ملخص
يقيم الرسام السوري نعمان عيسى معرضاً لأعماله الجديدة في بيروت، مقدماً لوحات تعبيرية عمادها وجوه وأشخاص.
يقدّم الرسام السوري نعمان عيسى سلسلة من أعماله الجديدة في غاليري "زلفا حلبي" البيروتية. تنقسم الأعمال المعروضة إلى طبقتين، قديمة نسبياً وأخرى جديدة من آخر اشتغالات الفنان وأعماله. تسلك اللوحات مساراً مغايراً لما قدّمه عيسى سابقاً، من حيث التلوين أو غلبة اللون على التشكيل، بحيث أن ما يبقى من أثر الأعمال السابقة، هو مبدأ اللوحة الذي لا يني يُخرج منها عزلةً ووحشة.
ما يجده الناظرُ في الأعمال هي أصداء للمعارض السابقة وبناء عليها. ما تقع عليه أعيننا هو المساحات اللونية التي تغدو في أعمال الفترة الأخيرة محوريّة ومحدّدة. اللون الأسود أو البني مقرونان بتدرّجات لونية أخرى دون أيّ إعمال لرغبة تشكيليّة، وكأنّ اللوحة تُركت لتمشي وحدها مع كائناتها التي تحتلُّ جزءاً مهماً منها وتترك للفراغ حصته أيضاً.
شخوص متكوّرة
لا نعثر على الشخوص بوضوح في لوحات عيسى، فهي تختفي وتتكوّر على نفسها وعلى مساحة مهمة من اللوحة. هي كائنات بلا وجوه، أو بوجوه غائرة ساكنة، ذات مقدرة كبيرة على جعل اللوحة ذات طقس. هذا الطقس هو الذي نجده في خلفيّة كلّ عمل وأساسه، طقسٌ يمنعُ المتفرّجَ من الانتباه إلى المساحات اللونية الفارغة.
يظهر الكائن في لوحته متربعاً في وسطها، ومن خلفه الأحمر القاني، واسعاً ومسيطراً على العمل وحوافه. هذا الكائن الذي يبدو من بعيد وكأنّه شظيّة محترقة خشنة مليئة بالتجاويف ومثقلة بالتجاعيد، هو ابن العالم اليوم الذي نراه في كلّ لحظة.
يمكن النظر إلى أعمال نعمان عيسى بوصفها أعمالاً تقع بين ثنائيتين: أولى واضحة وثانية ضاجّة. بعبارة أدق، هي أعمال قادمة من وجوه تحدّق فينا، أشكالٌ وخطوط خام، تتشكّل شيئاً فشيئاً لتبني اللوحة. ربما يعود الأمر، بالدرجة الأولى، إلى كيفية تسيير اللون المستخدم، وقدرته على تقديم محتوى محايد لا يُعيد المفترج إلى صورة أو عمل لحظة مشاهدته، كما لا تفرض ما تنطوي عليه، على المشاهد. فالأعمال المعروضة، على عكس صاحبها، تصف الكائن البشري بأقل كلام ممكن.
ليس مستغرباً أن تردّنا توشيحات عيسى أو أن توحي إلينا بأنها أجساد. أجساد قوامها المادة اللونية، متراكمة بعضها فوق البعض، ومبسوطة كلّ البسط كأنها ملقاة على غاربها. حفنة من المواد المجهولة تصل بالناظر إلى حواف التعبيرية وبواطنها، وتجعله يتعايش مع اللوحة وكأنها بناء واحد أمامه، بناء هو الداخل والخارج معاً، داخل الأحشاء وخارجها ترويه اللوحة ببراعة تامة.
بين الشخوص الترابيّة وما يدور حولها تظهر بنية اللوحة وتتجلى لدرجة أنّها توحي وكأنها مستخرجة من قشرة الأرض. أجساد تردّنا إلى الوحل والتصحّر العاري من أيّ شيء سوى اللون والتشققات التي ترافقه وتمشي معه. ألوان قوية حادة وغنية وعنيفة في باطنها، لكنها ليست منفّرة، وكأنّ عنفها في صلبها. أما الجسد الملقى بسلاسة في بطن اللوحة، فهو مصوّر من داخله، ألوانه تدل عليه ولا تزال حية فيه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هنا ربما تقترب أعمال عيسى من الناظر وتدخل في نفسه وتغيّر فيه وتحيلُ مشاعره إلى متناقضات أمامها، بتفاصيلها القليلة ودربتها التي تبدو مبعثرة على كلّ سطحها بلا وحدة أو انتظام. فقط تراكم وبناء لون على لون للوصول إلى الشاكلة المطروحة. تراكم يظهر وكأنّه قرين الصّمت أو رديفه في سيولة اللوحة وقالبها.
هكذا لا نجد اللوحة لديه ثريّة أو تعجُّ بالأشكال بل هي قليلة المعالم على وفرة في الطرح والضربة واللطخ، تقول ما لديها وتنسحب.