ملخص
يعد اغتيال بلعيد الذي كان يصدح بمواقف قوية تنتقد سياسات "حركة النهضة" أول اغتيال سياسي تعرفه تونس في تاريخها المعاصر، مما جعل وطأته تكون شديدة على الأوساط السياسية كافة في البلاد بل كاد يسقط تونس في دوامة عنف بين الإسلاميين والعلمانيين.
أشاع حكم أصدره القضاء في تونس بإعدام وسجن ومراقبة 23 متهماً بالضلوع في اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد أجواء من التفاؤل داخل الدوائر السياسية والشارع باقتراب حسم ملف الاغتيالات السياسية التي عرفتها البلاد عام 2013.
وعلى رغم أن القرار القضائي شمل المتهمين في قضية قتل بلعيد في السادس من فبراير (شباط) 2013 إلا أن الأوساط السياسية في تونس رأت فيه بداية قطف ثمار الجهود التي يبذلها محامون من أجل الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية التي طاولت أيضاً القيادي الناصري محمد البراهمي الذي اغتيل في الـ25 من يوليو (تموز) من العام ذاته.
وكثيراً ما شكل ملف الاغتيالات السياسية مادة دسمة للسجالات بين "حركة النهضة" الإسلامية التي كانت تقود "ترويكا" حكومية وقتذاك (2011 – 2013)، وخصومها الذين يتهمونها بالتورط في هذه الاغتيالات والتسامح معها.
جهود للكشف عن الحقيقة
ويُعد اغتيال بلعيد الذي كان يصدح بمواقف قوية تنتقد سياسات "حركة النهضة" أول اغتيال سياسي تعرفه تونس في تاريخها المعاصر، مما جعل وطأته تكون شديدة على الأوساط السياسية كافة في البلاد بل كاد يسقط تونس في دوامة عنف بين الإسلاميين والعلمانيين، لذا تجدد السجال بعد ساعات من النطق بالحكم بين أحزاب سياسية والحركة التي سعت إلى الدفاع عن نفسها من الاتهامات التي تلاحقها في شأن الاغتيالات السياسية.
وقال الأمين العام لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (الوطد) وهو حزب بلعيد، زياد لخضر، إن "هيئة الدفاع عن شكري بلعيد ومحمد البراهمي ستواصل جهودها من أجل الكشف عن الحقيقة ونحن في تنسيق تام معها بغية بلوغ ذلك".
وأردف لخضر في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن "حزبنا وهيئة الدفاع سيحاولان الدفع نحو أن تجد ملفات الاغتيالات السياسية طريقها إلى الحل (..) ومن حوكموا أمس جزء من المتورطين أو المتهمين بقضية اغتيال شكري بلعيد وعندما انطلقنا في البداية كان هناك متورطون عدة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشدد على أن "هناك ملفات أخرى سيتم فتحها على غرار الجهاز السري لحركة النهضة ومن موّل وخطط لتنفيذ جريمتي الاغتيال، نحن نعمل على الكشف عن الحقيقة كاملة والمعركة لا تزال متواصلة".
والنبش في ملفات مثل ما يُعرف بالجهاز السري لـ"النهضة" من شأنه أن يغذي الانقسامات والخلافات بين الحركة وخصومها، إذ رفض القيادي فيها بلقاسم حسن أمس اتهامات هيئة الدفاع عن ضحايا الاغتيالات السياسية معتبراً أن قرار القضاء أنصف حزبه.
وقال حسن في تصريحات بثتها إذاعة "ديوان أف أم" المحلية والخاصة إنهم "كانوا (في إشارة إلى خصوم النهضة) ينتظرون التفاف الحبل على عنق الحركة، لكن التهم تساقطت وستنهار مثل أحجار الدومينو لذلك يجب إعادة الاعتبار لزعيم الحركة راشد الغنوشي الذي يعد رجل فكر وسياسة تم إقحامه في الاغتيالات السياسية واتهامه جزافاً".
خطوة متقدمة
في المقابل، أبدت أرملة محمد البراهمي تفاؤلها وارتياحها للحكم الصادر أمس، قائلة إن هذه التطورات في ملف بلعيد ستنعكس على تسريع النظر في قضية زوجها الذي قُتل هو الآخر على يد متشددين في 2013.
وقالت مباركة البراهمي إن "العائلة انتظرت الكشف عن الحقيقة عقداً كاملاً من الزمن ولن يكون من العسير عليها الانتظار بضعة أشهر أخرى للتوصل إلى الحقيقة".
والتطورات في ملفات الاغتيالات السياسية جاءت بعد أشهر من حث الرئيس التونسي قيس سعيد، الأجهزة القضائية على بتّ هذه القضايا، مؤكداً في ديسمبر (كانون الأول) 2023 أن "من حق الشعب التونسي معرفة الحقيقة ومن حقه أيضاً محاسبة من أجرم في حقه".
وجاء تحرك الرئيس التونسي بعد أشهر من إقالته عدداً من القضاة من بينهم رئيس النيابة العامة السابق بشير العكرمي وإيداعه السجن بعد أعوام من اتهامه من قبل هيئة الدفاع عن ضحايا الاغتيالات السياسية بـ"التلاعب بالملفات المطروحة أمامه" وهي اتهامات بقيت من دون رد سواء بالنفي أو التأكيد في ظل صمت لازم الرجل إلى حين عزله مع 57 قاضياً آخر من قبل سعيد.
واعتبر الباحث السياسي الجمعي القاسمي أن "الأحكام الصادرة أمس خطوة متقدمة، لكنها منقوصة بمعنى أن ملفات الاغتيالات السياسية فُككت خلال فترة حكم حركة النهضة للبلاد إلى أكثر من قضية والأحكام الصادرة حاكمت من نفذوا فقط أي أدوات التنفيذ ولم تتطرق إلى الذين أمروا وخططوا وموّلوا ووفروا المسائل اللوجستية لعملية اغتيال كهذه".
وتابع القاسمي، "مع ذلك يمكن القول إن ما حدث خطوة متقدمة على طريق الكشف عن حقيقة الاغتيالات السياسية، وبذلك طي صفحة هذه الملفات (..) أعتقد بأن الزمن القضائي بدأ يتحرك متخلصاً من قبضة سياسية كانت تسيطر عليه والأمل في أن تعالج بقية الملفات الأخرى المهمة وما لها من تأثيرات مباشرة في قضية الاغتيالات السياسية".
وأكد أن "هذه الملفات بدأت تتزحزح من مربع الجمود إلى مربع التحريك الذي قد يصل في النهاية إلى مراده وهذا ما يتمناه الجميع أي حسمه بصورة نهائية".
وكانت وزيرة العدل التونسية ليلى جفال شكلت في فبراير 2023 لجنة خاصة مكلفة "متابعة ملف الاغتيال" والتدقيق في التحقيقات والملاحقات التي باشرتها الشرطة والقضاء إزاء الاغتيالات السياسية.
ومع بدء التحركات القضائية في توقيت مثير على مستوى دلالاته السياسية، فإنه من غير الواضح ما إذا سيقود ذلك إلى بت نهائي لهذه الملفات على نحو يضع حداً للاشتباك.