ملخص
بعد مرور 8 أشهر على تقاعد حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، انتقل من موقعه الدفاعي بالقضايا المرفوعة ضده إلى موقع الهجوم والطعن بإجراءات النيابات العامة مما دفع "هيئة القضايا" اللبنانية إلى التحرك لتطويقه.
خمس سنوات مرت على الانهيار المالي والاقتصادي الذي عصف بلبنان وأدى إلى نتائج كارثية ابتداء من أكتوبر (تشرين الأول) 2019، حين تبلورت بصورة رئيسة باحتجاز نحو 153 مليار دولار من أموال المودعين في المصارف، وانهيار تاريخي لليرة اللبنانية التي فقدت 98 في المئة من قيمتها، في وقت عجز المجلس النيابي عن إقرار القوانين الضرورية للسيطرة على الأزمة، وكذلك الحكومات المتعاقبة التي لا تزال تبحث بخطة إنقاذ اقتصادي وتتعثر بمفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي.
الملاحقات القضائية
يختلف المتخصصون في الشأن الاقتصادي في توصيف مسؤولية الأزمة الاقتصادية في لبنان، بين من يعتبر أن حاكم المصرف المركزي السابق رياض سلامة يتحمل المسؤولية كونه سهل للحكومات استخدام أموال المودعين عبر إقراض الدولة لتغطية عجزها إضافة إلى قيامه بهندسات مالية وإصراره على سياسة تثبيت سعر الصرف بـ1500 ليرة مقابل الدولار مما استنزف الاقتصاد، وبين من يستغرب حصر الملاحقات القضائية بشخص سلامة، علماً أن تقرير شركة التدقيق الجنائي "ألفاريز أند مارسال" والتقرير التقني لصندوق النقد الدولي وتقارير عدة صادرة عن البنك الدولي، أجمعت على أن أبرز أسباب الانهيار تتلخص بفشل قطاع الكهرباء الذي تسبب بخسارة 45 مليار دولار، والتهرب الضريبي والتسيُّب على الحدود مع سوريا الذي بدوره تسبب بهدر أكثر من 20 مليار دولار.
مواجهة النيابات الأوروبية
تقول الأجواء المقرّبة من سلامة إن سياسيين لبنانيين أرادوا الهروب من احتمال المحاسبة القضائية أو الشعبية، فتقدموا بإخبارات قضائية في دول أوروبية عدة حيث يمتلك سلامة أموالاً أو عقارات، مدعين أن مصدرها جرائم تبييض أموال وفساد واختلاس للمال العام بحكم موقعه كحاكم للمصرف المركزي اللبناني. وحسب الأجواء نفسها، فإن صدور ملاحقات ومذكرات توقيف من النيابات العامة الفرنسية والألمانية بقضية تحويل 330 مليون دولار من مصرف لبنان عبر عقد منح لشركة "فوري أسوشيتس"، وهي شركة مملوكة لشقيق حاكم مصرف لبنان رجا سلامة، لا يعني إثبات الإدانة، إلا أنها تسببت بتجميد أموال وأملاك سلامة في تلك الدول مما دفع موكلي سلامة وشقيقه رجا وابنه نادي وشركة Louise 209A وشركة Fulwood invest إلى تقديم طعن أمام محكمة التمييز الفرنسية، كاشفاً عن أن طعناً مماثلاً يحضر أمام القضاء الألماني.
حقوق الدولة
الطعن المقدم من وكلاء سلامة وشركائه ضد إجراءات النيابة العامة الفرنسية، دفع "هيئة القضايا" إلى التحرك سريعاً ومطالبة الحكومة بتعيين محام يمثل الدولة اللبنانية في فرنسا (حيث صدرت مذكرة توقيف دولية في حقه وتم الحجز على أملاكه) وألمانيا (حيث تم الحجز على أموال سلامة المنقولة وغير المنقولة)، ليكون خصماً لسلامة في تلك الدعاوى ويعمل على "استعادة" الدولة اللبنانية أملاك سلامة وأمواله المحتجزة في الدولتين بدل أن تكون مصادرة من قبل السلطات الفرنسية والألمانية.
وكانت "هيئة القضايا" بدأت إجراءاتها في يونيو (حزيران) 2023 عندما وافق مجلس الوزراء على طلبها المقدم عبر وزارة العدل، حول التعاقد بالتراضي مع محامين فرنسيين لتمثيل الدولة اللبنانية في الدعوى المقامة في فرنسا ضد سلامة والسيدة آنا كوزاكوفا بجرائم الاختلاس وتبييض الأموال والتهرب الضريبي.
ولكن، بعد تبلغ السفارة اللبنانية في باريس، في الـ22 من يناير (كانون الثاني) 2024، بتقديم موكلي سلامة وشقيقه رجا وابنه نادي وشركة Louise 209A وشركة Fulwood invest طعناً أمام محكمة التمييز الفرنسية في قرار حجز أموال الحاكم السابق وشركائه، بات لزاماً على الدولة اللبنانية تعيين محامٍ فرنسي ثالث لتمثيلها أمام محكمة التمييز.
تطويق سلامة
وأقر مجلس الوزراء أخيراً بند تعيين محامٍ فرنسي ثالث لتمثيل الدولة اللبنانية أمام محكمة التمييز الفرنسية، وكذلك وافق مجلس الوزراء على عقد اتفاق بالتراضي ومن دون بدل مالي، مع محامين ألمان للدفاع عن الدولة اللبنانية أمام المحاكم الألمانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي هذا السياق يشير وزير في حكومة نجيب ميقاتي، طلب عدم كشف اسمه، إلى أن هذه الإجراءات تعكس تشدد لبنان بحقوقه وتسهم في محاصرة سلامة ومنعه من الإفلات من العقاب في فرنسا وألمانيا، مشيراً إلى أهمية تعيين المحامي الثالث كون المحاميين الفرنسيين اللذين سبق تعيينهما تقتصر صلاحيتهما على الدفاع عن حقوق الدولة اللبنانية أمام محكمة البداية والاستئناف، ولا يحق لهما الدفاع عن حقوقها أمام محكمة التمييز.
وكشف عن أهمية تعيين محامٍ في ألمانيا يسهم في تمكن "هيئة القضايا" من الادعاء أمام المحكمة الألمانية لضمان حجز أموال سلامة وإعادتها إلى لبنان بعد إدانته، أسوة بالمسار الذي اعتمد في فرنسا، مما يعني أن لبنان سيدخل طرفاً في الدعوى ضد سلامة في ألمانيا حيث تقدر الأموال المحجوزة بنحو 150 مليون يورو إلى جانب ممتلكات عقارية وشركات.
هدر 170 مليار دولار
من جانبه أكد المتخصص في الرقابة على المصارف المحامي باسكال ضاهر أهمية العمل الذي تقوم به "هيئة القضايا" لناحية ضمان حق الدولة اللبنانية، إلا أنه طالب القضاء الفرنسي في حال إدانة سلامة بعدم تسليم تلك الأموال للسلطات اللبنانية إلا في حال ضمان وصولها إلى صندوق مرتبط بإعادة أموال المودعين.
واعتبر أنه في حال وصول تلك الأموال إلى الخزينة اللبنانية سيتم تبديدها بصفقات الفساد كما تم تبديد وهدر أكثر من 170 مليار دولار طوال السنوات الماضية، إضافة إلى تبديد حقوق السحب الخاص من صندوق النقد الدولي (SDR) التي بلغت 1.3 مليار دولار وتم صرفها من دون أي مسوغ قانوني.
330 مليون دولار
ووفق صحيفة "The National"، فإن الادعاء الفرنسي يحقق في تحويلات تزيد على 330 مليون دولار يُزعم اختلاسها من مصرف لبنان من خلال عقد منح لشركة "فوري أسوشيتس"، وأن قاضية التحقيق الفرنسية أود بوريسي كتبت في أمر الحجز أن العمولات "لا تتوافق مع أي خدمة حقيقية أدتها شركة فوري"، في حين أن رياض سلامة رفض اتهام الاختلاس، مؤكداً أن هذه العمولات لا تعتبر أموالاً عامة لأنها تدفع من قبل مؤسسات مالية تتعامل مع مصرف لبنان وليس البنك نفسه.
ووفق أمر الحجز الفرنسي، فإن رجا سلامة تلقى في حسابه الشخصي في سويسرا أكثر من 204 ملايين دولار بين عامي 2002 و2016، ويُزعم أن المتلقي الرئيس الآخر هو رياض سلامة وعديد من منشآته الخارجية، التي تلقت نحو 26.2 مليون دولار و9.2 مليون يورو و5.3 مليون فرنك سويسري، تم تحويلها من حساب "فوري"، وأنه من بين المستفيدين البارزين السيدة آنا كوساكوفا.
وكتبت القاضية الفرنسية في قرارها أن شركة، (First Overseas Relation for Realty and Investment Ltd) أو (Forri)، تلقت 1.3 مليون دولار و183 ألف يورو.
وتشك القاضية الفرنسية أنه تم تحويل الأموال إلى عديد من شركات الاستثمار العقاري الموجودة في دول أوروبية مختلفة، واستخدمت لشراء عقارات فاخرة في فرنسا وبلجيكا والمملكة المتحدة وألمانيا بقيمة قدرت بنحو 120 مليون يورو.