مع بدء العد التنازلي للانتخابات البرلمانية في إسرائيل، الثلاثاء17 سبتمبر (أيلول)، تتعالى وتيرة الحملات الانتخابية بين أحزاب اليمين من جهة، والوسط والمركز من جهة أخرى، فيما القائمة المشتركة، التي تمثل الأحزاب العربية الوطنية ما زالت غير مطمئنة على الحفاظ على قوتها السابقة بحصول 13 مقعداً، بل تعتبر الحصول على 12 إنجازاً، أمام الوضعية التي يعيشها الناخب العربي، من فلسطينيي 48، بفقدان الثقة بقيادته والامتناع عن التصويت.
وأمام محاولات الأحزاب في الحصول على أكبر نسبة تأييد لها، أو ضمان الحفاظ على قوتها، على الأقل، تبقى الأنظار مشدودة نحو حزب الليكود وزعيمه بنيامين نتنياهو، الذي يواجه عاصفة من الانتقادات، لكنه ما زال يحافظ على أكثرية بفرق مقعد أو اثنين في أفضل نتيجة استطلاع رأي، مع منافسه بيني غانتس زعيم حزب أزرق- أبيض.
فاستطلاعات الرأي لا تطمئن نتنياهو بنتائج تتيح له حكومة قوية مع أكثرية قادرة على الصمود، والاستطلاع الأخير يشير إلى أن كتلة اليمين تحصل على 57، ويسار الوسط على 54، أما حزب إسرائيل بيتنا، برئاسة أفيغدور ليبرمان، فيحصل على 9 مقاعد. في استعراض نتائج الاستطلاعات يتم فصل مقاعد ليبرمان عن كتلة اليمين كونه يرفض دخول ائتلاف مع نتنياهو، لكن بعض السيناريوهات المتوقعة للحكومة المقبلة لا تسقط إمكانية التراجع عن موقفه ودخوله ائتلاف مع نتنياهو.
هروب نتنياهو إلى الملجأ
ليس صدفة إثارة نتنياهو الوضع الأمني تجاه سوريا وإيران، قبل زيارته سوتشي وخلالها وبعدها. فملامح وجهه وهو مقتاد يهرع نحو الملجأ خوفاً من صواريخ حماس، والصور التي تحولت إلى حدث في تلك الليلة باتت وثيقة قوية في يد منافسيه، ولم يعد كما اسماه البعض "سيد الأمن"، يحافظ على تلك الهيبة بل راحوا يتنافسون في التحريض عليه وعلى كل ما يروج له من قدرات أمنية وبأنه الرئيس الوحيد القادر على ضمان أمن الإسرائيليين وإسرائيل. وكل محاولاته في استعادة بعض هيبته الأمنية من لقاء سوتشي، لم تجد نفعاً حتى هذه اللحظة.
أما تصعيد لهجة التهديد تجاه غزة والإعلان عن احتمالات حرب كل لحظة، فلم تتعامل معها جهات عدة في إسرائيل بجدية، واعتبرها البعض محاولات لاستعادة هيبته الأمنية. وكما كتبت هيئة تحرير صحيفة "هآرتس"، فإن نتنياهو يحاول أن يقنع الإسرائيليين بأن أهم ما في جدول أعماله هو إسقاط حكم حماس، ولكنه "يخفي دوره في تغذية المواجهة التي تتواصل لأشهر طويلة وفيها يتظاهر آلاف المواطنين الغزيين على طول الجدار، ينفذون العمليات، يطلقون الصواريخ إلى الأراضي الإسرائيلية، ويقتلون ويصابون بنار الجيش الإسرائيلي.
نتنياهو يدرك أن حل الأزمة في غزة ليس عسكرياً. وكان سمع ذلك من رؤساء الأركان ورؤساء الاستخبارات، وهو نفسه سعى على مدى فترة طويلة للتوصل إلى تسوية غير رسمية مع حماس بوساطة مصر والأمم المتحدة. وسمح بنقل ملايين الدولارات من قطر إلى حكم حماس. وأكثر من هذا فإنه يعترف بحكم الأمر الواقع بحكم حماس في القطاع ويطلب منها تنفيذ مسؤوليتها هناك. لقد صدت هذه السياسة، حتى الآن، معركة عسكرية واسعة النطاق، ولكنها ليست أكثر من حاجز طرق لا يمكنه أن يصمد أمام انفجار الغضب، الإحباط والفقر التي تشعل القطاع".
وترى هيئة تحرير الصحيفة أن نتنياهو يخشى مواجهة هذه الحقيقة، ويفضل اقتباس شعارات ليبرمان الذي هدد بتصفية إسماعيل هنية والكذب والادعاء بأن معركة عسكرية ستزيل التهديد. انتخابه لولاية أخرى سيضمن مزيداً من الوهن الذي يولد جولات مواجهة عديمة الجدوى".
أبرز السيناريوهات
أمام استطلاعات الرأي التي تجري حول قوة الأحزاب في الانتخابات، ولا تعطي كتلة اليمين أكثرية تتيح لنتنياهو تشكيل حكومة، يطرح سياسيون وخبراء مختلف السيناريوهات المتوقعة للحكومات المقبلة، وهي سيناريوهات لا تسقط من الحسابات إمكانية فشل نتنياهو مجدداً وإدخال إسرائيل في وضعية لم يسبق أن وصلت إليها.
أحد أبرز السيناريوهات وأقربها إلى التنفيذ هو تشكيل حكومة يمين برئاسة نتنياهو وبائتلاف 61 نائباً، أي حكومة أقلية ضعيفة قابلة للسقوط في أي لحظة. لكن بالنسبة إلى نتنياهو سيكون هذا أفضل الحلول، إذا ما أصر ليبرمان على موقفه الرافض. فحكومة كهذه ستكون خشبة الإنقاذ من لائحة الاتهام إذ بإمكانه، فور تشكيل الحكومة، إصدار قانون يضمن حصانته لمنع تقديم لائحة اتهام ضده في ملفات الفساد والاختلاس. وهذا أكثر الجوانب التي تهم نتنياهو، في هذه المرحلة.
وفي تشكيله حكومة كهذه يمكن أن يعود ويتفاوض مع ليبرمان وبذريعة الأمن وأهميته لإسرائيل، قد يتراجع ليبرمان ويخضع له نتنياهو ويعينه وزير أمن لإسرائيل، وهكذا تكون حكومة يمين، احتمالات الحرب فيها أكثر من التسويات السياسية.
الرئيس السابق لحركة ميرتس اليسارية، يوسي بيلين، يضع مختلف السيناريوهات، لكنه يرى أن الحسابات الأولية لنتنياهو في تشكيل الحكومة ستكون في كيفية ضمان حصانته ومنع تقديم لائحة اتهام ضده. ويقول بيلين إنه في حال صدقت استطلاعات الرأي وشكل نتنياهو حكومة من 61 نائباً فإن نواب الأحزاب الائتلافية ستعلم أن شهر العسل في حكومة نتنياهو سيكون قصيراً جداً. في هذه المرحلة يمكن لنتنياهو أن يتوجه إلى أزرق أبيض أو إلى جزء منه، ممن سيقولون لأنفسهم إن الحسم تم وإنه يجب إنقاذ إسرائيل من روح كهانا ودخول حكومة نتنياهو. هذا، بالتأكيد، سيكون الخيار الأفضل من ناحيته".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي استعراضه توقعات الحكومة المقبلة يقول بيلين، "إذا لم يكن 61 نائباً يوصون بتكليف نتنياهو تشكيل الحكومة، فالرئيس رؤوفين ريفلين كفيل بأن يكلف بالمهمة بيني غانتس، الذي يروج حالياً، سيناريو ليبرمان: بدلاً من الانتظار إلى ما بعد الانتخابات، فإنه يستبق ويعلن أنه سيسعى إلى إقامة حكومة وحدة وطنية مع الليكود وليبرمان، من دون الأصوليين. لهذا، القول يكاد يلزم ليبرمان بأن يوصي الرئيس به. والصورة التي ستتضح كفيلة بأن تكون 55– 57 لنتنياهو، 55– 57 لغانتس، بما في ذلك إسرائيل بيتنا وميرتس عشرة.
في هذه المرحلة، وفق بيلين، ستبدأ لعبة جديدة. تشكيل الحكومة سيُلقى على غانتس. سيتوجه إلى الليكود ويطلب استبدال رئيسه ليشكل حكومة وحدة. إذا ما حصل هذا، أو إذا توافر ثلث أعضاء كتلة الليكود في الكنيست يقيم كتلة جديدة ويرتبط بغانتس، وعندها سيقف أزرق أبيض في رئاسة حكومة وحدة وطنية من دون حاجة إلى تداول أو في رئاسة حكومة يوجد فيها وزن مهم جداً لليمين، ولكنها تقاد من جهات ليبرالية كفيلة بأن تحدث تغييرات مهمة مثل إلغاء قانون القومية أو تغييره، إلغاء المبادرات لإضعاف المحكمة وربما أيضاً إعادة فتح المفاوضات السياسية".
فلسطينيو 48 عشرون مقعداً
أما القائمة المشتركة التي تضم فلسطينيي 48، فهذه تبقى خارج السيناريوهات، فأحزابها الوطنية لا ترى نفسها جزءاً من حكومة إسرائيلية تحتل أبناء شعبهم، لكنها ترى بتمثيلهم في الكنيست أهمية كبرى لتحقيق حقوقهم ورفع مكانتهم وحفاظهم على وجودهم.
هم يشكلون عشرين في المئة وعدد الناخبين يقترب من المليون. في حال توجهوا بصوت واحد داعم للقائمة المشتركة يحصلون على عشرين مقعداً، ولكنهم يعيشون صراعات حزبية، والأنكى من هذا أن نسبة ليست قليلة منهم يدعمون الأحزاب الصهيونية.
استطلاعات الرأي تعطيهم ما بين 10 و12 نائباً لكنهم يعتبرون أنفسهم أقرب إلى 11 مقعداً، وإذا حصلوا على 12 فهذا إنجاز كبير، علماً أن الانتخابات الماضية قبل خمس سنوات عندما خاضت الانتخابات بمركبات الأحزاب الوطنية الأربعة حصلت على 13 مقعداً، إلا أن كثيراً من الصراعات التي برزت بين هذه الأحزاب خلال المعركة الانتخابية الحالية، قبل تشكيل القائمة والانتخابات التي حصلت قبل خمسة أشهر أفقدتهم ثقة الجمهور، وهناك مجموعات غير قليلة تدعو إلى المقاطعة.