فمع أن حديثهم ينطوي على منطق، إلا أنهم يخاطبون جيل والده لا جيله.
أما أنا، فما زلت أجد في نفسي متسعاً لتقديرهم، ذاكراً أمجادهم على المستطيل الأخضر. بالنسبة لآرتشي، فقد يشاهد برنامج "ماتش أوف ذا داي" Match of the Day على "بي بي سي وان"، أو يقلب على محطة تلفزيونية أخرى من دون اكتراث. فما يسعى خلفه هو زخم المباريات.
إن كانت المباراة ذات شأن، قد يتابعها على الهواء مباشرة، وإلا فإنه يسبق الجميع إلى ملخصاتها قبل أن تبدأ "بي بي سي" المتأخرة بعرضها. مقاطع على منصات التواصل، "يوتيوب"، خدمات البث الأجنبية ذات السمعة المتأرجحة - مهما كان المصدر، يجد آرتشي سبيله إليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في البيت، فإن والده (أنا) يكن الولاء لـ "بي بي سي"، "آي تي في"، "سكاي" وأوقات بثها المحددة. لكن آرتشي، يريد المتعة الرياضية هنا وفي هذه اللحظة، في حركته وترحاله، من دون اكتراث ما هو المصدر الذي يعرضها.
يمثل آرتشي المستقبل الجديد. بينما يحرص القائمون على الفضاء التلفزيوني على استمرار من هم في سني لمتابعتهم، تخبرهم أرقامهم ورسومهم البيانية - التي ترسم ملامح مستقبل صناعتهم - بأن عليهم أن يبهروا آرتشي، ففي ذلك مفتاح استمراريتهم على المدى البعيد.
الأمر ليس بالسهولة التي يُقال بها، خصوصاً لمن يعمل في مجال توفير المحتوى التلفزيوني التقليدي. لقد جرى إنفاق أموال طائلة لتأمين حقوق بث المباريات الرياضية مباشرة على الهواء، إضافة إلى امتلاك تشكيلة من المسلسلات الكوميدية والدرامية التي كلفت موازنات باهظة.
المعلنون يتطلعون بشغف إلى جذب الشباب والتجديد وزيادة الأعداد، بينما يشهد جمهور الشاشات التقليدية تقدماً في السن وانخفاضاً في الأعداد.
من هنا جاءت الخطوة المفاجئة التي أقدمت عليها الشركات العملاقة والمتنافسة تقليدياً كـ"فوكس" و"ديزني" و"ورنر"، التي اتفقت على إطلاق خدمة بث رياضي موحدة، لم يُعلن عن اسمها بعد.
نظراً لأنها شركات أميركية، من المتوقع أن يكون التركيز في البداية على الدوريات الاحترافية الكبرى في أميركا واتحادات الكليات. ولن يتاح الدوري الإنجليزي الممتاز في هذه الخدمة في الوقت الراهن. إلا أن البطولة الدولية الأكبر والأكثر شهرة في كرة القدم، كأس العالم للفيفا، ستكون ضمن المحتوى المقدم.
كذلك، ستتضمن الخدمة بطولة الغولف "بي جي أي" PGA وبطولات الفنون القتالية المختلطة "يو أف سي" UFC.
والحق أن الهدف من وراء هذه المبادرة هو الوصول إلى جيل "آرتشي"، كما تعبّر عنه الشركات الثلاث، "خارج إطار الباقات التلفزيونية التقليدية"، في محاولة لإقناع جيل الشباب بمتابعة الرياضات التي استثمرت فيها الشبكات ثروات طائلة لضمها إلى باقاتها التلفزيونية التقليدية، من دون إجبارهم على الالتزام بالنمط التقليدي للمشاهدة.
في الحقيقة، نشهد خطوة جديدة نحو عصر "قطع التقاليد"، وهو تحول آخر يبتعد عن تلك الصورة المعهودة للعائلة المجتمعة حول جهاز التلفاز الموصول سلكه بالمنفذ الكهربائي بجدار الغرفة لمتابعة المباريات.
لا شيء سوى الرياضة والفعاليات الحية كحفلات توزيع الجوائز يمكنها أن توفر الثبات في نسب المشاهدة وتجذب الفئات العمرية الأصغر التي يطمح إليها المعلنون. آرتشي ورفاقه يتابعون هذه الفعاليات لرغبتهم في الإلمام الفوري بالأخبار، الأحداث الطارئة والمفاجآت المحرجة غير المتوقعة.
ويعترف التحالف الثلاثي بأن نمط مشاهدة التلفزيون التقليدي، كما اعتاد عليه الجيل الأكبر، بدأ يتراجع، وأن الأجيال الجديدة لها عادات مشاهدة مختلفة، مما يستوجب على القنوات التكيف مع هذا التغير أو المخاطرة بفقدان هذه الشريحة من المشاهدين نهائياً.
تمثل الرياضة جسراً للتواصل وتجمع الناس معاً، فهي لا تفرق بين غني وفقير، كبير وصغير، وتتخطى حدودها لتصبح ظاهرة عالمية
هذا بشرى خير لحقوق البث الرياضي. إذا أرادت مؤسسات البث التقليدية مواصلة عرض المنافسات الرياضية، فعليها أن تنافس عمالقة التكنولوجيا مثل "أبل"، "أمازون" و"غوغل"، وكذلك العروض المتطورة من "فوكس"، "ديسكفري" و"وارنر".
عندما كانت عائلة غليزر تدرس العروض المقدمة لشراء نادي مانشستر يونايتد، كانت القيمة المطروحة بحدود 10 مليارات دولار.
للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الرقم فلكياً لمن هم خارج دائرة كرة القدم. حتى بعض المتخصصين في اللعبة وجدوا صعوبة في استيعابه. لكن بالنسبة للمطلعين أصحاب الرؤى التقنية والمستقبلية، لم يكن الأمر بالغ الغرابة.
ما كان يستند إليه هذا التقدير هو أن حقوق البث التلفزيوني وكيفية متابعتنا للرياضات لا تزال في بداياتها النسبية. تُعتبر الرياضة، بشكل متزايد، بمثابة قوة توحيدية كبرى بالنسبة للمسوقين في الشركات، بل هي القوة التوحيدية الباقية الوحيدة. فما هو البند الذي يتصدر قائمة الأسعار الإعلانية بفارق كبير؟ بلا شك، فترات الإعلانات خلال السوبر بول [كرة القدم الأميركية].
غالباً ما تكون النشرات الإخبارية مثقلة بالأخبار السيئة، مما يدفع الناس للابتعاد عن المشاهدة - فمن منا يرغب حقاً في الإعلان عن منتجه بين لقطات من حروب كحرب غزة؟ كما أنها غالباً ما تكون مشحونة بالسياسة وفي عصرنا هذا، تزداد حدة الاستقطاب.
الكوميديا والمواد الخاصة أيضاً لها طابع محفوف بالأخطار، فهي تجذب بعض الناس من دون غيرهم، وتتوجه لفئات عمرية معينة وشرائح اقتصادية مختلفة.
ولكن لا، فالرياضة تجمع الناس وتوحدهم. إنها عامل مشترك بين الجميع - الغني والفقير، الكبير والصغير. وهي بحق ظاهرة دولية. يمكنك أن تكون في أي مكان في العالم، وسائق التاكسي سيسألك عن بلدك والفريق الذي تشجعه.
في هذا السياق، تعتبر كرة القدم - أو السوكر (كما تُسمى في أميركا) - الملك العالمي. قد يشهد دوري كرة القدم الأميركية مبالغ أكبر في الوقت الحالي، لكن كرة القدم الأميركية لا تحظى بظاهرة عالمية، ولا تمتلك جاذبية عابرة للقارات كتلك التي تتمتع بها كرة القدم. وضمن عالم كرة القدم، يتربع مانشستر يونايتد على القمة. لا يوجد نادٍ آخر يفوقه في حجم قاعدة المعجبين والانتشار.
بعد استحواذهم على النادي، قامت عائلة غليزر الأميركية بإجراء بحث لتقييم شعبية يونايتد. وكشف البحث عن وجود 333 مليون متابع. كان ذلك قبل 19 عاماً؛ واليوم، يُقال إن مليار شخص في كل أرجاء المعمورة يعتبرون يونايتد "فريقهم".
قد يبدو تبرير هذا العدد الهائل محل تساؤل، فهو يمثل واحداً من كل ثمانية أشخاص على مستوى العالم. لكن الأوساط المحيطة بالنادي تظل متمسكة بهذا الرقم بثبات.
ما يضاف إلى شعبية يونايتد هو الوعي بأن آلية متابعتنا للأحداث الرياضية، بما فيها كرة القدم، على أعتاب ثورة تحول جذرية. من خلال تقنيات الواقع المعزز، سيُجهز اللاعبون بكاميرات دقيقة. وجرى تجربة هذه التقنية وأثبتت نجاحها حيث لم يشعر اللاعبون بوجود هذه الأجهزة أثناء اللعب.
ستنقل الصور إلى نظارات يرتديها المتابعون، ليعيشوا لمدة 90 دقيقة تجربة اللعب بعيون هاري كاين أو بوكايو ساكا (أو حتى الحكم إذا ما أرادوا)، ليروا المباراة من منظورهم الخاص. وبالطبع، هذه التجربة ستكون مدفوعة الأجر. وبكونه النادي الأكثر شعبية، يحتل يونايتد موقعاً استراتيجياً لتحقيق عوائد مالية ضخمة، ومن هنا جاء تقدير الـ10 مليارات دولار.
لم نصل بعد إلى تلك المرحلة. ولكن لا شك في أنها قادمة - طريقة متابعة التلفزيون التقليدية تتجه نحو التحول الدائم. إذا لم تنته بعد، فمصيرها الحتمي سيكون قريباً، فقط اسألوا "فوكس"، "ديزني"، "ورنر"، وعائلة غليزر... وآرتشي.
كريس بلاكْهَيرْست، مؤلف كتاب "أضخم ماكينة نقود في العالم: مانشستر يونايتد، عائلة غليزر ومعركة روح كرة القدم" الصادر عن دار ماكميلان
© The Independent