ملخص
يعتبر خامنئي آخر ما تبقى من مجموعة روح الله الخميني التي استولت على السلطة بعد عام 1979. وفي بداية تشكيل نظام "الجمهورية الإسلامية"، كان خامنئي سياسياً مهمشاً وغير بارز، إلا أنه سرعان ما أصبح من الشخصيات المقربة جداً من الخميني بعد القضاء على منافسيه.
وجه مشوش وصوت غليظ وملل في التعبير، هذا ما نراه ونسمعه في خطابات المرشد الإيراني علي خامنئي في العامين الماضيين.
ويعتبر خامنئي آخر ما تبقى من مجموعة روح الله الخميني التي استولت على السلطة بعد عام 1979. وفي بداية تشكيل نظام "الجمهورية الإسلامية"، كان خامنئي سياسياً مهمشاً وغير بارز، إلا أنه سرعان ما أصبح من الشخصيات المقربة جداً من الخميني بعد القضاء على منافسيه. وفي نهاية الأمر، استطاع أكبر هاشمي رفسنجاني، ومن خلال خدعته المعروفة التي مررها على مجلس الخبراء، أن يجلس خامنئي على كرسي مرشد النظام.
المرشد خامنئي الآن هو صاحب السلطة في النظام الإيراني منذ 34 عاماً، لكن يبدو أنه سيفقدها قريباً. ومثل جميع الطغاة في التاريخ لم يبق منه سوى الاسم. وهذا ما حاول خامنئي محاربته في العقدين الماضيين. ومن دون أدنى شك، لا يستطيع أن يتصالح مع الموت، لكنه سيحاول ألا يكون مجرد اسم جديد في قائمة الديكتاتوريين الذين ماتوا. ولهذا، فإن خامنئي يعتقد أن عملية اختيار الخليفة هي مشروع شخصي أكثر من كونها مرتبطة بعلاقات السلطة فحسب، بل مشروع يجب أن تكون مخرجاته استمراراً لإرثه القيادي من دون أي نقص وفي الاتجاه نفسه تماماً.
هذا المسار الذي يتبعه خامنئي في اختيار الخليفة ظهر جلياً وبوضوح في لقائه مع أعضاء مجلس خبراء القيادة في فبراير (شباط) الماضي، إذ تحدث المرشد عن أهمية مجلس الخبراء الذي لم يكن له أي دور في اختيار خليفة المرشد قائلاً "يجب على مجلس خبراء القيادة في اختياراته أن يحرص على المبادئ الثابتة للجمهورية الإسلامية ولا يمكن إهمالها، لأنها مهمة جداً. أي إن اختيار المرشد يجب أن يتم على أسس ثابتة، وهي في الجمهورية الإسلامية تعتبر من المسلمات والثوابت".
وخلاصة هذا الاقتراح الذي وجهه إلى أعضاء مجلس خبراء القيادة هو: أن المرشد الثالث يجب أن يستمر بالآلية نفسها التي حكمت البلاد بها، وما فعلته يسمى المبادئ الثابتة لـ"الجمهورية الإسلامية"، ومن يحلم في إعادة النظر والمراجعة، لن يكون له مكان في السلطة في المستقبل بعد وفاتي.
لن يقام مؤتمر الـ20
لقد تعلم مرشد النظام الإيراني هذا الدرس من التاريخ وهو أن المراجعة من قبل الخلفاء هي من نسل الديكتاتوريين. لقد عانى جوزيف ستالين، الذي كان، ذات يوم، رمزاً للسلطة المطلقة في الاتحاد السوفياتي، مصيراً يخشى خامنئي من تكراره عندما يتوقف قلبه فجأة عن الحركة. وقد تكون حاله حال ستالين يخاف من الموت، لكن خوف خامنئي الأكبر ليس تلك اللحظة الحتمية التي يتوقف فيها قلبه وعقله إلى الأبد، بل ظهور شخص مثل نيكيتا خروتشوف بعد دفن جثته الهامدة.
ألقى خروتشوف، خليفة ستالين، خطاباً سرياً في المؤتمر الـ20 للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفياتي، الذي سرعان ما تسرب إلى وسائل الإعلام الغربية، إذ كان قد ركز الخطاب العاطفي على فترة ستالين القاسية وانتقد شخصيته بشدة، واعتبر خطاب خروتشوف من قبل عديد من المؤرخين بمثابة بداية عملية انهيار نظام الاتحاد السوفياتي، وهذا ما يخشى خامنئي تكراره في نظام "الجمهورية الإسلامية".
وفي العقدين الماضيين، كان خامنئي يبحث عمن يعتبر المرشد الثاني (خامنئي) معلمه وقائده، وأن يكون ملتزماً مبادئه ومنهجه في الحكم ويستمر في ما كان يفعله ويحرم ما كان يتجنبه. لكن كيف يمكن التأكد من استمرار الخليفة على المسار نفسه بعد وفاة خامنئي؟
وخلال حياة ستالين، لعب خروتشوف دوراً مماثلاً للأشخاص الذين هم الآن في الدائرة المقربة لخامنئي، إذ أطاع خروتشوف بصورة عمياء كل ما أمر به ستالين، ولم يعتد على قدسية الديكتاتور حتى في الخفاء، إلا أن القصة أخذت صورة مختلفة بعد أن توفي ستالين.
عام 2024 قد يكون عام وفاة خامنئي، إذ ذكرت عديد من الأسماء لخلافته في العقدين الماضيين، ومنهم: أكبر هاشمي رفسنجاني ومحمود شاهرودي وعلي أكبر ناطق نوري وحسن روحاني وصادق آملي لاريجاني، إلا أنه، اليوم، إما تم تهميشهم وإقصاؤهم بسبب اتهامات الفساد الاقتصادي أو ماتوا قبل أن يموت خامنئي.
ولدى المرشد سياسة خاصة به، ويدين بصعوده من سياسي علي الهامش إلى ديكتاتور مطلق إلى درسين وأسلوبين رئيسين. أولاً، إذا كنت لاعباً ضعيفاً، فعليك أن تنافس وتقارع الأقوياء حتى تستهلك طاقتهم وتصبح الخيار الوحيد عند الضرورة. وأما ثانياً، في الأنظمة الفاسدة، يمكن للشخص الذي يتحكم في الأجهزة الأمنية والعسكرية أن يكون المحرك الرئيس للسلطة.
من الذي لن يخون خامنئي؟
ومن أجل أن يكون تقديرنا لخيار خليفة المرشد خامنئي قريباً من الواقع، علينا أن نتبع هذا النموذج، من هو الفاعل الأساس في مشروع إقصاء المنافسين والمسموح له أن يتواصل مع القوات العسكرية والأمنية بصورة مباشرة اليوم؟ هل الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي قادر على أن يكون مهندساً لهذه اللعبة المعقدة؟ أو هناك خيار آخر؟
ولعل مثل هذا الخيار يمكن أن نجده بين خطوط السياسة في نظام "الجمهورية الإسلامية"، إذ منذ عام 2015، كلما دار الحديث عن إمكانية الوصول غير المحدود إلى القوات العسكرية والأمنية، وكذلك تعيين أو إقصاء الأشخاص في مؤسسات النظام، يبرز لنا اسم واحد فقط ألا هو مجتبى خامنئي نجل المرشد.
بدأ مجتبى التدريب في مدرسة والده منذ التحضير للانتخابات الرئاسية عام 2005، إذ كشف مهدي كروبي في الرسالة التي وجهها إلى علي خامنئي في الـ19 من يونيو (حزيران) 2005، بوضوح، مستوى الدعم الذي قدمه علي خامنئي لابنه وانخراطه في الشؤون السياسية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال كروبي في رسالته "إنني سمعت أن إحدى الشخصيات الكبيرة أخبرتك أن نجلك يدعم أحد المرشحين، وتبين في ما بعد أن دعم مجتبى لذلك المرشح كان من تلقاء نفسه، وعلى أي حال، ما زالت الأخبار تفيد بأنه ينشط لصالح أحد المرشحين، لا بل حتى زياراته إلى المقر الانتخابي لذلك المشرح انتشرت".
كما يسيطر مجتبى خامنئي على هيئة الإذاعة والتلفزيون التابعة للنظام منذ سنوات. وكشف الرئيس السابق لهيئة الإذاعة والتلفزيون محمد سرافراز، في كتابه الذي نشر في سبتمبر (أيلول) 2019، تحت عنوان "رواية استقالة"، جزءاً من نفوذ وسيطرة مجتبى خامنئي والحرس الثوري في هيئة الإذاعة والتلفزيون ودورهم في إقالته من منصبه.
وقال سرافراز، في كتابه، إنه بعد موافقة علي خامنئي على استقالته، التقى رئيس استخبارات الحرس الثوري حسين طائب، آنذاك، وأخبره أن مجتبى خامنئي والحرس الثوري أجبروه على الاستقالة. وأضاف أنه قبل الاستقالة، وخلال لقاءات عدة مع المرشد علي خامنئي، شكا حاله وحذر من تصرفات نجله "قلت إن هناك حكومة سرية داخل الحكومة لديها المال والإعلام في الداخل والخارج، ولها أيضاً أدوات أمنية، وتخطط ضد هيئة الإذاعة والتلفزيون".
ولم يستجب المرشد للشكوى التي قدمها سرافراز، وفي النهاية، تم إقصاؤه من المشهد السياسي حاله حال مهدي كروبي.
ويتمتع مجتبى خامنئي بسيطرة متعددة الأوجه على المؤسسات الأمنية والعسكرية في النظام الإيراني. ومع تأسيس استخبارات الحرس الثوري في عام 2009، أصبحت لديه منظمة استخباراتية وأمنية تحت تصرفه، وتمكنت من تهميش دور وزارة الاستخبارات "اطلاعات" إلى حد كبير. وبالطبع، هذا لا يعني أبداً أن خامنئي ونجله لا يسيطران على وزارة الاستخبارات، إلا أن منظمة استخباراتية تابعة لقوات عسكرية، وأن تكون السيطرة مطلقة عليها، فهذا له مزايا أوسع بكثير من وجود وزارة يمكن أن تتغير مع تغير الحكومات.
لقد أثبتت التجربة أن جميع الديكتاتوريات في المنطقة أحكمت سيطرتها على البلاد من خلال إيجاد منظمة استخباراتية داخل الجيش بحيث تتزامن هذ السيطرة على الأسلحة والمشهد السياسي العام في آن واحد.
في نموذج الفهم السياسي للمرشد علي خامنئي، فإن مجتبى خامنئي هو الوحيد الذي لن يكون على شاكلة نيكيتا خروتشوف، إذ كان في العقدين الماضيين، شريكاً لوالده في أسلوب الحكم والقيادة، كما كان اليد الخفية لوالده في تنفيذ سياسات النظام وعديد من عمليات التصفية والقمع وقتل المواطنين الذين سئموا الحياة.
وقد يميل الابن إلى خيانة تراث والده، لكن عندما يكون الابن شريكاً في جرائم الأب، فسيكون من الصعب عليه أن يراجع ويعيد النظر في أسلوب وسياسات والده. مجتبى خامنئي هو الشخصية الوحيدة التي كانت تحت عباءة خامنئي وكان لها هذا الدور والمنصب. ويبدو أننا سنسمع مزيداً عن مجتبى في المستقبل.
نقلا عن "اندبندنت فارسية"