Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نساء هنديات يخترن استئصال الرحم بسبب حدة أزمة المناخ

في غرب الهند تجبر النساء على اتخاذ خيار يدمي قلوبهن [تحذير: تحتوي هذه المقالة على مواضيع ذات طبيعة مؤلمة وحساسة]

امرأة تحمل غالونين مملوءين بمياه الشرب في ولاية ماهاراشترا. يجبر الجفاف المتكرر في المنطقة الناس على ترك مزارعهم والعمل بموجب عقود غير عادلة (أ ف ب - غيتي)

ملخص

النساء الهنديات مضطرات إلى استئصال الرحم للعمل في أشغال مضنية بهدف كسب القوت اليومي.

في الـ45 من عمرها تجني جاياشري أوال، من ولاية ماهاراشترا غرب الهند، لقمة عيشها من العمل في قطع قصب السكر، وقد اتخذت قراراً مصيرياً عندما صار الحيض يتسبب لها بتقلصات موجعة لا تحتمل.

"زرت طبيب أمراض نسائية في مدينة بيد الهندية"، تقول أوال، مضيفة "طلب مني أن أمتنع عن رفع الحزم الثقيلة من قصب السكر، ولكن هذا العمل يشكل مصدر الدخل الوحيد لنا".

"بناءً عليه، ارتأيت أن أخضع لجراحة استئصال الرحم، علني أتخلص من الأوجاع والنزف التي أمر بها كل شهر"، تضيف أوال.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أوال واحدة من مئات النساء في منطقة بيد الهندية اللاتي اضطررن إلى أن يأخذن في حق أنفسهن قراراً يفوق التصور: استئصال أرحامهن التي تقف عقبة أمام كسب أجر يومي من عمل شاق كعاملات في حقول قصب السكر.

ولكن ليس استئصال الرحم المعاناة المروعة الوحيدة التي ذاقتها هذه النساء. مجبرة، اصطحبت أمهات حديثات أطفالهن إلى حقول القصب، ففقدن فلذات أكبادهن في حوادث مميتة.

مدينة بيد واحدة من بين المناطق التي خلف فيها الجفاف أسوأ الأضرار في الهند. وقد تفاقمت هذه الأحوال سوءاً بسبب تراجع هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة، نتيجة أزمة المناخ العالمية. وعانت المنطقة القحط في أربع سنوات منفصلة بين عامي 2010 و2019، وفق ما ورد في بيانات حكومية.

ونتيجة هذه الأحوال تدمرت الزراعة المحلية، فصار الدخل من المزارع لا يسمن ولا يغني من جوع بالنسبة إلى معظم سكان بيد. وطوال ثمانية أشهر من كل عام، تتوقف الزراعة تماماً في المنطقة بسبب غياب الأمطار.

هكذا، تركت نساء كثيرات منازلهن مكرهات وانتقلن إلى منطقة كولهابور، على بعد أكثر من 240 ميلاً (400 كيلومتر)، كي يعملن في قطاع قصب السكر الذي يتطلب جهداً بدنياً مضنياً. ويغادر أكثر من 1.5 مليون عامل من ولاية ماهاراشترا إلى حقول قصب السكر كل سنة، وفق بيانات صادرة عن الحكومة الهندية.

وعلى رغم أن النساء يشكلن 63 في المئة من القوى العاملة الزراعية في الهند، تجد أنهن ما زلن غير مرئيات ومهمشات إلى حد كبير داخل هذا القطاع، إذ يمتلك 12 في المئة منهن فقط أراضي زراعية.

وفي عالم العمل في الحقول المجبول بالقسوة، جعلت العقود الاستغلالية الظروف موحشة أكثر، خصوصاً بالنسبة إلى أجساد النساء.

يتضمن العمل مناوبات شاقة من العمل تراوح مدتها بين 12 و16 ساعة تتولاها مجموعات مكونة من الزوج والزوجة، تعرف باسم "جوديس" Jodis أي ثنائيات ("جودي" Jodi للمجموعة الواحدة)، ويعينها بصورة غير رسمية مقاولو العمل المحليون، أو ما يسمى "موكادامس" Mukkadams. في العادة، يقطع الرجال قصب السكر بينما تربط النساء هذا المحصول على شكل حزم وتكدسها فوق بعضها بعضاً. إزاء هذه المهمة، تجد نفسها مضطرة إلى الانحناء لساعات من الوقت، وحمل حزم القصب الثقيلة، والمشي بها لأميال، وتسلقها على ارتفاعات محفوفة بالأخطار.

تمتلك أوال وزوجها أسارام أربعة أفدنة من الأراضي البعل على مشارف قرية كاثاوادا في منطقة بيد. ولكن منذ الجفاف الشديد الذي ضرب المنطقة في عام 2016، لم تمن عليهم السماء بمياه للشرب أو الزراعة.

انتقل الزوجان إلى كولهابور للعمل في قصب السكر. على أوال أن تربط القصب المقطوع في حزم وتحمله على رأسها إلى نقطة التجميع ثم رفعه إلى الجرارات الزراعية.

"الحزم التي أشيلها في كل مرة تزن نحو 50 كيلوغراماً (110 أرطال)"، تقول أوهال، و"أقوم بنحو 100 مشوار من هذا النوع كل يوم حاملة الحزم إلى الجرار الزراعي".

تثقل طبيعة العمل المتطلبة كاهل النساء، خصوصاً خلال فترات الحيض.

"بدأت أنزف بشدة أثناء حمل الحزم في عام 2017. ومنذ ذلك الحين، كل شهر، يزداد النزف حدة. أصبح النزف هذا روتينياً"، تقول أوال.

أما عدم الحصول على الفوط الصحية المناسبة فيزيد الطين بلة. هكذا، تلجأ النساء إلى استخدام "تشمبال" Chumbal، علماً أنها قطعة قماش غير نظيفة تستخدم لحمل حزم القصب على الرأس. تتجمع في هذه القطعة من القماش مبيدات حشرية ومواد كيماوية ونثرات قصب السكر البالغة الصغر، لذا تبقى حلاً موقتاً غير مناسب ومؤلماً أثناء فترة الحيض.

كابدت أوال ألماً شديداً، كما تقول، ولكنها أيضاً شعرت بإحراج عندما تلطخ ساريها بالدماء في فترات الحيض خلال العمل في الحقول.

"كانت تشنجات الحيض تمزق بطني. ولكن زوجي لم يعر هذه المشكلة أي اهتمام. قال إنها مسألة تخص النساء"، أضافت أوال.

العجز عن العمل يعني خسارة الأجر اليومي، إضافة إلى غرامة مالية يعجز عن سدادها معظم العمال ممن يقاسون الحال نفسها مثل أوال.

طالما عرفت مدينة بيد بتسجيلها عدداً ضخماً من جراحات استئصال الرحم. وكشف مسح حكومي في عام 2018 عن أن 36 في المئة من النساء في المنطقة خضعن لهذه الجراحة.

الآن، وجد بحث صدر الأسبوع الجاري عن "المعهد الدولي للبيئة والتنمية" (اختصاراً IIED) علاقة مباشرة بين تأثيرات تغير المناخ من جهة، وعدد النساء اللاتي يخضعن لجراحة استئصال الرحم من جهة أخرى.

قالت نحو 253 أسرة من أصل 423 أسرة من مدينة بيد شملها الاستطلاع، إنهم كانوا مجبرين على النزوح كي يعملوا في قطاع قصب السكر. وذكرت غالبية هذه الأسر أن السبب وراء هذا التحول في حياتها الجفاف المتكرر وتلف المحاصيل في منطقتهم.

ومن بين الأسر التي نزحت من منطقتها، خضع أكثر من نصف النساء (تحديداً 55 في المئة) لجراحة استئصال الرحم، مقارنة مع أقل من الخمس من الأسر التي بقيت في "بيد" (تحديداً 17 في المئة).

وفي تصريح أدلت به إلى صحيفة "اندبندنت" في هذا الشأن، قالت ريتو بهاردواج، علماً أنها باحثة رئيسة في "المعهد الدولي للبيئة والتنمية" إنه "في منطقة بيد، تواجه الأسر خياراً صعباً للبقاء على قيد الحياة بسبب الجفاف المتكرر وندرة المياه وتلف المحاصيل ودوامة الديون اللامنتهية التي تتركهم مثقلين بأعباء مهلكة".

وأضافت بهاردواج أنه إلى جانب الصعوبات الاقتصادية، تقصم ظهورهن عواقب شخصية كبيرة، "من بينها خسارة الصحة والعافية بسبب العمل القسري في ظروف سيئة صعبة والأضرار العقلية والنفسية التي يخلفها الخضوع لجراحات مثل استئصال الرحم".

باحثو "المعهد الدولي للبيئة والتنمية" علموا من بعض النساء أنهن كن ما زلن في سن الإنجاب عندما خضعن لهذه الجراحة. "لقد أنجبت مولودي الثاني في حقل قصب السكر"، قالت لاتا واغمير، التي تبلغ من العمر 34 سنة، لباحثي المعهد الذين أمضوا أياماً في جمع قصص تلك العاملات في كولهابور.

تقول واغمير "اعتراني خوف شديد من أخذ إجازة بعد الولادة بسبب رسوم ’الإجازة‘ التي يجب دفعها"، في إشارة إلى عقوبة التغيب عن العمل ليوم واحد، والتي تراوح ما بين 500 و1000 روبية هندية (ما يساوي 5 إلى 10 جنيهات استرلينية).

"لقد عدت إلى العمل بعد مرور خمسة أيام من الولادة"، تضيف واغمار.

تقول بهاردواج إن العقوبات المفروضة على التغيب عن العمل أو حتى فترات الراحة في المرحاض تساوي غالباً "ضعفي إلى أربعة أضعاف ما يكسبونه من العمل لمدة 12 إلى 16 ساعة يومياً".

ومن أجل إطعام طفلها حديث الولادة، وجدت واغمير نفسها أمام قرار مؤلم يقضي بإحضار طفلتها معها إلى الحقل.

"بينما كنت أحمل حزم القصب، أبقيتها على الأرض في إحدى الزوايا. دهس الجرار طفلتي. لقد فقدت صغيرتي"، قالت الأم المكلومة.

وعلى رغم الخسارة المدمرة والمؤلمة التي تركها في نفسها موت طفلتها، لم يكن لدى واغمير وقت للحداد. وتقول إن التهديد المتمثل بفرض عقوبات مالية أجبرها على العودة إلى العمل في اليوم التالي. وفي وقت لاحق، قررت استئصال رحمها.

ولكن مع ذلك، حتى بعد اتخاذ القرار المؤلم بالخضوع لجراحة استئصال الرحم، لا يضع هذا الإجراء الطبي حداً لمعاناة كثير من النساء.

للأسف، كثير من النساء يجهلن الآثار الجانبية المحتملة للجراحات أو الرعاية الصحية التي لا بد أن تتبعها، لذا يرجعن بسرعة إلى رفع حزم القصب الثقيلة مرة أخرى.

"لم أكن أعلم آنذاك أن هذه كانت في الواقع فاتحة أزمات صحية عدة ستقض مضجعي"، تقول أوال التي تعاني الآن أوجاعاً شديدة في الظهر وألماً في الساق، وتعتمد على مسكنات الألم اليومية كي تواصل عملها. وللأسف، تواجه نساء كثيرات هذه الحال القاسية، وفق كلامها.

"أتمنى لو أنني فارقت الحياة أثناء الخضوع لجراحة استئصال الرحم"، تقول سومان أوال البالغة من العمر 42 سنة، والتي تعمل في قطاع قصب السكر والآتية من المجتمع المهمش نفسه شأن غيرها من النساء. "إن الحياة بعد الجراحة بائسة"، تضيف بحسرة.

"أتعرق كثيراً في الحقل. لا تفارقني الأوجاع في ظهري وساقي. أشعر بضعف شديد. وأشعر بالدوار وأنا أحمل حزم القصب."

توضح بهاردواج أن استئصال الرحم يؤذي الصحة العقلية والنفسية لدى المرأة. وتقول إن "النساء اللاتي خسرن أرحامهن يكابدن الشعور بعدم القيمة، والعزلة، وتراودهن أفكار انتحارية".

كذلك يضطر العمال في حقول السكر إلى العيش في ظروف يرثى لها، مع تعذر الحصول على مسكن أو مراحيض نظيفة.

"السقائف الموقتة التي نقطنها مصنوعة من القماش. إنها ضيقة جداً إلى حد أننا إذا استلقينا على الأرض، يبقى نصف أرجلنا خارج الخيام"، تقول دواركاباي واغمار ذات الـ40 سنة التي تعمل في حقول قصب السكر ولديها ثمانية أطفال.

وأخبرت واغمار "المعهد الدولي للبيئة والتنمية" أن "النساء تستيقظ عند الساعة الثانية أو الثالثة ليلاً تقريباً ويستحممن تحت الظلام في أحد جوانب الحقل كي لا يرانا أحد".

وقسوة الظروف لا تتوقف عند حقول قصب السكر فحسب. تخسر العائلات المنافع التي تقدمها البرامج الحكومية بسبب النزوح القسري وعقبات البيروقراطية.

تصدر الحكومة الهندية بطاقات تموينية لشراء المواد الغذائية بأسعار مدعومة، ولكن ليس معمولاً في هذه البطاقات سوى في المناطق التي يتحدر منها السكان أساساً. بناء عليه، فإن الأزواج الذين يجبرون على مغادرة مناطقهم يخسرون هذه المساعدة.

"يمضي نصف العام من دون أن نستفيد من حصتنا. ما النفع من هذه البطاقة التموينية إذاً؟ تسأل سومار أوال امرأة أخرى تعمل في قطع قصب السكر. دفعت السيدة أوال 25 ألف روبية هندية كي تستأصل الرحم، وما زالت تدفع مزيداً من النقود حتى الآن على العلاج في مرحلة ما بعد الجراحة.

ونظراً إلى أنهم عمال وافدون في مدينة كولهابور [في ولاية ماهاراشترا الهندية]، من غير المسموح لأسرتها أن تحصل على أي إعانات أو مسكن بواسطة بطاقة "تحت خط الفقر" (اختصاراً BPL)، إضافة إلى أن السيدة أوال غير مؤهلة للدخول في برنامج الحكومة الذي يضمن الحصول على فرص عمل.

وتقول السيدة بهاردواج إنه لا بد من التعامل مع الحوادث الأليمة التي تمر بها النساء العاملات في قطع قصب السكر بوصفها واحدة من عواقب أزمة المناخ.

وإذ أشارت إلى "صندوق الخسائر والأضرار" (loss and damage fund)، الذي أعلن عن إنشائه في مؤتمر الأمم المتحدة العالمي من أجل المناخ "كوب 27" (Cop27) لعام 2022 في سبيل تعويض الناس [في الدول النامية الأكثر تضرراً من تغير المناخ] عن الخسارات التي يتعذر إصلاحها الناجمة عن تأثيرات المناخ، أضافت بهاردواج أنه لا بد من استخدامه أيضاً للتعويض على تلك النساء الخسائر التي يمنين بها".

"عندما نتحدث عن الخسائر التي يتكبدها الناس بفعل تغير المناخ والأضرار الناجمة عنه، فإنها لا تقتصر على شقق غمرتها الفيضانات في نيويورك، أو تلال محروقة في اليونان" تقول بهاردواج، مضيفة "أن صور المعاناة التي تتخبط بها تلك النساء يتسبب بها أيضاً تغير المناخ الذي دمر سبل عيشهن"، وأن "بعض ما فقدنه، كرامتهن والصحة الجيدة، وأرواحهن أحياناً، أصعب من أن نقيس حجمه".

في رأي بهاردواج، لا بد من توظيف الأموال للاستثمار في تدابير تحقق الحماية الاجتماعية وتعزز الوصول إلى الرعاية الصحية، مع إدخال أساليب تأخذ الفوارق بين الجنسين في عين الاعتبار".

وتقول بهاردواج إن "إعطاء الأولوية للمجتمعات الأكثر ضعفاً في التحويلات النقدية أو المنافع المباشرة، بما في ذلك الاستفادة من التكنولوجيا و"الشمول المالي" [بمعنى تعميم الخدمات المالية المصرفية لتشمل ذوي الدخل المنخفض باستخدام وسائل سهلة مثل الهاتف المحمول]، يسمح للصندوق بأن يضمن وصول الدعم السريع إلى الفئات المحتاجة".

إذا كنت تكابدين مشاعر ضيق، أو تصارعين من أجل التأقلم، يمكنك التحدث إلى المؤسسة الخيرية "ساماريتانز" Samaritans، في إطار من السرية، على الرقم 116 123 (المملكة المتحدة وجمهورية إيرلندا)، أو إرسال بريد إلكتروني إلى [email protected]، أو زيارة الموقع الإلكتروني "ساماريتانز" للعثور على تفاصيل عن الفرع الأقرب إليك.

إذا كنت مقيمة في الولايات الأميركية المتحدة، وتحتاجين الآن أنت أو أي من معارفك إلى مساعدة متعلقة بالصحة العقلية والنفسية، اتصلي بخط المساعدة الوطني لمنع الانتحار 1-800-273-TALK (8255). خط المساعدة خط اتصال مباشر للأزمات مجاني ويتوخى السرية، فضلاً عن أنه متاح أمام الجميع على مدى 24 ساعة في اليوم، وسبعة أيام في الأسبوع.

إذا كنت تعيشين في بلد آخر غير الولايات المتحدة، يمكنك الدخول إلى الموقع الإلكتروني www.befrienders.org للعثور على خط مساعدة على مقربة منك.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير