ملخص
استطلاعات الرأي الأخيرة تشير إلى أن بايدن بدأ في خسارة قاعدته التي كانت وراء نجاحه عام 2020 بفارق ضئيل في الولايات المتأرجحة
بعدما تأكد أن جو بايدن ودونالد ترمب سيتواجهان في أول انتخابات إعادة أميركية بين رئيس حالي ورئيس سابق منذ عام 1892، تظهر في الأفق علامات مشجعة للأخير ومقلقة لخصمه، فعلى عكس ما حدث عام 2020 عندما كان بايدن مفضلاً على ترمب طوال الحملة الانتخابية بأكملها يواجه طريقاً أكثر وعورة هذه المرة، بخاصة مع الناخبين السود واللاتينيين الذين يعتقدون أنهم استفادوا شخصياً من سياسات ترمب مقارنة بسياسات نظيره الحالي، فما الذي يعنيه ذلك، وما سبب هذا التحول؟
ساطعة كالشمس
إذا أجريت الانتخابات الرئاسية الأميركية اليوم، لكانت النتيجة محسومة للرئيس السابق دونالد ترمب، هذه حقيقة ساطعة كالشمس تعكسها جميع استطلاعات الرأي التي صدرت خلال الأسابيع القليلة الماضية وأجرتها صحيفة "نيويورك تايمز" مع كلية "سيينا"، و"سي بي أس نيوز" مع "يوغوف"، و"فوكس نيوز"، وصحيفة "وول ستريت جورنال"، وجميعها أعطت ترمب هامشاً يتراوح بين اثنتين وأربع نقاط مقارنة بخصمه.
وعلى رغم أن هذه النتائج تدخل رسمياً ضمن هامش الخطأ لاستطلاعات الرأي، لكنها مجتمعة ترسم صورة قاتمة لبايدن الذي يجد نفسه في وضع أسوأ ضد خصمه في الانتخابات العامة من أي رئيس حالي في البيت الأبيض على مدى الأعوام الـ75 الماضية، بخاصة أن الاستطلاعات الأخيرة تشير إلى أن بايدن بدأ في خسارة قاعدته التي كانت وراء نجاحه عام 2020 بفارق ضئيل في الولايات المتأرجحة.
وأظهر استطلاع أخير أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" وكلية "سيينا" أن دعم الأميركيين السود للرئيس السابق ارتفع إلى 23 في المئة، وأن ترمب يتقدم على بايدن بشكل مباشر بين الأميركيين ذوي الأصول اللاتينية (الذين ينتمون لدول أميركا اللاتينية) بنسبة 46 في المئة مقابل 40 في المئة لبايدن.
السود واللاتين
ولا يثير القلق نتائج الاستطلاعات للسود واللاتينيين على المستوى الوطني في الولايات المتحدة فحسب، بل في ولايات ما يسمى ساحة المعركة الرئيسة التي تحدد الفائز بأصوات المجمع الانتخابي (الهيئة الانتخابية).
في نوفمبر (تشرين الثاني) أصدرت "نيويورك تايمز" وكلية سيينا نتائج الاقتراع في ست من الولايات المتأرجحة وهي أريزونا وجورجيا وميشيغان ونيفادا وبنسلفانيا وويسكنسن، ووجدت أن 22 في المئة من السود سيصوتون لصالح ترمب إلى جانب 42 في المئة من ذوي الأصول اللاتينية.
ويعني هذا أنه إذا استمرت هذه التوجهات فستكون النتائج وخيمة على بايدن الذي شكلت أصوات السود واللاتينيين أساس نجاحه عام 2020، حيث فاز بايدن بأصوات السود بنسبة 92 في المئة مقابل ثمانية في المئة لترمب وفاز بأصوات ذوي الأصول اللاتينية بنسبة 59 في المئة مقابل 38 في المئة لترمب، وفقاً لمركز "بيو" للأبحاث.
العامل الاقتصادي
وبينما تبدو وسائل الإعلام والصحافة الليبرالية في الولايات المتحدة عاجزة عن فهم السبب وراء دعم غير البيض لترمب الذي تصفه دوماً بأنه يشجع على العنصرية ونشر نظريات المؤامرة حول شهادة ميلاد باراك أوباما، وشوه سمعة المواطنين المكسيكيين، وسخر من وزيرة النقل السابقة إيلين تشاو لكونها آسيوية، إلا أن الأمر لا يبدو بهذا التعقيد.
وتشير البيانات إلى أن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع من السود واللاتينيين يصنفون الظروف الاقتصادية الحالية على أنها سيئة، بينما يقول 26 في المئة من السود و37 في المئة من ذوي الأصول اللاتينية إنهم سيصوتون لصالح ترمب لأن سياساته أفادتهم شخصياً.
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، كان عشرات الملايين من ناخبي الطبقة العاملة وكثير منهم من السود واللاتينيين قبل وباء "كوفيد-19"، يتمتعون بمعدلات تضخم منخفضة، ومستويات بطالة متدنية، وارتفاع في الأجور، لكن بالنسبة إليهم، لا يقارن سجل بايدن بذلك، حيث نما الأجر الأسبوعي للأميركيين المنتمين إلى الشرائح الأقل دخلاً، الذين تشكل الأقليات حصة أكبر منهم، بمقدار 4.24 دولار لكل ربع سنة في السنوات الثلاث الأولى من رئاسة ترمب، مقارنة بمتوسط 88 سنتاً من نمو الأجر لكل ربع سنة في عهد باراك أوباما.
الصراع في الأقليات
وأدت هذه القوة التي أصبح ترمب يتمتع بها بين الأقليات من السود واللاتينيين ووصلت إلى مستوى لم يشهده أي مرشح رئاسي جمهوري منذ عقدين، إلى دفع الديمقراطيين إلى لعب دور دفاعي للحفاظ على الغالبية العظمى من الناخبين اللاتينيين الذين اعتمدوا عليهم للفوز في السنوات الأخيرة، مما يسلط الضوء على الحقيقة الصارخة لانتخابات عام 2024 وهي أنه لا يمكن لأي من الحزبين الفوز بالناخبين البيض وحدهم مع تحول الصراع على البيت الأبيض والكونغرس إلى الولايات ذات التنوع العرقي، حيث يحتاج كلا الحزبين إلى الاعتماد على تحالفات تشمل الناخبين السود والآسيويين واللاتينيين.
ويعود سبب هذه الأهمية المتزايدة إلى أن الناخبين اللاتينيين وحدهم يشكلون ما يقدر بنحو 15 في المئة من إجمالي الناخبين المؤهلين للتصويت هذا العام، ويشكلون 33 في المئة من الناخبين المؤهلين في كاليفورنيا، حيث تستعد عديد من المناطق المتأرجحة لتحديد السيطرة على مجلس النواب، وهو ما يتكرر في ولايتي أريزونا ونيفادا المتأرجحتين، حيث يشكل اللاتينيون ما يقارب واحداً من كل أربعة ناخبين مؤهلين، مما يجعلهم في وضع يمكنهم من ترجيح ميزان القوى في كل من الرئاسة ومجلس الشيوخ.
وإذا كان الرئيس بايدن اعتمد بصورة كبيرة على هذه الأقليات العرقية في انتصاراته على ترمب عام 2020 في أريزونا وجورجيا ونيفادا، فإن المعركة الكبرى تدور بين الحزبين هذا العام في نفس هذه الولايات، إذ يستثمر الحزبان بكثافة لإقناع الأعداد الكبيرة من الناخبين اللاتينيين بالتصويت لهم.
وعلى صعيد الولايات المتحدة ككل، لا يستطيع أي مرشح أن يتجاهل النمو الهائل للناخبين اللاتينيين خلال السنوات الـ20 الماضية، حيث يقدر أن 36 مليون لاتيني مؤهلون للتصويت هذا العام، بزيادة قدرها نحو أربعة ملايين عن عام 2020 وأكثر من الضعف مقارنة بعام 2008.
أسباب التحول
على رغم ميول اللاتينيين للتصويت للديمقراطيين بنسبة أكبر، فإن عديداً منهم كان لديه ولاء ضعيف للحزبين، ففي عام 2004 على سبيل المثال، انتخب أربعة من كل 10 ناخبين لاتينيين جورج دبليو بوش، وهو أكبر دعم مسجل من اللاتينيين لمرشح رئاسي جمهوري، لكن بعد أربع سنوات فقط، تضاعفت نسبة التأييد للديمقراطيين، حيث اختار ما يقارب 70 في المئة من الناخبين اللاتينيين عام 2008 باراك أوباما على السيناتور الجمهوري جون ماكين، وفي عام 2012 و2016 حصل كل من المرشحين الجمهوريين مت رومني ودونالد ترمب على 29 في المئة من أصوات اللاتينيين في الانتخابات الرئاسية، لكن هذه الحصة ارتفعت إلى 37 في المئة عام 2020 قبل أن يتراجع دعم اللاتينيين للجمهوريين في الانتخابات النصفية عام 2022.
غير أنه منذ عام 2020، زاد الجمهوريون من تواصلهم مع اللاتينيين واجتذبوا مزيداً من المرشحين، بخاصة في أجزاء من فلوريدا وتكساس ونيو مكسيكو، وتواصلوا مع الناخبين باللغة الإسبانية بشكل متكرر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وعلى رغم أن ترمب أطلق العنان لخطابات تحريضية حول المهاجرين، بمن في ذلك مهاجرو أميركا اللاتينية، وقوله الشهير بأنهم "يسممون دماء بلادنا" ووعوده بسياسات صارمة من عمليات الترحيل الجماعي إذا وصل إلى البيت الأبيض، إلا أن الاستطلاعات كشفت عن أن عديداً من الناخبين اللاتينيين لا يعتبرون أنفسهم هدفاً لتعليقات ترمب، وغالباً ما يقولون إنهم يرحبون بحديثه عن حملة القمع على الحدود ويرون أنه يساعد أصحاب الأعمال والاقتصاد.
الاستياء من بايدن
وفي حين تظهر بعض الاستطلاعات أن آراء الناخبين اللاتينيين في شأن الحزب الديمقراطي ما زالت إيجابية وأن ما يقارب 80 في المئة منهم يعتقدون أن الحزب الديمقراطي يهتم بهم، ويسعى لكسب أصواتهم بحسب استطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، فإن التحول بين الناخبين اللاتينيين يبدو أنه يتعلق بعدم الرضا عن بايدن بقدر ما يتعلق بحماسهم لترمب.
ويعود ذلك جزئياً إلى أن الناخبين اللاتينيين الشباب يبتعدون مثل غيرهم من الناخبين الشباب عن الرئيس بايدن بسبب إحباطاتهم في شأن الاقتصاد والحرب في غزة، مما يثير قلق بعض الاستراتيجيين الديمقراطيين الذين يعتمدون على إثارة حقوق الإجهاض لتكون قضية مركزية لدى الناخبين هذا الخريف.
مشكلة الأجيال
إضافة إلى ذلك، يواجه بايدن مشكلات حقيقية مع الناخبين السود الشباب الذين ينتمون لأجيال ولدت بعد النضال من أجل الحقوق المدنية، وبالنسبة لهؤلاء فإن الارتباطات القديمة للسود بالحزب الديمقراطي بدأت تتلاشى، حيث تظهر استطلاعات الرأي تحولاً طفيفاً نحو الحزب الجمهوري بين الناخبين السود الشباب، وفي دائرة انتخابية كانت ديمقراطية بالكامل تقريباً لمدة 60 عاماً، فإن بضع نقاط يخسرها المرشحون الديمقراطيون يمكن أن تكون مميتة.
ولهذا فإن التأرجح بأربع نقاط مع الناخبين السود يمكن أن يقرر مصير بايدن والديمقراطيين في ولايات متأرجحة مثل بنسلفانيا وجورجيا وميشيغان ونورث كارولينا وويسكنسن، كما أن بعض التحول مع الناخبين السود هو أيضاً انعكاس للتاريخ الحديث، حيث كان من المألوف أن يحصل المرشحون الجمهوريون لعدة عقود على دعم لا يقل عن 10 في المئة من السود.
وتظهر الأبحاث أيضاً أنه بالنسبة إلى اللاتينيين، فإن الأمر يختلف عام 2024 عما كانت عليها الحال في بداية هذا القرن، حيث يشعر الناخبون اللاتينيون بأنهم أقل انتماء إلى طبقة منفصلة ويرون أنفسهم بشكل أكبر كجزء من الشخصية الوطنية الأميركية الدائمة.
ويتضاعف هذا الأمر بالنسبة إلى العدد المتزايد من الأميركيين من أصول آسيوية وجنوب آسيوية على رغم ما يذكره التاريخ عن انتهاكات مروعة تعرض لها الأميركيون الآسيويون في الماضي، لكن قصة الأميركيين الآسيويين الآن مختلفة تماماً عن قصص أهوال العبودية والتمييز التي امتدت لأجيال متعددة.
نفس عميق للمحافظين
ومع كل هذا، يمكن للمحافظين والجمهوريين أن يستنشقوا نفساً عميقاً يشعرهم بالارتياح نسبياً بعد أن ظلت سياستهم العامة تتعلق بالخوف من التغير الديموغرافي السريع في الولايات المتحدة، الذي يمكن أن يجعلهم أقلية دائمة بما يؤثر في المسائل السياسية الرئيسة، ولهذا لم يعد أمام اليمين بديل سوى التكيف مع المشهد الديموغرافي والثقافي المتغير في أميركا من دون التنازل عن كل ما يعتز به المحافظون الذين نفذوا ثورة في سياسة الإجهاض، وأصبحوا أكثر يمينية في ما يتعلق بالهجرة.
وإذا كانت الديموغرافيا ليست الهلاك في أميركا، فإن أداء ترمب والجمهوريين سيكون على ما يرام، وإن كان الحزب سيحتاج إلى إجراء بعض التعديلات حتى يتمكن من الازدهار في بلاد متعددة الأعراق.