Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران تخوض حرب الملاحة الدولية

مناوراتها البحرية مع روسيا والصين أرفقتها بتهديد الحوثي لرأس الرجاء الصالح

إدخال إسرائيل في المعادلة لا يخرج عن المنطق الإيراني في استعمال القضية الفلسطينية من أجل تبرير توسيع نفوذها الإقليمي (أ ف ب)

ملخص

يستحيل، في النهاية أن تستمر الحال على ما هي عليه، فلا الأساطيل الأميركية يمكنها الاستمرار في مراقبة لعبة إطلاق الصواريخ الحوثية، ولا الاقتصاد العالمي بقادر على مراقبة الأضرار الفادحة التي تلحق به.

منذ أن بدأت جماعة الحوثي هجماتها على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن لم تتوقف التحليلات الإيرانية، وأحياناً الروسية، عن البعد الدولي لهذه الهجمات، باعتبارها مدخلاً إلى تغيير واقع السيطرة الأميركية والغربية على البحار والمحيطات.

واتخذت هذه التحليلات، الإيرانية خصوصاً، منحى ملموساً مع الدورة السنوية الخامسة للمناورات البحرية الإيرانية- الروسية- الصينية في بحر عمان، والتي اختتمت يوم الجمعة الماضي، فقد ترافقت هذه المناورات مع تصعيد حوثي غير مسبوق، وصل إلى حد تهديد زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي بمهاجمة السفن التي تعبر المحيط الهندي باتجاه رأس الرجاء الصالح، وليس الاكتفاء فقط بالإغارة على تلك التي تعبر باب المندب باتجاه البحر الأحمر، وهو ما يشكل ترجمة ملموسة لرغبة نظام الملالي في طهران بلعب دور في المياه الدولية يتحدى وقائع النفوذ التقليدي للدول المعنية والقوانين التي تحكم الملاحة البحرية الدولية.

الإعلان الحوثي عن مهاجمة السفن المتوجهة من المحيط الهندي إلى جنوب أفريقيا هرباً من باب المندب، جاء في الوقت الذي كانت فيه فعاليات المناورة الإيرانية- الروسية - الصينية مستمرة "بهدف تعزيز الأمن البحري في المنطقة، وإظهار قدرات الدول الثلاث على صيانة السلم العالمي والأمن البحري، وتعزيز أمن التجارة البحرية الدولية ومواجهة القرصنة والإرهاب البحري" بحسب ما جاء في الإعلان الإيراني الرسمي عن أهداف التظاهرة الحربية البحرية، بعد أن اتفق منظموها على رفع شعار لها: معاً من أجل الأمن والسلام.

بدا تهديد الحوثي، الذراع البارزة لإيران، نقيضاً للأهداف المعلنة للمناورات، ونسفاً لصدقية هذه الأهداف، أقله في ما يتعلق بالجانب الإيراني، الذي ظهر كمن يستغل مشاركة الصين وروسيا ليشن حربه الخاصة على الملاحة الدولية، ولتأكيد نظريته حول المدى البحري الحيوي لإيران الإمبراطورية، مستنداً في ذلك إلى أذرع مطواعة، وإلى شبكة علاقات دولية لها موقعها ومصلحتها في الصراع العالمي الدائر بين شرق وغرب.

جاءت تهديدات الحوثي، في وقت نظمت طهران اجتماعاً في بيروت بين ثلاث منظمات فلسطينية (حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية) والحركة الحوثية، وبمشاركة "حزب الله" اللبناني الذي كان حاضراً من دون إعلان، وذلك لبحث" الترتيبات اللازمة لنصرة الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة، مع احتمال التوتر في رمضان والتحضير لمعركة محتملة في رفح".

ومن نتائج الاجتماع المذكور يستفاد أن إيران تعتمد الحوثي عنصراً أساسياً في استراتيجية تهديد الملاحة، تحت عنوان التضامن مع غزة، لم تعط إيران أولوية الآن لدور يلعبه "حزب الله"، قوتها الأساسية المفترضة، إذ يبدو أنها تريد الاحتفاظ بقدراته الأساسية إلى المعركة الفاصلة التي يمكن أن تخاض ضدها. وهي إذ تجعل من "معركة البحار" هدفها الأبرز، تقدم الحوثي إلى الواجهة، ضمن سياسة أشمل من معركة غزة هدفها تثبيت توسعها الإقليمي بما في ذلك، في البحار والمحيطات، سعياً إلى موقع تفاوضي أقوى عندما يحين موعد التفاوض، وليست أولوية البحار وتهديد السفن أمراً جديداً، أو نتاج صدفة، ولا هي مجرد تضامن مزعوم مع غزة.

قبل أسابيع، وفي معرض ترحيبه بعمليات الحوثيين، هدد مسؤول في "الحرس الثوري" بإقفال البحر المتوسط وصولاً إلى جبل طارق.

ويوم انطلاق المناورات الثلاثية في بحر عمان أكد اللواء يحيى صفوي المستشار الأعلى للمرشد علي خامنئي على ضرورة "زيادة عمق إيران الاستراتيجي إلى خمسة آلاف كيلومتر"، معتبراً أن "عمق دفاعنا الآن هو البحر المتوسط، وهذا البحر مع البحر الأحمر نقطتان استراتيجيتان، يجب أن تركز عليهما القوات البحرية والجوية للحرس الثوري".

ولم يخف صفوي أن الأذرع الإيرانية هي التي تقوم بالعمل الذي تحاول طهران استثماره لاحقاً. هو يعترف أن خامنئي "عزز جبهة المقاومة خلال هذه الأعوام الـ 34 (منذ خلف الخميني)، واستخدم قاسم سليماني قدرات الحرس الثوري في هذا الاتجاه"، ولذلك "ترون اليوم كيف أذل اليمنيون الأميركيين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عندما يستقبل الإيرانيون الروس والصينيين في مناورة بحرية مشتركة سيروون لهم ذلك ويقولون لخصمي الولايات المتحدة الأميركية: انظروا لقد أذلينا أميركا عدوتكم من دون أن نتدخل، بل إن هؤلاء اليمنيين الحفاة هم من قاموا بالمهمة. تأمل إيران، إضافة إلى تحدي الغرب بمزيد من الدعم والتعاطف من دولتين كبيرتين في سياق مواجهتها ومفاوضتها لـ"الشيطان الأكبر".

والأرجح أن هذا ما أرادته طهران من المناورات وما تريده من هجمات الحوثي. في إعلامها وكتابات محلليها اعتبرت أن المناورات "هي رسالة إلى الولايات المتحدة ورمز لاقتدار إيران، في ظروف حساسة للغاية في غرب آسيا".

وبحسب صحيفة "خراسان" الأصولية فـ"إن تشكيل تحالف يضم إيران وروسيا والصين بالقرب من باب المندب والبحر الأحمر يمكن أن يحمل رسالة إلى الغرب مفادها بأن تخفيض الدعم إلى إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى استقرار الأمن".

إدخال إسرائيل في المعادلة لا يخرج عن المنطق الإيراني في استعمال القضية الفلسطينية من أجل تبرير توسيع نفوذها الإقليمي لفرض تقاسم دولي جديد يعترف لبلاد فارس بحصة وازنة من النفوذ، والموضوع الفلسطيني نقطة ارتكاز لن تجد إيران بديلاً عنها، في منطقة تعتبر القدس وفلسطين من المقدسات، فيما تمضي إيران نحو مشروعها الأصلي في جعل النظام الخميني قوة إقليمية، بل ودولية، عظمى، على حطام فلسطين وشعبها.

جعلت طهران من هجمات وتهديدات الحوثي جزءاً من مناوراتها الثلاثية، لتقول إنها تتحكم بثلاثة ممرات بحرية دولية أساسية من أصل خمسة: هرمز وباب المندب وقناة السويس (يبقى مضيقا جبل طارق وملقه)! وهذه على ما يبدو رسالتها التي تحاول إشراك الصين وروسيا فيها، للقول إن لا بريطانيا ولا أميركا تمتلكان لقب "سيدة البحار".

والحال أن السلوك الغربي في البحر الأحمر تجاه الحوثيين والإيرانيين يبدو مهادناً أكثر مما هو استجابة في حجم التحديات، فأميركا تفاوض الإيرانيين في مسقط من أجل الضغط على الحوثي، وأساطيلها وسفن حلفائها الأوروبيين عرضة للاستهداف في خليج عدن، وهؤلاء الأوروبيون يهرعون بدورهم إلى مسقط والدوحة للبحث مع مندوبي إيران في ملفها النووي.

لقد وجهت غارات الحوثي بقيادة إيران وتوجيهاتها ضربة للتجارة الدولية التي تقول المناورات الثلاثية أنها تحميها، ووجهت ضربة إلى اقتصادات العالم العربي خصوصاً مصر.

يستحيل، في النهاية أن تستمر الحال على ما هي عليه، فلا الأساطيل الأميركية يمكنها الاستمرار في مراقبة لعبة إطلاق الصواريخ الحوثية، ولا الاقتصاد العالمي بقادر على مراقبة الأضرار الفادحة التي تلحق به، صحيح أن معادلة صراعات النفوذ هي التي تتحكم بالقرارات المحتملة، إلا أن هذه القرارات لا يمكن تأجيلها إلى الأبد.

في هذا السياق يجدر التوقف عند تحليل للكاتب الروسي ألكسندر نازاروف يرى فيه أن "الغرب سيضطر للاختيار بين روسيا (بسبب أوكرانيا) وإيران كهدف ذي أولوية، وهو ما يؤجل الصدام مع الصين، ومن المرجح أن تكون الحرب الكبرى الأولى في الشرق الأوسط" وضد إيران، على ما يقول الكاتب الروسي شبه الرسمي.

المزيد من آراء