ملخص
فقد ذوو الاحتياجات الخاصة حقوقهم وخصوصية تعاملهم خلال الحرب الجارية في السودان
بعد مضي ما يقارب العام من الحرب المستعرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" تراكم المعارك أعداد المعاقين بصورة ملحوظة، إذ ما زالت عمليات البتر المستمرة تحصد أعضاء المصابين بمعدلات كبيرة داخل أروقة المستشفيات القليلة العاملة حتى الآن.
ومنذ الأسابيع الأولى لاندلاع الحرب تعرضت معظم المؤسسات الرسمية وغيرها للهجمات والأضرار بينها مراكز رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة من المعاقين. وسط هذه الظروف المأسوية وجدوا أنفسهم أول وأكثر الفئات المتضررة العالقة وسط القتال، فيما هم في حاجة إلى الرعاية وأساسات المأوى والغذاء والعلاج والدواء مع نقص كامل في الخدمات.
يقول الناشط المجتمعي أزهري عبدالرحيم إن "الحرب تزيد كل يوم بصورة كبيرة من أعداد المعاقين حركياً في السودان مدنيين كانوا أو عسكريين بسبب الإصابات وعمليات البتر المتعددة لأطرافهم التي تضررت كلياً نتيجة إصابات خطرة بالرصاص والذخيرة، ولن ينكشف الحجم الحقيقي الكلي لهذا الأمر إلا بعد توقف الحرب، لكن المرجح أن تكون الأعداد كبيرة بصورة مخيفة".
معاناة مزدوجة
يضيف عبدالرحيم أن "معظم الذين نزحوا من المعاقين كانت وجهتم في المرحلة الأولى مدينة ود مدني، لكن بعد اجتياحها بواسطة قوات (الدعم السريع) ارتبك الوضع وسادت فوضى الفرار، ما اضطر بعضهم للتوجه إلى الشرق في كسلا والقضارف وبورتسودان التي استقبلت مئات المعاقين تجاوز 400 فرد منهم معظمهم من الخرطوم والجزيرة، بينما اتجه آخرون مع ذويهم إلى الشمال، وللأسف ما زال بعضهم عالقا في ود مدني وقرى أخرى في ولاية الجزيرة".
يردف، "كانت رحلة فرار عديد من المعاقين من الخرطوم من أصعب المهام نظراً إلى الوضع المملوء بالفوضى والكلف الباهظة وشح الوقود ونقاط الارتكاز وعمليات التفتيش التي يقوم بها الطرفان في مناطق سيطرتهما، فضلاً عن أن الذين اضطروا إلى الفرار من ولاية الجزيرة مرة أخرى على ظهر شاحنات ومركبات بضائع مكشوفة لا تناسب ظروفهم وتسببت في معاناة ومشكلات كبيرة لهم".
قسوة النزوح
يتابع عبدالرحيم، "كان وقع الخوف والقلق على المعاقين وأسرهم كبيراً خلال الحرب التي دمرت عديداً من المباني بما فيها مراكز العلاج والإيواء، وانعدمت مع خدمات المياه والكهرباء والصحة معظم الضرورات الملحة، والمعينات الخاصة بذوي الاحتياجات الخاصة وفرار الكوادر المعاونة ومنسوبي المنظمات الإقليمية والدولية المعاونين وانقطاع العون والمساعدات". ويكشف عن أن كثراً من المعاقين واجهوا مصيراً غامضاً بعد أن فقدوا التواصل مع أسرهم، وبخلاف كونهم صيداً سهلاً للمعارك والقتل في غياب دور الرعاية الخاصة بهم، علق بعضهم لأيام وسط المعارك في الخرطوم أو الذين افتقدوا المساعدة اللازمة في مناطق البلاد الأخرى، بعد تعرض كثر من المراكز والمؤسسات الراعية لهم ولتوفير حاجاتهم ومعيناتهم".
ويوضح الناشط المجتمعي أن النازحين من ذوي الإعاقة يعانون في مناطق نزوحهم الجديدة شح دور الإيواء وانعدام الدواء والكساء بسبب انقطاع العون والدعم الاجتماعي وباتوا بالفعل مهددين بالجوع، فضلاً عن صعوبة الحصول على الخدمات الصحة والعلاج ومياه الشرب على نحو يتماشى مع ظروفهم وحاجاتهم.
ووفقاً لحمزة الرشيد سليمان، والد أحد ذوي الاحتياجات الخاصة، فإن ذوي الإعاقات المختلفة بما فيها البدنية فقدوا حقوقهم وخصوصية تعاملهم خلال هذه الحرب اللعينة، مما ضاعف معاناتهم حتى في المناطق التي نزحوا إليها سواء بمفردهم أو مع أسرهم، إذ ما زالوا يواجهون مشكلات وضغوطاً اجتماعية ونفسانية كبيرة نتيجة ضياع حقوقهم التي نصت عليها المواثيق المحلية والدولية، فيما غاب دور وتجاوب المنظمات الإنسانية في وقت تتزايد فيه الحاجة.
جهود قاصرة
يتابع حمزة الرشيد "على رغم المساعي والجهود الكبيرة من السلطات المحلية المتخصصة في مناطق النزوح ومع الشركاء واتحاد المعاقين في حصرهم وتحديد حاجات ذوي الإعاقة لتقديم ما تيسر من مساعدات لهم"، فإنها بحسب عبدالرحيم، "تقصر عن الوفاء بكل حاجاتهم، لا سيما ما يتعلق بتوفير الإيواء المناسب بالحد الأدنى من مطلوباتهم، بالتالي ما زالوا يواجهون أوضاعاً صعبة في مناطق النزوح نتيجة عدم وجود مراكز متخصصة كافية في الولايات، وإذ وجدت فهي متواضعة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومع عدم توفر إحصاءات دقيقة حول أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة في البلاد بصورة عامة، فضلاً عن الإعاقات الجديدة التي تسببت فيها الحرب، يشير التعداد السكاني الخامس لعام 2008، بأن عددهم بلغ نحو 1.985.854 بنسبة 4.8 في المئة من إجمالي سكان البلاد المقدر وقتها بـ39.2 مليون نسمة.
اضطرابات نفسية
من جانبها تقول الباحثة النفسية رؤى الأمين إنه بخلاف الإعاقات الجسدية المختلفة فقد عانى عديد من ذوي الاحتياجات الخاصة مشكلات إضافية تتعلق باضطرابات القلق والخوف والرعب المفرط، بخاصة أن الأخطار كانت تحاصر العالقين من لم يتمكنوا من الفرار داخل بيوتهم وسط معارك عنيفة داخل معظم أحياء العاصمة.
مع الشلل الذي أصاب المنظومة الصحية بخروج أكثر من 85 في المئة من مؤسساتها عن الخدمة في مناطق القتال عانى الموجود منها ضغطاً كثيفاً، بخاصة المستشفيات الولائية والمحلية الطرفية وفي مناطق النزوح مع الندرة والشح في العلاجات والأدوية إلى جانب الضغط على الكوادر العاملة.
وشهد مستشفى النور بمنطقة الثورة بمحلية كرري بأم درمان بالعاصمة السودانية، نحو 300 عملية بتر للأطراف لأشخاص أصيبوا بسبب المعارك خلال فبراير (شباط) الماضي، وفق جيل لولر، رئيس العمليات الميدانية والطوارئ بمنظمة رعاية الطفولة التابعة للأمم المتحدة "يونيسيف" بالسودان.
كشفت مسؤولة "يونيسيف"، خلال زيارتها برفقة فريق ضم 12 من موظفي المنظمة، إلى منطقة أم درمان، في أول مهمة تعود فيها الأمم المتحدة إلى الخرطوم في ظل إطلاق النار شبه المستمر هناك منذ نشوب الحرب منتصف أبريل (نيسان) الماضي، عن هدوء نسبي رغم استمرار سماع أصوات لإطلاق نار مدفعي على مسافة بعيدة، مع وجود مسلح كثيف في الأسواق والشوارع وحتى المستشفيات.
تقاسم الأسرة
أضافت لولر، "وفق الأطباء فإن الحاجة تتزايد، فقد رأينا ما بين اثنين وثلاثة مرضى أحياناً يتقاسمون الأسرة، فضلاً عن الإرهاق وسط الموظفين الذين يعيش كثر منهم عملياً في المستشفى نفسها، ولم يحصل معظمهم على رواتب منتظمة منذ أشهر، أمر واضح، وكذلك الإحباط بسبب نقص الإمدادات والمعدات والمساحة".
أشارت المسؤولة الأممية إلى أن زيارة الوفد تهدف لتفهم الظروف التي يعيشها الأطفال بعد مرور أكثر من 11 شهراً على القتال، والوقوف الميداني على الأنشطة التي تدعمها المنظمة مع الشركاء المحليين لتوصيل الإمدادات والخدمات المنقذة للحياة، إلى أجزاء من مدينة أم درمان التي تمكنوا من الوصول إليه في الأقل.
تابعت، "بسبب انقطاع الكهرباء وتعطل المولد الاحتياط تعمل الكوادر الطبية في الظلام ويستخدمون عبوات الثلج للمحافظة على لقاحات سلسلة التبريد المهمة ومع اقتراب فصل الصيف، فإن أكياس الثلج هذه لن تدوم".
أضافت لولر، أن نحو 24 مليون طفل في كافة أرجاء السودان يحتاجون ويستحقون السلام، وفي حاجة ماسة إلى وقف إطلاق النار وحل سياسي دائم وفرصة ليكونوا أطفالاً، مشيرة إلى أن انتشار الجوع منتشر على نطاق واسع، وهو الشاغل الأول الذي يعبر عنه الناس، وعلى رغم وجود مواد غذائية في السوق، فإنه يصعب على معظم الأسر تحمل كلفها.
وفي الـ25 من أبريل (نيسان) 2009 صادق السودان على اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والبروتوكول الملحق بها.
كفالة نظرية
كفل دستور السودان الانتقالي لسنة 2005 في الباب الثاني (وثيقة الحقوق) الضامنة لحقوق الإنسان بصورة عامة، وصدر تبعاً لذلك قوانين وطنية تهتم بتلك الحقوق بما فيها قانون الأشخاص ذوي الإعاقة لسنة 2009.
وأشار تقرير سابق للمجلس القومي للسكان التابع لوزارة الرعاية والضمان الاجتماعي عن وضع حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في السودان ومدى تمتع هذه الفئة بجميع حقوقها المكفولة نظرياً بموجب الدستور والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها السودان إلى عديد من التحديات والصعوبات، أبرزها النزاعات القائمة وقتها في إقليم دارفور وعدد من المناطق في السودان، مما أثر في تمتع الأشخاص ذوي الإعاقة بجميع حقوقهم.
وطالب التقرير المجتمع الدولي بالضغط على الحركات المسلحة وقتها للجلوس والتفاوض ودعم عملية السلام بتنفيذ برامج موجهة بفض النزاعات وإحلال السلام، إلى جانب تقديم الدعم المالي والفني والتدريب وبناء القدرات للمؤسسات الوطنية من أجل الإسهام في حماية وترقية هذه الفئات وتقوية دورهم وإشراكهم في عملية التنمية المستدامة من خلال تنفيذ الخطة القومية لمسائل الإعاقة.
الأرياف
وأشار التعداد نفسه إلى أن معدل الإعاقة في الريف يفوق نظيره بالحضر بـ1.3 في المئة، وأن نسبة ذوي الإعاقة وسط الذكور تبلغ 53 في المئة من جملة الأشخاص ذوي الإعاقة، مقابل 47 في المئة وسط الإناث.
وأدت الحرب المندلعة في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 إلى انخفاض الدخول بنسبة 50 في المئة وتراجع القدرة الشرائية، كما دفعت بنحو مليوني سوداني جدد للانضمام إلى ما يقارب 26 مليون آخرين يعيشون أساساً تحت خط الفقر منذ عام 2019 بحسب تقارير بنك السودان، مع بدء انهيار العملة السودانية بصورة كبيرة وشح السيولة النقدية المتداولة.
وأسفرت حرب السودان عن سقوط أكثر من 14 ألف قتيل في عموم البلاد، إلى جانب تدمير البنى التحتية، وقدر عدد النازحين داخلياً جراء الحرب بأكثر من 11 مليون نازح في تسع ولايات سودانية يتوزعون على 67 من المحليات، 90 في المئة منهم من ولايات الخرطوم، الجزيرة ودارفور، منهم ما يزيد على 4 ملايين امرأة وأكثر من 3 ملايين طفل، وفق مفوضية العون الإنساني القومية، صنفت كأكبر أزمة نزوح في العالم، بحسب الأمم المتحدة، فيما لجأ أكثر من 1.7 مليون منهم إلى دول الجوار.