إذا لم يكن هذا واضحا تماما حتى الآن، فإن دونالد ترمب لا يحب وجود من يخالفه الرأي ضمن فريق عمله. فالرئيس هو تجسيد لاسلوب التفكير القائم على مبدأ "بطريقتي أو إلى الخارج"، مما يؤدي إلى معاناة إدارته بسبب لذلك النهج.
كانت آخر خطواته طرد جون بولتون، مستشاره للأمن القومي. من المفترض أن الرئيس كان يعرف مالذي سيحصل حين طلب من بولتون الانضمام إلى إدارته، فالأخير من الصقور المخضرمين في مجال السياسة الخارجية، ولم يكن على وشك أن يبدل آراءه لأنها تخالف وجهات نظر ترمب أو أي شخص آخر في الإدارة الأميركية.
ويأتي طرد بولتون ليكشف عن كل الشقاق وعدم الكفاءة التي يتوقعها المرء داخل البيت الأبيض اليوم، فالقرار جاء فجائيا، واتُخذ بعد فترة قصيرة على إعلان فريق الاتصالات في البيت الأبيض عن ظهور بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الخزانة ستيف منوتشين في إحاطة صحافية الساعة الثانية والنصف من بعد الظهر.
من دون شك، لبولتون آراء مختلفة عن تلك التي يحملها ترمب حيال قضايا تتصل بالأمن القومي والسياسة الخارجية. وبالطبع، فإن فكرة ضمّ شخص مثله إلى الإدارة الأميركية، تعني قبول وجود شخص فيها لن يكون مطيعا دائماً ، أو مستعداً لإعطاء موافقته الضمنية على أي شيء يريد الرئيس فعله.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فبولتون رأى أنه ليس هناك طرف يمكن الوثوق به في كوريا الشمالية و إيران وطالبان إلى حد إبرام اتفاق قائم على النوايا الحسنة مع أي من هذه الجهات. وإذا كان هذا قد أوجد تبايناً في الرأي بين بولتون وترمب على المستوى الشخصي، فقد كان من الضروري وجود شخص ما يلعب دور المدقق لطروحات ترمب الساذجة، خصوصا حين يتصرف الرئيس وكأن كل عملية تفاوض لاتختلف من حيث البساطة عن معاملة عقارية.
شاهدنا سابقا حماقة ترمب في محاولته لإستمالة كيم جونغ-أون كي يبرم اتفاقا نوويا معه، ورفض الرئيس الكوري الشمالي التخلي عن برنامجه النووي علاوة على أنه يثير قلق جيرانه بتكرار تجارب اطلاق الصواريخ قصيرة المدى . وفيما لا تُعتبر الحرب التجارية بالضرورة جزءا من نطاق اختصاص بولتون، فإن فشل ترمب في ضمان اتفاق تجاري مع الصين يمكن أن يكون له عواقب بعيدة المدى على الأمن القومي.
رفض بولتون في الآونة الأخيرة حضور اجتماع ترمب الغريب بكيم في المنطقة المنزوعة السلاح حيث عبر الرئيس الأميركي إلى كوريا الشمالية. كذلك، لم يتفق بولتون مع قرار ترمب عدم المضي بشن غارة جوية على إيران بعد إسقاطها طائرة استطلاع مسيرة أميركية.
لايعني هذا أن على ترمب أن يأخذ بأي مشورة يقدمها بولتون، فالقائد العام هو الذي يتخذ في نهاية المطاف القرار الأخير بما يخص القضايا ذات العلاقة بالأمن القومي. غير أن وجود شخص مثل بولتون ضمن الفريق المعني بصياغة القرارات، مفيد. فهو لا يخاف على الإطلاق من الإفصاح عن قناعاته والإعلان ما إذا كان السير بهذا المنحى أو ذاك جيدا أم سيئا.
يريد الرئيس الجيد من مستشاريه أن يقدموا له نصائح تقوم على رؤيتهم الموضوعية للموضوع وليس على رغبتهم في إرضائه وكسب الحظوة لديه.
لكن لسوء الحظ، هذا ما يريده الرئيس. فهو يطلب مديحا محضا لكل قراراته من الجميع بمن فيهم أولئك المسؤولين في إدارته. وينظر إلى أي معارضة باعتبارها خيانة لن تمر من دون عقاب. كذلك، فإن ترمب لا يحب أن يخطف شخص الأضواء منه. فبعد أن قال بولتون "ليس هناك شك" في أن تجارب كوريا الشمالية بإطلاق صواريخ قصيرة المدى انتهاك لقرارات الأمم المتحدة، سحب الرئيس البساط من تحته قائلا "زملائي يرون أن ذلك قد يكون انتهاكا، كما تعرفون. أما أنا فأراه بشكل مختلف".
وجاءت القشة التي قصمت ظهر البعير أخيرا حين اختلف بولتون مع ترمب بما يخص فكرة دعوة طالبان إلى منتجع "كامب ديفيد" لإجراء مباحثات سلام. فقد شدّد المستشار السابق على أن بوسع الرئيس سحب القوات الأميركية من أفغانستان وبذلك يكون قد حقق أحد الوعود التي قطعها على نفسه خلال حملته الانتخابية، من دون التوصل إلى صفقة مع الحركة التي ساعدت على قتل آلاف الأميركيين في هجمات 11 سبتمبر(أيلول) 2001.
ألغى ترمب في نهاية الأمر مباحثات السلام لكنه على الأغلب كان منزعجا من أن بولتون لم يتقبل الفكرة واختصم مع بومبيو حول القضية. يبدو أن تسريح شخص يقدم آراء صريحة هو عبارة عن تصرف فج، لكن هذا هو المنحى الذي لايزال سائداً منذ تسلم ترمب مقاليد الحكم، فهناك مجال فقط لمديح الرئيس والموافقة على آرائه، وأي مخالفة له ستصبح مع مرور الوقت جنحة تستحق الطرد.
© The Independent