ملخص
لماذا لا توجد إسرائيل هدفاً رئيساً على قائمة تنظيمات الإسلام السياسي مثل "القاعدة" أو "داعش"؟
في إطار فقه الأولويات لا توجد إسرائيل هدفاً رئيساً على قائمة تنظيمات الإسلام السياسي لجماعات مثل "القاعدة" أو "داعش"، إذ إن حرب الأنظمة هو الأساس والهدف، وهو ما يشير إلى عديد من علامات الاستفهام في هذا السياق، بخاصة أن ترتيب الأولويات في نهج تنظيمي "القاعدة" و"داعش" واضح، وسبق أن طرح في سياقات عدة مرتبطة بأطر نظرية تتعلق بالحرب على إسرائيل وتحرير المسجد الأقصى، والحفاظ على المقدسات الإسلامية، التي لا تزال في حوزة الجانب الإسرائيلي على رغم الإشراف الهاشمي على هذه المقدسات الإسلامية بناءً على اتفاق بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل والحكومة الأردنية.
لذا، يبدو التساؤل وجيهاً: لماذا لم توجه هذه التنظيمات مصادر تهديداتها إلى إسرائيل؟ خصوصاً بعد الحادثة التي راح ضحيتها أكثر من 115 شخصاً في موسكو، وأعلن "داعش" تبنيها.
مبررات مطروحة
دائماً ما تشير تنظيمات الإسلام السياسي إلى أن الحرب على إسرائيل ليست اليوم، إنما في المدى المنظور وفق أولويات محددة ومنضبطة وموضوعة في إطار الأولويات المؤجلة، وإسقاط النظم (الجائرة) هو الذي يجب أن يكون على رأس الأولويات لكل عضو في التنظيم. وعليه لم تستهدف إسرائيل بأية أعمال داخلية، ولم تشهد المدن الإسرائيلية أية أحداث كبيرة على غرار الـ11 من سبتمبر (أيلول) مثلاً.
وفي هذا السياق، نجت إسرائيل من تحركات الحركات المتطرفة التي تعمل في الضفة الغربية والأردن، ومع ذلك لم تدخل إلى إسرائيل، وهناك تصورات عدة في هذا السياق، الأول: عدم رغبة التنظيمات في الدخول في مواجهة وقتية أو عاجلة، ومن خلال أعمال في عمق إسرائيل، وليس الأراضي الفلسطينية، سواء في الضفة أو غزة، بل وفي الجوار الأردني.
أما الثاني فمناعة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وملاحقة عناصر التنظيمات المتطرفة، وهو ما يفسر أن تنظيمي "القاعدة" و"داعش" وعبر عشرات البؤر والخلايا لم تصل إلى إسرائيل، ولم تسعَ إلى الدخول في مواجهات موجعة، بل ظل الأمر في إطار من الخيارات التهادنية، ولحين إشعار آخر، وهو ما يؤكد أن هدف هذه التنظيمات الرئيسة ليس تحرير القدس أو المقدسات الإسلامية من العدو الإسرائيلي، إنما التعايش مع المحتل والتسليم بوجوده، وهو ما يفسر أيضاً لماذا تقبّل الجانب الإسرائيلي هذا التصور، وفي إطار التعايش مع الأخطار الحقيقية الكامنة لهذه التنظيمات، وفطن لتوجهاتها الإعلامية.
مواقف محددة
واقعياً، ظل تنظيم "القاعدة" والفروع الموالية له أكثر التنظيمات الإرهابية، وكذلك "داعش" أكثر اشتباكاً مع الأحداث، من حيث عدد البيانات الصادرة عنه، وكذلك من حيث حدة الرسائل والدعوات التحريضية لتوسيع رقعة العنف ضد المصالح الإسرائيلية والغربية في المنطقة، فيما اتخذ "داعش" موقفاً مغايراً تجاه "حماس"، إذ أبدى التنظيم ترحيبه بالعملية التي نفذتها الحركة، على رغم أن "داعش" يناهض "حماس"، ويصفها بأنها مرتدة، وإن كان من المتوقع أن يتأثر نشاط تنظيم "داعش" في الشرق الأوسط خلال الفترة المقبلة، بسبب تطورات الحرب الإسرائيلية في غزة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
عندما بدأت الحرب على غزة لم يكن هناك أي مقاربة حقيقية للالتحام مع المشهد أو دعم حركتي "حماس" و"الجهاد"، وظلت القوى الرئيسة في تلك الفصائل الموجودة في العراق وسوريا، إضافة لـ"حزب الله"، وإن كانت الميليشيات الحوثية و"حزب الله" قد نجحا في نقل رسائل حقيقية إلى الجانب الإسرائيلي، وتغيير المواجهة إلى مسارح عمليات هددت الأمن القومي الإسرائيلي، بخاصة في اتجاه الممرات، وأهمها البحر الأحمر ومضيق باب المندب، مما يؤكد أن هذه الأطراف الوكيلة، التي تعمل من خلال مظلة إيرانية قادرة على التعبير عن وجودها بصرف النظر عن صورة التعامل، أو الطرح الذي تمثله هذه التنظيمات من أخطار على الأمن القومي الإسرائيلي.
وفي المقابل لم يتبن تنظيم "القاعدة" أو "داعش" أية مقاربات حقيقية، واكتفى بإصدار سلسلة بيانات إعلامية ليس أكثر تؤكد دعم المقاومة الفلسطينية والوقوف بجوارها، ورفض ترحيل الفلسطينيين وإتمام الترانسفير، وتضمنت البيانات الصادرة سلسلة من الوقائع والأحداث الروتينية دون تقديم أية صور للدعم، ولو رمزية، إذ لم يعلن تهديد المصالح الإسرائيلية في الإقليم، وما أكثرها، أو في الخارج من خلال استهداف الوجود الإسرائيلي في بعض الدول الأوروبية، وغيرها، إذ لم تبادر هذه التنظيمات بإبداء أية خطوات، ولو نظرياً، واكتفت بدورها الراهن على رغم أنه في بدايات الحرب على غزة أطلقت هذه التنظيمات، بخاصة في العراق وسوريا، مسعاها إلى مواجهة ما يجري من تطورات، والانضمام إلى جبهة الدفاع عن غزة، وليس بخاف أن يسعى تنظيم "داعش" إلى استغلال تراجع نشاط تنظيم "القاعدة" في منطقة الشرق الأوسط لصالحه، واجتذاب مقاتلي "القاعدة" الذين قد ينشقون عنها، من خلال إرضاء طموحات مقاتليه بتنفيذ عمليات، إذ إن عودة نشاط التنظيم في سوريا والعراق تحمل رمزية التأسيس للتنظيم، التي انتشر منها في باقي دول الإقليم.
رسائل إعلامية
تأكيداً لما سبق، نشرت جماعات عدة منها القيادة العامة لتنظيم "القاعدة"، و"القاعدة في الجزيرة العربية"، و"القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، و"حركة الشباب الصومالية"، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين"، و"حراس الدين"، وعدد من التنظيمات الموالية لـ"داعش"، بيانات متتالية ومكثفة منذ بدء الأحداث في غزة، وقد تراوح مضمون البيانات ومواقف الجماعات الإرهابية تجاه الأحداث بين التأييد والترحيب والتحريض والتهديد، ودعت إلى استلهام الهجوم وتكتيكاته في إرباك المصالح الغربية في المنطقة.
وتضمنت هذه البيانات عدداً من الرسائل التحريضية والدعوات إلى تنفيذ عمليات حددت أهدافها، أهمها أهمية استكمال نصرة أهل غزة في العالم الإسلامي من خلال الدعوة إلى التظاهر والتضامن، وتقديم الدعم المالي، والدعوة إلى توسيع دائرة العنف خارج غزة، إذ تشمل الضفة الغربية، والداخل الإسرائيلي، واستهداف المصالح الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين في الخارج والتركيز على شن هجمات "الذئاب المنفردة" ضد المصالح الإسرائيلية في الخارج.
في هذا السياق، أصدر تنظيم "القاعدة في شبه القارة الهندية" من قبل بياناً أشاد فيه بكتائب القسام دون ذكر حركة "حماس"، مؤكداً أن عملية "طوفان الأقصى" هي الرد المناسب للعدوان الإسرائيلي المدعوم أميركياً، والصيغة ذاتها تكررت في بيانات تنظيم "القاعدة" في اليمن، وتنظيم "حراس الدين" السوري و"حركة الشباب الصومالية"، وكذلك في البيان المشترك لتنظيم "قاعدة الجهاد في بلاد المغرب الإسلامي" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وبيان القيادة العامة لتنظيم "القاعدة" الذي أشاد بدور "المجاهدين في فلسطين بالمعركة". ويظهر تأثر خطاب تنظيم "القاعدة" تجاه الحرب، بحكم حضور القضية الفلسطينية مكوناً رئيساً في خطاب التنظيم.
خطاب موجه
اللافت أن الخطاب الإعلامي لهذه التنظيمات تركز بالفعل على الأقوال لا الأفعال، ومحاولة استثمار ما يجري من تطورات متعلقة بسير المواجهات، في محاولة للعودة إلى مراكز حضورها وانتشارها، وهو ما أكد أن تنظيمي "القاعدة" و"داعش" لم يقوما بأي خطوة في هذا الإطار، واكتفيا بخطابهما الإعلامي الموجه، ومن خلال تكرار ما كان يتسق مع الطرح الدولي لرسالة "القاعدة" و"داعش" من قبل بعدم الدخول في مواجهات مع إسرائيل، بخاصة أنه كان من المتوقع أن يكون دعم هذه التنظيمات في محاولة استهداف إسرائيل لكسب مزيد من التعاطف الدولي تجاه هذه الجماعات، لكن يبدو أن هذه الجماعات فضلت الاحتكام إلى مواقفها السابقة في العمل، وفق مخططها المتعارف عليه، بخاصة أن تأكيد محاصرة القطاع، ودخول القوات الإسرائيلية فرض واقعاً استراتيجياً وعسكرياً صعب التعامل معه، بخاصة أن هذه التنظيمات رفضت الدخول في أي مقاربة للتهدئة، أو التوصل إلى هدنة، بل وتبني مقاربة الاستمرار في الحرب على رغم سقوط آلاف الفلسطينيين في المواجهات، والهدف عدم إسقاط الثوابت في تبني مصالحات أو تهدئة، ولو بصورة موقتة، ما يؤكد أن خيار المقاومة النظري ظل قائماً ومستمراً، أما الدخول في مواجهات أو العمل على تبني حل حقيقي غاب تماماً، ولم يعد له حضور أو وجود من أي نوع، ما يؤكد أن ترجمة الأقوال إلى أفعال يحتاج إلى تدخل ودعم حقيقي، وليس فقط إطلاق البيانات أو التصريحات على لسان قادة "داعش"، بل وتنظيماتهم الفرعية في اليمن والعراق وسوريا، بل ومن خلال التنظيمات الأخرى المتطرفة التي اكتفت بهذا الخطاب الإعلامي.
في مقابل ذلك كانت هناك تحذيرات من قيادات أجهزة المعلومات الإسرائيلية، بخاصة جهاز الأمن الداخلي (شاباك) من خطورة المشهد الداخلي في الضفة الغربية، واحتمال تحرك تنظيمات متطرفة للعمل في داخل الضفة أو في إسرائيل مع التوقع بعمليات انتحارية في الداخل الإسرائيلي، أو استئناف سياسة الدهس، أو استهداف عناصر مدنية، وهو ما لم يحدث، بخاصة مع رفع حالة الاستعداد داخل إسرائيل، وفي مناطق التماس مع الضفة، بل وفي منطقة "ج" تخوفاً من حدوث ذلك، ونقل رسالة حقيقية بأن إسرائيل أرادت التعامل الاستباقي مع ما يجري من خطوات رئيسه في هذا الإطار.
الخلاصات الأخيرة
سيظل الخيار المطروح أمام تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وكذلك "النصرة"، العمل على مسارات نظرية، وعدم الدخول في أي استهداف للمصالح الأميركية أو الإسرائيلية في ظل ما تعانيه هذه التنظيمات من حالة من التأزم والانقسام، بل وتولية بعض القيادات الصاعدة في بعض التنظيمات الفرعية، مما أعاق وجود استراتيجية محددة تعمل في اتجاه دعم المقاومة الفلسطينية، أو استهداف إسرائيل، وهو أمر سيرتبط فعلياً بما سيجري من خطوات، بخاصة في ظل انفتاح المشهد العسكري والاستراتيجي في غزة، واستمرار المواجهة في القطاع، وسقوط آلاف الضحايا، الأمر الذي يؤكد أن الحرب على القطاع "لن تؤدي" في المحصلة الأخيرة إلى تغيير موقف تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، وتدفعهما إلى الدخول في مواجهات حقيقية، وليست مجرد إطلاق تصريحات.
من ثم، فإن ما تردد في شأن توقيت هذه الحرب واستمرارها، يقدم فرصة ذهبية لـ"القاعدة" ولـ"داعش" للعودة مجدداً، وتوظيف ما يحصل لتخفيف الضغوط عليهما، واستغلال الثغرات عبر التمدد وزيادة عملياتهما، كذلك من المحتمل أن يعمل "داعش" على إحياء نمط "الذئاب المنفردة"، توظيفاً لما يجري في حرب غزة، وهو ما يهيئ المناخ لفكرة الصراع مع الولايات المتحدة والدول الأوروبية إن أرادت.