ملخص
توقف إجراءات تسجيل الولادات يشمل جميع سكان غزة، لكن نتائجه حرمت الأطفال من كثير من حقوقهم
عند بوابة المستشفى كانت ريناد تحمل طفلها وتسير الهرولة وتتمتم بعبارات غير مفهومة، لكن من الواضح أن الأمر يتعلق بصغيرها حديث الولادة، إذ كانت الأم تشير إليه عند كل كلمة تنطق بها، وبسرعة توجهت إلى دائرة الأحوال المدنية، لكنها عادت وهي عاقدة الحاجبين.
أخذت الأم الغاضبة تخاطب مولودها الجديد وتقول له "أنت محروم حتى من ورقة تثبت ميلادك، وشهادة تسجيلك في السجلات الرسمية أصبحت مستحيلة، يا لطيف هذه الحرب جعلت من مواليدنا أشخاصاً غير مرئيين من قبل المؤسسات الرسمية والدولية".
من دون شهادة ميلاد
تشتكي ريناد من عجزها عن إصدار شهادة ميلاد لطفلها الذي وضعته خلال الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وكذلك من عدم حصولها حتى على ورقة تثبت فيها عملية ميلادها، وانعكس هذا الأمر على إجراءات عملية تسمية صغيرها.
توضح ريناد أنه "مضى 20 يوماً على ولادتي، وحتى الآن ليس لطفلي اسم، لا أعرف ماذا أطلق عليه، هذا المولود محروم حتى من إجراءات تسجيله في السجلات الرسمية، لا شهادة ميلاد ولا حقوق طفولة ولا أي شيء يثبت أنه وطأ أرض غزة، كل هذا بسبب الحرب".
وتقول "أزور المستشفى كل يوم على أمل إصدار شهادة ميلاد لطفلي، وكل يوم أعود بلا نتائج، وطلبت من إدارة المستشفى الحصول على أي ورقة اعتراف رسمية بصغيري، لكنهم يبلغوني بأن الأمر خارج عن إرادتهم نتيجة الحرب التي بسببها توقفت عملية تسجيل الولادات".
تريد ريناد أن تنهي إجراءات تسجيل طفلها بأسرع وقت ممكن، إذ تعتقد بأن هذه الخطوة مهمة جداً ويجب القيام بها فور حدوث الولادة من دون أي تأخير، ولا تؤمن بأن الحرب هي مبرر لتوقف إصدار شهادات الميلاد للأطفال.
الرعاية الصحية
في الواقع، عملية تسجيل المولود وإدراجه ضمن بطاقة العائلة أمر مهم للغاية، خصوصاً في أوقات الطوارئ التي تمر بها غزة، وتمنح هذه الإجراءات الأطفال إثباتاً قانونياً لهويتهم، وتمنع تكرار حوداث مقتل الأطفال وإصدار شهادات وفاة لهم قبل إصدار شهادة ميلادهم.
وتوقف إجراءات تسجيل الولادات يشمل جميع سكان غزة، لكن نتائجه حرمت الأطفال من كثير من حقوقهم، وهذا ما حصل مع الأم ندرين عندما حملت طفلها سند وذهبت به إلى مركز الرعاية الصحية لتطعيمه بعد أسبوع من ولادته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقفت ندرين في طابور طويل لتصل إلى العامل الصحي الذي يشرف على متابعة حال المواليد الجدد ويفحصهم ويطعمهم، لكن عندما جاء دورها طلب منها الموظف الطبي شهادة ميلاد صغيرها.
وعندما أخبرت ندرين مركز الرعاية الصحية بأنها لا تملك شهادة ميلاد ولا ورقة تثبت ميلادها، رفض العامل الصحي التعامل معها، وأبلغها بضرورة تنفيذ إجراءات تسجيل طفلها ليحصل على الرعاية الطبية في وقتها.
ومن دون إثبات قانوني لهوية الطفل فإنه يظل غير معدود وغير مرئي بالنسبة إلى المؤسسات الحكومية والدولية، مما يعني أنهم قد يخسرون حقوقهم في الحصول على الحماية وعلى الخدمات الأساسية.
تقول ندرين "نريد أن يعيش الأطفال ويحصلون على حقوقهم من مأوى وملابس وطعام وشراب، هؤلاء أطفال صغار ليس لهم ذنب في ما يعيشونه، لا يمكننا توفير حياة لهم من دون إثبات قانوني أي شهادة ميلاد".
حرمان من السفر
ومعاناة عدم إصدار شهادات الميلاد لا تقتصر على تقديم الرعاية الصحية، بل تمتد إلى حرمان المواليد وذويهم من السفر مثلما حصل مع سليمان الديري الذي يوضح أن "زوجتي ولدت طفلتنا قبل شهر، ولم أنتبه أنها لم تحصل على ورقة إثبات ولادة، ثم حاولت مراراً إصدار شهادة ميلاد وفشلت".
ويقول "تجاهلت الموضوع قليلاً، وسجلت للسفر، وبعد فترة طويلة جاء دورنا، وعندما وصلنا إلى المعبر وغادرنا غزة، طُلبت منا شهادة ميلاد طفلتي وبسبب عدم إصدارها تم إرجاعنا إلى القطاع".
وبحسب الديري، فإنه حاول النجاة بحياته وصغيرته من حرب غزة، لكن توقف الإجراءات المتبعة لعملية تسجيل الولادات حالت دون مغادرته القطاع، ويخشى أن تتحول ابنته إلى ضحية قبل إصدار شهادة ميلادها.
ووفق الإجراءات المتبعة في غزة، فإن الأم فور ولادتها تحصل على إشعار يفيد بأنها أنجبت طفلاً، ثم بعد ذلك تتم إجراءات إصدار شهادة الميلاد، أي تسجيل بيانات الولادة لدى المؤسسة الحكومية، وفي الوضع الطبيعي العمليتان متزامنتان، لكن الحرب تسببت في عدم تطبيق الخطوتين.
لا مساعدات إنسانية
وكنتيجة لعدم تسجيل سهر لطفلتها المولودة حديثاً لم تحصل الأم على أي مساعدات إنسانية لصغيرتها، فتشرح أنها "حرمت من الحصول على المساعدات الخاصة بالمواليد نظراً إلى عدم إدراج ابنتي على بطاقة العائلة".
وتقول "أنا غير قادرة على توفير الحليب والحفاضات وحرمت من هذه المساعدات بسبب عدم إصدار شهادة ميلاد لطفلتي، هذا الإجراء كان يتم قبل الحرب في لحظات، لكن حالياً الأطفال يحرمون من الخدمات بسبب عدم توثيق الأسماء في السجلات الرسمية".
وبحسب المتحدث باسم وزارة الداخلية إياد البزم فإن عدم إصدار شهادات الميلاد الخاصة بالمواليد الجدد هو أحد التأثيرات السلبية للحرب، ويقول "القصف المركز الذي طاول المباني والمنشآت المدنية الحكومية، أفقدنا الوصول إلى المعلومات الخاصة بالمواطنين وتلقائياً أصبحنا عاجزين عن تسجيل الأطفال".
ويضيف أن "الحرب تسببت بتعطل السيرفرات الخاصة بالشق المدني ودمر الجيش الإسرائيلي عدداً من المقار الحكومية، إلى جانب التعطل شبه التام في خدمات الإنترنت، كل هذا أوقف إنجاز المعاملات الحكومية".