سيكون منتصف عام 2024 موعداً متوقعاً لارتفاع أسعار الذهب عالمياً، على خلفية ثلاثة عوامل رئيسة، أولها الضعف المتوقع في الدولار مع بدء بنك الاحتياط الفيدرالي (المركزي الأميركي) في أول خفض له في سعر الفائدة بواقع 25 نقطة أساس في اجتماع يونيو (حزيران) المقبل، وسط توقعات بتخفيضين إضافيين بنحو 50 نقطة أساس بحلول نهاية العام، واحتمالات تفجر الأوضاع الجيوسياسية في مضيق تايوان بين واشنطن وبكين، إضافة إلى عامل ثالث هو مواصلة الطلب المادي على الذهب من قبل الأفراد والبنوك المركزية.
ووفقاً لأداة "فيد ووتش" التابعة لمجموعة "سي أم إي"، يتوقع المتعاملون في السوق بنسبة 74 في المئة الآن أن يبدأ الاحتياط الاتحادي في خفض أسعار الفائدة في يونيو المقبل.
ضعف الدولار الأميركي
وتشير توقعات حديثة إلى أن الضعف المتوقع في الدولار بخفض الفائدة الفيدرالية، سيرتفع الطلب على الذهب، بخاصة من قبل أكبر سوقيين ماديين للمعدن الأصفر، الصين والهند، مع مساعي الأسر إلى اكتناز المعدن ملاذاً آمناً ضد الانكماش في حال الصين، وارتفاع الدخل مع تعزيز النمو الاقتصادي في حال الهند.
وارتفعت أسعار الذهب في جلسة، الثلاثاء الماضي، مدعومة بتراجع الدولار مع تحول تركيز المستثمرين إلى بيانات التضخم الأميركية المقرر صدورها في وقت لاحق هذا الأسبوع، والتي قد تلقي مزيداً من الضوء على توقيت أول خفض لأسعار الفائدة من جانب البنك المركزي الأميركي هذا العام.
أونصة الذهب بـ2172 دولاراً
وارتفع الذهب، أخيراً، في المعاملات الفورية 0.1 في المئة إلى 2172.82 دولار للأونصة، بينما انخفضت العقود الآجلة الأميركية للمعدن 0.1 في المئة إلى 2173.70 دولار للأونصة، فيما تراجع مؤشر الدولار 0.3 في المئة مقابل سلة من العملات الرئيسة، مما يجعل شراء الذهب أقل كلفة لحائزي العملات الأخرى.
وبلغت أسعار الذهب مستوى قياسياً الأسبوع الماضي بعدما أشار صناع السياسة في مجلس الاحتياط الاتحادي إلى أنهم ما زالوا يتوقعون خفض الفائدة بمقدار ثلاثة أرباع نقطة مئوية بحلول نهاية عام 2024 على رغم قراءات التضخم المرتفعة أخيراً.
وذكرت أبحاث "بي سي أي" العالمية أن البنوك المركزية ستواصل شراء الذهب مع خفض أسعار الفائدة، لرغبتها في تنويع الاحتياطات الأجنبية بعيداً من الدولار الأميركي، مع وجود حال عدم اليقين الجيوسياسي المتزايد المدفوع بالحرب في أوكرانيا وغزة.
الطلب على الذهب مرتفعاً
ومع مواصلة تراجع التضخم ستنخفض أسعار الفائدة الحقيقية وتنخفض وترتفع أسعار الذهب، إذ ستسمح دورة خفض أسعار الفائدة للدولار بالضعف، بحيث تصبح الأصول خارج الولايات المتحدة أكثر جذباً، وسط توقعات ببقاء الطلب المادي على الذهب قوياً، إلى جانب الطلب، وهو ما يضمن تداول المعدن فوق 2200 دولار للأونصة هذا العام، بحسب مذكرة "بي سي أي".
انهارت أسعار الأسهم الصينية بنحو 60 في المئة من أعلى مستوياتها في عام 2021، علاوة على أن الفوارق الكبيرة في أسعار الفائدة في الصين مقارنة ببقية العالم تؤثر أيضاً في اليوان، ونتيجة لهذه الضغوط الانكماشية والافتقار إلى فرص الاستثمار المناسبة، تضطر الأسر إلى زيادة مدخراتها، ولهذه الأسباب، فضلاً عن خفض أسعار الفائدة، يقدر محللو "بي سي أي" زيادة لأسر من استثماراتها في سبائك الذهب والعملات المعدنية بنسبة 28 في المئة العام الماضي، بسبب قدرتها على تخزين القيمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتتوقع المذكرة أن تستمر هذه الاتجاهات في معنويات المستهلكين هذا العام، إذ لا تنحسر الضغوط الانكماشية، ومع ذلك، فإن الطلب الصيني على الذهب سيتراجع بسبب ارتفاع أسعاره باليوان، بسبب زيادة الطلب في العام الماضي وضعف العملة الصينية، لكن سيرتفع الطلب الفعلي على المعدن في الهند، مع ارتفاع النمو الاقتصادي.
وفي أحدث توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي، يتوقع صندوق النقد الدولي نمو الناتج المحلي الإجمالي في الهند بنسبة 6.5 في المئة هذا العام والعام المقبل، وكان هذا بمثابة تعديل تصاعدي لتوقعات الصندوق الأخيرة.
شراء أوسع في الهند
وعلى رغم أن أسعار الذهب المحلية سجلت أرقاماً قياسية العام الماضي فإن الطلب على المجوهرات الذهبية الهندية انخفض بنسبة ستة في المئة فقط على أساس سنوي مقارنة بعام 2022 القوي، وفقاً لمجلس الذهب العالمي، وارتفعت استثمارات السبائك والعملات الذهبية في الهند بنسبة سبعة في المئة على أساس سنوي، إذ استفاد المشترون من تصحيح الأسعار الذي حدث في الربعين الثالث والرابع من العام الماضي.
ويشير التقرير إلى أن النمو الاقتصادي الهندي الصاعد في العام المقبل سيترجم في ارتفاع إنفاق الأسر، ومن ثم الطلب على الذهب، ومع ذلك، ستتراجع مشتريات الذهب إذا استمرت قوة أسعار الذهب المحلية.
ويلفت التقرير إلى أن تنويع الاحتياطات وعدم اليقين الاقتصادي يبقيان الطلب مرتفعاً على الذهب، إذ ستستمر مشترياته من قبل البنوك المركزية على قدم وساق، التي ستقوم بالتنويع بعيداً من الدولار الأميركي.
توترات أميركا والصين
ووسط الأخطار الجيوسياسية المرتفعة، الناشئة عن الحرب الروسية - الأوكرانية، والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط وزيادة التوترات بين الولايات المتحدة والصين في مضيق تايوان، يتوقع التقرير أن يستمر الشراء القوي للذهب من قبل البنوك المركزية.
واستمرت مشتريات البنوك المركزية من الذهب بوتيرة سريعة العام الماضي، إذ بلغ صافي المشتريات 1037 طناً، أي بفارق 45 طناً فقط عن الرقم القياسي عام 2022، وهو ما يتوقع له أن يستمر الاتجاه، بخاصة بين دول الأسواق الناشئة التي تتطلع إلى تنويع احتياطاتها من النقد الأجنبي التي يهيمن عليها الدولار من طريق الذهب.
ويشير البحث إلى أن عدم اليقين في السياسة الاقتصادية العالمية سيبقي الطلب على الذهب، مع مواصلة الحروب، وهو ما يدفع الأسر، التي تخشى خفض قيمة العملة المحلية، إلى التحوط ضد أخطار التضخم.
وكان كبير محللي السوق في شركة "كيه سي أم للتجارة" تيم ووترر، قال أول من أمس، إنه "لا تزال البيئة جيدة تماماً على ما يبدو بالنسبة إلى أسواق المعادن النفيسة... لا تزال الأسواق تتطلع إلى قيام مجلس الاحتياط الاتحادي بخفض وشيك لأسعار الفائدة، ويبدو أن يونيو هو الشهر الأكثر احتمالاً لبدء أول خفض لأسعار الفائدة"، فيما توقع بنك "غولدمان ساكس" ارتفاع أسعار السلع الأساس هذا العام مع تحرك البنوك المركزية الرئيسة نحو خفض الفائدة، مرجحاً تسجيل سعر الذهب مستوى 2300 دولار للأونصة بنهاية 2024.