ملخص
تتعلق أبرز مشكلات الإرث في فرنسا بالتعقيدات القانونية والإدارية، والرسوم العالية عند التوريث، والنزاعات بين الورثة
موضوع الإرث والملكية في فرنسا يستحوذ على اهتمام الفرنسيين والأجانب المقيمين في البلاد على حد سواء، لجهة الأحقية والشروط القانونية.
هذا الغموض وعدم الإدراك الكافي بحقوق أصحاب الملكية أو العقارات يفتح الباب أمام عديد من التساؤلات بخصوص قدرة الأجانب على التملك والتعامل مع الضرائب.
حق الملكية في فرنسا
عد الحق في الملكية في النصوص القانونية الفرنسية مكتسباً مهماً ومحمياً جيداً. يتم تعريف الملكية كحق قانوني يمنح للشخص القدرة على استخدام والتحكم في العقار أو الممتلكات والتصرف فيها وفقاً للقوانين المعمول بها. وتشير المادتان 17 و2 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر بتاريخ الـ26 من أغسطس (آب) 1789، إلى أهمية الملكية كحق لا يمكن انتهاكه إلا في حالات معينة متعلقة بمسائل عامة، مع توفير تعويض عادل ومسبق للمتضررين.
حقوق الملكية للمواطنين الفرنسيين محمية بموجب مجموعة قوانين وتشريعات تكفل حقوقهم الأساسية في مجال الملكية. في فرنسا، تعتبر الملكية "حقاً مقدساً وغير قابل للاعتداء"، وتحظى بحماية قانونية. يحق للمواطنين الفرنسيين امتلاك العقارات والأراضي والممتلكات الشخصية والشركات، ويمكنهم استخدامها وبيعها أو نقلها إلى ورثتهم وفقاً لرغباتهم. إضافة إلى ذلك، توفر القوانين الفرنسية حماية لأصحاب الملكية ضد أي انتهاك لملكيتهم، سواء من قبل أطراف ثالثة أو من قبل الدولة أو كيانات أخرى. ومع ذلك، قد تخضع هذه الحقوق لبعض القيود أو التنظيمات بناءً على المصلحة العامة أو الضرورة، لكن بصورة عامة، يتمتع المواطنون الفرنسيون بحماية قانونية قوية لحقوقهم في الملكية.
وفي لقاء مع المحامي الفرنسي جاك كابلان لتوضيح موضوع حق ملكية الأجانب للعقارات في فرنسا، رد قائلاً "نعم، الأجانب المقيمون في فرنسا لهم حق ملكية العقارات، ويمتلكون هذا الحق بالطريقة نفسها التي يمتلك بها المواطنون الفرنسيون. عموماً، يعترف بحقوق الملكية من دون تمييز بين الجنسيات. ومع ذلك، ينبغي الإشارة إلى أن بعض البلدان تفرض قيوداً خاصة على ملكية العقارات من قبل الأجانب، بما في ذلك العقارات".
بالنسبة إلى تصاريح الإقامة، يضيف كابلان "القانون لا يمنح تلقائياً حق الإقامة للأجانب الذين يمتلكون عقارات في فرنسا. ومن ثم فإن امتلاك منزل في فرنسا لا يضمن الحصول على تأشيرة أو إذن إقامة".
بالنسبة إلى الجنسية ونوع العقار المعني، يوضح كابلان "جميع الأجانب من الذكور والإناث لديهم الحق في شراء العقارات في فرنسا، بغض النظر عن بلدهم الأصلي أو نوع العقار، ومع ذلل يوصي بأن يتعرف المشترون الأجانب إلى التشريعات والقوانين المحلية المتعلقة بالعقارات في فرنسا".
كابلان يؤكد أن الأجانب المقيمين في فرنسا الذين يملكون منزلاً في البلاد، يخضعون لنفس الضرائب المفروضة على المواطنين الفرنسيين "ومن ثم، يجب عليهم دفع الضريبة العقارية السنوية، التي يتم احتسابها استناداً إلى القيمة الإيجارية للعقار. كما تفرض ضريبة الإقامة كل عام، وتستند أيضاً إلى هذه القيمة الإيجارية ويجب دفعها بداية كل سنة ضريبية".
يتابع كابلان قائلاً "في حالة بيع العقارات، يتعين على الأجانب المقيمين دفع ضريبة الربح الرأسمالي، التي يتم احتسابها استناداً إلى الفارق بين سعري البيع والشراء، بعد تطبيق الخصومات على مدة امتلاك العقار".
ويقول "في بعض المناطق التي لا تلحظ توازناً بين العرض والطلب على السكن، يمكن فرض ضريبة إضافية على العقارات الفارغة. وأخيراً، عند شراء ملكية في فرنسا، يجب على الأجانب دفع الضريبة العقارية أو رسوم التحويل. يجب ملاحظة أنه استناداً إلى البلدية التي يقع فيها العقار، يمكن فرض ضرائب أو رسوم خاصة مثل ضريبة جمع النفايات المنزلية أو رسوم جمع القمامة من الشارع".
تحديات
على رغم أن الأجانب المقيمين في فرنسا لديهم الحق في امتلاك العقارات بنفس الطريقة التي يمتلك بها المواطنون الفرنسيون، فإن هذا الحق يترتب عليه عديد من التحديات والالتزامات. على سبيل المثال، يجب عليهم الامتثال للتشريعات والقيود المحددة التي تنظم شراء وامتلاك العقارات في فرنسا. وعليه، أبدى منجي، وهو تونسي مقيم في مارسيليا منذ أكثر من 10 أعوام، استياءه من ارتفاع رسوم الضرائب.
من جانبه، أوضح منجي أنه فرضت عليه كثير من الضرائب خلال عملية الشراء، مثل ضريبة العقارات ورسوم التسجيل، التي كانت أعلى بكثير من توقعاته، وأثرت بصورة كبيرة في موازنته. وأشار إلى أن فهم النظام الضريبي الفرنسي والتعامل مع الإجراءات المطلوبة لتسديد هذه الضرائب، كانا صعبين للغاية. وأوضح أن هذه الكلف الإضافية زادت من التعقيدات، وكانت الضرائب والرسوم مرتفعة بصورة لافتة.
إضافة إلى ذلك، أشار منجي إلى أن التحدي الرئيس الذي واجهه كان في صعوبة البحث عن تمويل بسبب صرامة معايير البنوك في منح القروض للأجانب، مما جعل الحصول على قرض عقاري أكثر تعقيداً. وأضاف أنه واجه تعقيدات الإجراءات الإدارية، حيث كان عليهم تجميع كثير من الوثائق وفهمها، مما جعل العملية طويلة ومرهقة بعض الشيء.
التوريث في فرنسا
امتلاك منزل في فرنسا وتوريثه يشكلان جانبين مترابطين بصورة وثيقة في حياة الأفراد وأسرهم. فلا تقتصر التحديات القانونية والمالية على عملية شراء وامتلاك المنزل، بل تتعداها لتشمل مسألة التوريث التي تمثل تحدياً أكثر تعقيداً. عند وفاة مالك المنزل يصبح التوريث أمراً أساسياً، وغالباً ما يواجه الورثة تحديات متعددة ومعقدة، مما يجعل فهم القوانين والإجراءات الفرنسية المعقدة المتعلقة بعملية التوريث أمراً بالغ الأهمية. أما بالنسبة إلى المشكلات الأكثر بروزاً في مسألة الإرث، فقد تحدث المحامي جاك كابلان عن نقاط عدة:
أولاً، الرسوم الإرثية المرتفعة:
في فرنسا، يمكن أن تكون الرسوم الإرثية مرتفعة للغاية، خصوصاً عندما يكون الإرث كبيراً من جهة الحجم. يمكن أن تؤدي هذه الرسوم إلى صعوبات مالية للورثة الذين يتعين عليهم دفع هذه الضرائب. تتزايد هذه الصعوبات في حالات الإرث المعقدة أو النزاعات، مما يعرقل عملية تسوية الإرث.
ثانياً، تعقيدات قوانين الإرث:
تعتبر قوانين الإرث في فرنسا معقدة، لا سيما في حال وجود عقارات أو أصول في الخارج، أو في حالات الأسر المعقدة. يمكن أن تؤدي هذه التعقيدات إلى نشوء نزاعات بين الورثة وتأخير عملية تسوية الإرث. وغالباً ما يتطلب ذلك استشارة محامين لمعالجة الجوانب القانونية والإدارية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ثالثاً، الإرث القانوني:
في فرنسا، يحجز جزء من الإرث، المعروف باسم الإرث القانوني، للورثة الشرعيين، مما يعني أن الأطفال لا يمكن استبعادهم من الإرث. تقيد هذه القاعدة حرية تصرف المتوفى في أمواله وتثير اعتراضات من قبل الورثة الشرعيين.
رابعاً، كتابة الوصية:
كتابة وصية في فرنسا تتطلب معرفة عميقة بقوانين الإرث الفرنسية، إذ يمكن أن تتسبب الوصايا المكتوبة بصورة سيئة أو غير المتوافقة مع القانون في السير بدعاوى قضائية، مما يؤدي إلى نزاعات طويلة الأمد. لذلك، من الأفضل التشاور مع محام متخصص في كتابة الوصايا لتجنب المشكلات القانونية المحتملة.
خامساً، رسوم الموثق:
يحتاج الورثة في كثير من الأحيان إلى استشارة موثق لتسوية الإرث، مما يترتب عليه رسوماً إضافية. يمكن أن ترتفع هذه الرسوم في حالات الإرث المعقدة أو النزاعات، مما يعقد عملية التسوية.
باختصار، تتعلق أبرز مشكلات الإرث في فرنسا بالتعقيدات القانونية والإدارية، والرسوم العالية عند التوريث، والنزاعات بين الورثة. لذلك، يوصى بالتخطيط مسبقاً والتشاور مع المتخصصين في المجال لتجنب المشكلات المستقبلية وضمان سلاسة تسوية الإرث.
ولدى سؤاله حول ما إذا كان الأجانب المقيمون في فرنسا يواجهون المشكلات ذاتها التي يواجهها الفرنسيون في مسائل الإرث، أكد المحامي جاك كابلان أن الأجانب المقيمين في فرنسا قد يواجهون مشكلات مماثلة لتلك التي يواجهها المواطنون الفرنسيون في هذا الصدد. بصورة عامة، تنطبق قوانين الإرث في فرنسا على جميع السكان، سواء كانوا فرنسيين أم أجانب.
مع ذلك، قد تكون هناك اعتبارات إضافية للأجانب فيما يتعلق بالإرث الدولي في بلدهم الأصلي، فضلاً عن الآثار الضريبية عبر الحدود. إضافة إلى ذلك، قد يواجه الأجانب المقيمون في فرنسا تحديات تتعلق باللغة والثقافة وفهم الأنظمة القانونية والضريبية الفرنسية، مما قد يجعل إدارة الإرث أكثر تعقيداً. بصورة عامة، على رغم أن الأجانب المقيمين في فرنسا قد يواجهون مشكلات مماثلة، فإن هناك اعتبارات إضافية بسبب وضعهم كأجانب.
صوت للتغيير
في هذا السياق، تطرقت حياة، سيدة تونسية - فرنسية مقيمة في فرنسا منذ أكثر من 18 عاماً، إلى "تعقيدات في مسألة التوريث في فرنسا"، وقدمت تجربة زوجها كمثال على ذلك. أكدت حياة أن القانون الفرنسي يفرض الضرائب على التركة بنسبة تتناسب مع حجمها، وهذا ما حصل مع زوجها الذي اضطر إلى التخلي عن منزله بسبب الضرائب العقارية الكبيرة التي فرضت عليهم بعد وفاة والدته.
أكدت حياة أن الحكومة الفرنسية يجب أن تنظر بجدية في خفض الضرائب المفروضة على التركة، خصوصاً الضرائب العقارية التي يمكن أن تضع الورثة في مواقف مالية صعبة للغاية. إضافة إلى ذلك، أصرت على ضرورة تبسيط الإجراءات الإدارية لتسهيل دفع الضرائب المستحقة وتجنب المشكلات التي يواجهها المواطنون بعد وفاة أحد أفراد العائلة.
وبحسب ناشطين قانونيين، تبرز حالة حياة وزوجها ضرورة إصلاح القوانين المتعلقة بالوصاية في فرنسا وتبسيط الإجراءات الضريبية لتجنب المشكلات المالية التي يمكن أن تواجه الأفراد والأسر بعد وفاة أحد أفرادهم.
التشريعات القانونية
تشير التقديرات اليوم إلى أن الميراث في فرنسا يمثل 60 في المئة من إجمالي الثروة. في عام 1970، كان 35 في المئة فقط من الثروة يتكون من الميراث. ويسهم هذا الانتقال للثروة من جيل إلى آخر في توسيع نطاق التفاوتات بين السكان منذ الولادة. لم يعد النظام الضريبي الحالي يتكيف مع التركيبات الأسرية الجديدة.
في فرنسا، يحكم الحق في التوريث بصورة رئيسة من قبل القانون المدني، الذي ينص على قواعد الحصول على الميراث وتقسيمه وإدارته. بالنسبة إلى التوريث الدولي، فإن التشريع الأوروبي رقم 650/2012، المعروف باسم "تنظيم التوريث"، الذي بدأ سريانه في الـ17 من أغسطس (آب) 2015، يؤدي دوراً بارزاً. يحدد هذا التنظيم القانون القابل للتطبيق على التوريث والسلطة المتخصصة لإدارته.
ووفقاً لهذا التنظيم، القانون القابل للتطبيق على مجمل الميراث هو قانون مكان إقامة المتوفى عند وفاته، ما لم يكن المتوفى قد اختار قانون جنسيته كقانون قابل للتطبيق على توريثه. هذه القاعدة لها آثار مهمة على الأشخاص المغتربين أو الذين يملكون ممتلكات في بلدان عدة.
فهل تعتزم الحكومة الفرنسية اتخاذ إجراءات لتبسيط وتقليل العبء المالي والقانوني على الأفراد والأجانب في ما يتعلق بالملكية والإرث، وهل من المحتمل تخفيض أو إلغاء ضريبة الإرث قبل الانتخابات؟