شغلت قضية العميل اللبناني عامر الياس الفاخوري ودخوله لبنان عبر مطار رفيق الحريري الدولي، الأوساط السياسية والشعبية والدبلوماسية، ولا تزال. في الرابع من سبتمبر (أيلول) 2019، وبعد مرور 21 سنة تقريباً على مغادرته الأراضي اللبنانية عبر إسرائيل، إثر انسحاب الجيش الإسرائيلي وتحرير الجنوب، وصل الفاخوري، القائد السابق لمعتقل الخيام في جنوب لبنان، والمحكوم 15 سنة غيابياً بتهمة الاتصال مع العدو، إلى مطار بيروت، ودخل بجواز سفر أميركي، متسلحاً كما قيل لاحقاً، بقرار صدر منذ حوالى العام يفيد بإسقاط الحكم الصادر بحقه لمرور الزمن، كما تبين أن اسمه شُطب عن البرقية 303 المخصصة للعملاء والإرهابيين، على الرغم من أنها المرة الأولى التي يدخل فيها إلى لبنان.
ريبة الأمن العام
هاتف مكتب الأمن العام في المطار، المديرية العامة للأمن العام، وكانت التوجيهات بحجز جواز السفر للمراجعة، فغادر الفاخوري المطار وعاد بعد أسبوع لتسلم جواز سفره، فكانت المفاجأة بأن حضر برفقة عميد من مكتب الجنوب في مديرية الاستخبارات في الجيش اللبناني، قيل إنّ علاقة قرابة تربطه بالفاخوري، الأمر الذي أثار ريبة الأمن العام وفق رواية مقربين من المدير العام اللواء عباس ابراهيم، الذي أعطى أوامره بتوقيف الفاخوري للتحقيق معه .
أسئلة كثيرة
وعلى وقع ضغوط شعبية وإعلامية ومنهم أسرى كانوا تعرّضوا للتعذيب على يد الفاخوري في معتقل الخيام، أصدر مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس مذكرة توقيف بحقه على أن تبدأ التحقيقات معه الثلاثاء 17 سبتمبر (أيلول)، أمام القضاء العسكري.
كان يمكن لهذه الواقعة أن تمر كغيرها من أحداث شبيهة لعملاء سابقين حاولوا دخول الأراضي اللبنانية، إلاّ أنّ ما رافق قضية العميل الفاخوري من تسريبات وتحليلات وصور غير بريئة، وبعد الاطلاع على ما تسرّب حتى الآن من اعترافات أولية له فور توقيفه، فرض الكثير من الأسئلة وأعطى للقضية أبعاداً سياسية لها علاقة باستحقاقات، انطلق قطارها باكراً.
حملة تقصّ
وفي التحقيق الأولي، اعترف عامر الفاخوري وفق المعلومات، أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية، بما يعني حكماً أنه لا يستطيع الدخول إلى الأراضي اللبنانية.
حاول الحصول على جواز سفر لبناني منذ فترة قصيرة من السفارة اللبنانية في واشنطن قبل حصوله على الجواز الأميركي منذ أشهر، إلّا أنّ الأمن العام اللبناني رفض منحه جوازاً لبنانياً، وبدأ منذ ذلك الوقت حملة تقصّ حول اسمه.
وأقر الفاخوري في التحقيق الأولي معه بكل ما اتُّهم به من تعذيب الأسرى، وكان من بين القلائل وفق اعترافاته، الذين تبلّغوا بموعد انسحاب الإسرائيليين قبل ثلاثة أيام، وعند دخوله إسرائيل عمل مع "الشاباك"، واحدة من وحدات الاستخبارات الإسرائيلية لفترة زمنية، قبل المغادرة إلى الولايات المتحدة الأميركية. وبحسب المعلومات، فقد قال خلال التحقيق معه، إنه عمل ضمن الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترمب، وقد علم أن أعضاء في الكونغرس الأميركي اتصلوا بالسلطات اللبنانية لطلب إخلاء سبيله وإعادته إلى أميركا.
جهة فاعلة قدمت الدعم
وبعد كل ما تقدم، السؤال البديهي كيف يمكن لعميل مرتبط بهذا الحجم من الارتكابات أن يتجرأ ويدخل إلى لبنان وبدعم ممن؟ ومن هي الجهة التي يمكن أن تكون قد شجعته على المجيء وقدمت له الضمانات؟
لا شك أن الجهة التي تجرأت على تأمين هذا النوع من الدعم، يفترض أن تكون فاعلة في السلطة ولديها كامل الحرية في التصرف إلى حد شطب اسم الفاخوري و60 آخرين، كما تبيّن لاحقاً من البرقية 303 .
البعض ربط بين تصريح وزير الخارجية جبران باسيل الأخير في الجنوب، ومطالبته بمعالجة ملف المُبعدين في إسرائيل، في إطار تحقيق مكسب شعبي جديد بين المسيحيين، وبين قضية الفاخوري، علماً أن التيار "الوطني الحر" التزم الصمت ولم يُصدر تعليقاً في هذا الشأن.
عملية عودة الفاخوري
ولأن لا وجود للصدفة في السياسة، كشفت مصادر سياسية عن أن عملية عودة الفاخوري كانت مُعدّة ومرعية من قبل مسؤولين كبار في الدولة وستكون لها منافعها عليهم.
وقد لفتت في السياق، عملية منظمة لنشر صور الفاخوري مع قائد الجيش العماد جوزف عون في حفل استقبال في السفارة اللبنانية في واشنطن، لا سيما أن الصور تزامنت مع تردد اسم قائد الجيش كمنافس أساسي في السباق إلى رئاسة الجمهورية. والمفارقة أن المناسبة مكان الصورة، هي في سفارة لبنان وبدعوة من السفير غابي عيسى، المقرب من التيار "الوطني الحر"، على الرغم من توضيح السفير عيسى أن الدعوة عامة، ويمكن لأي كان المشاركة في استقبال الضيف، الأمر الذي تنفيه مصادر دبلوماسية.
فهل من أراد استغلال حادثة العميل لإظهار قائد الجيش على أنه الراعي لعودة الفاخوري، وبالتالي إخراجه من سباق الرئاسة؟
عودة العميل عامر الفاخوري تطرح أسئلة كثيرة تحتاج إلى أجوبة، قد تتوضح في الأيام المقبلة، هذا إذا لم تجرِ لفلفتها.