على الرغم من أن زيارة ملك إسبانيا فيليب السادس إلى العراق، الأربعاء، تعد تاريخية بكل المقاييس، وهي الأولى من نوعها منذ نحو 40 عاماً، إلا أنها كانت حافلة بالمفارقات، التي أثارت جدلاً واسعاً في الشارع العراقي.
ووصل الملك الإسباني على متن طائرة عسكرية تابعة لسلاح الجو الإسباني، هبطت على مدرج مخصص للقوات المسلحة، إلى جانب مطار بغداد الدولي. وهبط العاهل الإسباني، من الطائرة، مرتدياً زياً عسكرياً، ليجد في استقباله ضباطاً في الجيش الإسباني، برفقة سفير مدريد في بغداد خوان إسكوبار.
وقالت مصادر ديبلوماسية في بغداد إن "زيارة الملك الإسباني جاءت لتفقد قوات بلاده، العاملة ضمن التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق". ما يفسر ظهوره بالزي العسكري.
ولدى إسبانيا نحو 500 جندي ضمن قوات التحالف الدولي على الأراضي العراقية. وتعد البعثة العسكرية الإسبانية في العراق، الثانية من حيث العدد، بعد البعثة الإسبانية في لبنان.
وبينما لم توفر الجهات الديبلوماسية العراقية المختصة أي بيانات عن الزيارة، قالت وسائل إعلام إسبانية إن الزيارة إستغرقت عشر ساعات، وتضمنت اجتماعاً مع الرئيس العراقي برهم صالح، وزيارة إلى قاعدة "الكابتن العظمى"، جنوب شرقي بغداد، حيث يوجد معظم أعضاء البعثة الإسبانية في العراق.
ويبدو أنه ليس من قبيل المصادفة أن يقرر الملك الإسباني زيارة العراق بالتزامن مع عيد ميلاده الحادي والخمسين، الذي يوافق 30 يناير (كانون الثاني).
لكن المفاجأة، التي حولت هذه الزيارة إلى حدث يناقشه المدونون العراقيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تمثلت في أن طائرة الملك الإسباني كانت تحمل علماً عراقياً قديماً، يعود إلى حقبة نظام البعث، منتصف ستينيات القرن الماضي.
ورصدت عدسات المصورين صوراً لعلم "النجوم الثلاث"، الذي خطّ رئيس النظام السابق صدام حسين بيديه عبارة "الله أكبر" عليه، وهي أدخلت ساسة العراق، بعد عام 2003، في جدل واسع في شأن إمكان التخلص منها، قبل أن يقرروا حذف النجوم من العلم، والإبقاء على عبارة "الله أكبر".
وانقسم المعلقون العراقيون حول أسباب هذا الخطأ البروتوكولي. فبينما رأى بعضهم أن "استخدام علم النظام السابق يمثل إهانة للعراق"، قال آخرون إن "هذه الواقعة تعكس فشل الديبلوماسية العراقية، التي لا تتواصل بما يكفي مع الدول الأخرى لشرح التفاصيل الأساسية للبروتوكول".
وقال مدونون إن الديبلوماسية الإسبانية، وإن كانت تتحمل جزءاً من مسؤولية هذا الخطأ، فإن وزارة الخارجية العراقية هي المسؤولة عن ترتيب بروتوكولات زيارات من هذا النوع، لا سيما في ما يتعلق منها بالشؤون السيادية.
وانتقد السياسي العراقي المستقل محسد جمال الدين غياب التنسيق في هذا الشأن بين المؤسسات العراقية المسؤولة. وقال إنه "لا يوجد تنسيق بين المؤسسات العراقية كوزارة الخارجية ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية". وسأل "هل اتصلت الخارجية العراقية بالسفارة الإسبانية ونسقت معها بروتوكول زيارة ملك إسبانيا إلى العراق؟". وأشار إلى أن ظروف الزيارة تقول إن الجواب، هو لا.
لاحقاً، اعتذرت السفارة الإسبانية في بغداد عن "خطأ ارتكبه الطيارون" بتعليق "علم قديم لجمهورية العراق". وفيما قالت إن "الخطأ سيجري تصحيحه عند المغادرة"، أكدت أن زيارة الملك الإسباني إلى العراق سارت "بشكل ممتاز".
لكن مفارقات هذه الزيارة أعادت إلى الأذهان الجدل الذي صاحب زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى العراق، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. إذ اختار ترمب الذهاب إلى قاعدة عسكرية غرب البلاد من دون إجراء مراسم استقبال رسمية، أو لقاء أي مسؤول عراقي.
وشكلت زيارة ترمب إلى العراق، التي تمت بسرية تامة، ولم يعلن عنها إلا بعد مغادرة الطائرة الرئاسية أجواء المنطقة، فرصة للجدل في شأن مفهوم السيادة الوطنية العراقية.
ويعتقد في بغداد أن الولايات المتحدة، ومعظم الدول الكبرى، لا تعير أهمية لسيادة العراق. لذا تكون معظم زيارات الزعماء والقادة وكبار المسؤولين العالميين إلى العراق سرية، ولا يعلن عنها إلا قبيل انتهائها، أو بعد ذلك في كثير من الحالات.
لكن الفارق بين زيارة ترمب وفيليب السادس، يتمثل في أن الأخير حاول تلافي الجدل الذي أثاره العلم، بزيارة إلى القصر الجمهوري في بغداد. وأشاد صالح بـ "عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وضرورة ترسيخها بما يخدم المصالح المشتركة للشعبين الصديقين"، موضحاً أن "العراق يسعى إلى تطوير علاقاته مع محيطه الإقليمي والدولي لتعزيز مكانته ودوره في المنطقة"، وفق البيان الرئاسي العراقي.
ووفق البيان، رحب الرئيس العراقي بـ "دعم المجتمع الدولي لإعادة إعمار البلاد، لا سيما مناطقه المحررة"، داعياً "الحكومة الإسبانية إلى الإسهام بفعالية في حركة البناء التي يشهدها العراق على مختلف الصعد". وثمّن دور إسبانيا و"مشاركتها الفعالة في الحرب ضد تنظيم داعش".
وأبدى الملك الإسباني، وفق البيان، "إعجابه بصمود العراقيين وتضحياتهم في وجه الإرهاب"، مؤكداً "حرص بلاده على توطيد علاقات الصداقة وتوسيع آفاق التعاون البنّاء بين البلدين واستعداد بلاده للمساهمة في إعادة الإعمار".