Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المجاعة في السودان بين إنكار السلطات والتحذيرات الأممية

أعلنت "الفاو" عن زيادة مقلقة جداً في مستويات هذه الآفة في عدد من الدول العربية

عانى نحو 3.5 مليون طفل سوء التغذية (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

جاء السودان ضمن 18 بؤرة ساخنة للجوع تضم 22 بلداً رجحت "الفاو" أن يزداد فيها مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد حجماً وشدة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة في شأن الإنذار المبكر.

من المفارقات التي ظل يسوقها الاقتصاديون أن يصطف بلد مثل السودان، سبق أن تم ترشيحه حتى وقت قريب وأكثر من مرة من قبل منظمات دولية وإقليمية ليكون سلة غذاء العالم، مع قائمة البؤر الساخنة التي تواجه المجاعة، بحسب ما أجمعت عليه تقارير أممية ودولية من أن ملايين السودانيين لا سيما في دارفور والخرطوم والجزيرة يقفون على أعتاب مرحلة متقدمة من الجوع، في ظل صعوبة الحصول على السلع الغذائية وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية بسبب الحرب المندلعة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" منذ أكثر من 11 شهراً منذ منتصف أبريل (نيسان) الماضي.

 

البؤر الساخنة

وقبل أيام، أعلنت منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" عن زيادة مقلقة جداً في مستويات الجوع في عدد من الدول العربية، وذكرت ضمنها غزة والسودان وسوريا واليمن.

وجاء السودان ضمن 18 بؤرة ساخنة للجوع تضم 22 بلداً رجحت "الفاو" أن يزداد فيها مستوى انعدام الأمن الغذائي الحاد حجماً وشدة، وفقاً لتقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة في شأن الإنذار المبكر.

وألقى التقرير الضوء على الأخطار المترتبة على امتداد الأزمة في السودان بصورة تزيد من أخطار تداعياتها السلبية في البلدان المجاورة له، مبيناً أن الصدمات الاقتصادية المتفاقمة تستمر في دفع الدول المنخفضة والمتوسطة الدخل نحو أزمة أعمق، محذراً، في الوقت نفسه من أن ظاهرة "النينو" المناخية المحتملة تطرح مخاوف إزاء بروز ظواهر مناخية شديدة في البلدان الضعيفة في مختلف أنحاء العالم.

 

الإنكار الرسمي

وعلى رغم التحذيرات الأممية المتتالية من شبح المجاعة الماثل في السودان بسبب الحرب، فإن وزير الزراعة والغابات السوداني أبو بكر عمر البشرى استبعد حدوث أي مجاعة في البلاد، متحدياً، في مؤتمر صحافي بالعاصمة الإدارية الموقتة ببورتسودان، الذين يتحدثون عن مجاعة في السودان بتقديم تقاريرهم التي تثبت ذلك، مشيراً إلى أن المجاعات تحدث بسبب الجفاف والآفات. وأوضح أن حكومته تتبنى استراتيجية جديدة للزراعة تقوم على رفع الإنتاجية، مشيراً إلى أن الاستهلاك الكلي للحبوب الغذائية عام 2024 قدر بنحو 7.3 مليون طن، ما يكفي لـ48 مليون مواطن. وأكد وزير الزراعة السوداني أن بلاده تملك مخزوناً استراتيجياً يقدر بنحو 3 ملايين طن من الحبوب الأساسية، ولا يتوقع أن تتفاقم معه أزمة الجوع بسبب نقص الإنتاج، مشيراً إلى مساع جارية لإيصال الغذاء للمتأثرين بالحرب في كل من كردفان ودارفور.

وفي وقت ينتظر أن يبدأ حصاد الموسم الشتوي للقمح بمشروع الجزيرة، الأسبوع المقبل، على مساحة تمثل 65 في المئة فقط من مساحة المشروع بالمناطق الواقعة خارج سيطرة "الدعم السريع"، يقول مزارعون إن الحرب شكلت تهديداً مباشراً على الأمن الغذائي في المنطقة والبلاد معربين عن مخاوف حقيقية من تدن كبير في الإنتاج لهذا الموسم.

الوجبة الواحدة

وفي وقت سابق، قال مدير برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في السودان أيدي رو إن الحرب المستمرة دفعت البلاد إلى شفا الانهيار، إذ تعاني الغالبية العظمى من السكان من الجوع، وإن أقل من خمسة في المئة فقط من السودانيين يستطيعون تأمين وجبة كاملة في اليوم.

وبحسب المنظمات الأممية والدولية، فإن أكثر من نصف السودانيين، أي نحو 25 مليون شخص، يحتاجون إلى المساعدة، بمن فيهم 18 مليون شخص يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد، من بينهم نحو 5 ملايين على شفا الكارثة، كما عانى نحو 3.5 مليون طفل من سوء التغذية، في ثاني أسوأ تصنيف يعتمده برنامج الغذاء العالمي لحالات الطوارئ بعد تصنيف المجاعة، إلى جانب تفشي الأمراض المعدية والأوبئة مثل الملاريا وحمى الضنك والكوليرا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونوه المدير الإقليمي للبرنامج في شرق أفريقيا مايكل دانفورد بأن البرنامج يواجه معضلة كبيرة في الوصول إلى البيانات اللازمة لتأكيد ما إذا كانت معدلات الجوع في السودان قد بلغت الحدود المطلوبة لإعلان المجاعة.

الجوع يتفشى

في السياق، رأى المتخصص الاقتصادي عبدالعظيم المهل أنه ما لم يتم تحرير ولاية الجزيرة من قبضة "الدعم السريع"، قبل بداية شهر أبريل المقبل، فإن المجاعة التي تهدد السكان هناك ستكون طاحنة بسبب انهيار الموسم الشتوي بعدم القدرة على حصاد محصول القمح بمشروع الجزيرة، مما يؤدي إلى نقص حاد في الغذاء، علاوة علي عدم إمكان عبور الأغذية والمساعدات المقدمة من المنظمات والدول الأخرى كون الولاية هي المعبر للولايات الأخرى. أضاف المهل "أفضل حل لمأزق الغذاء الحالي هو خروج (الدعم السريع) من الجزيرة، والنظر في إمكانية عمليات إسقاط جوي للغذاء للمواطنين المحاصرين المحتاجين لصعوبة المرور البري للمساعدات، كذلك، يجب السماح للولايات الطرفية باستيراد الغذاء من دول الجوار من دون أي رسوم أو جمارك أو ضرائب مع اتخاذ كل الإجراءات لتسهيل دخولها"، واعتبر الحديث عن عدم وجود مجاعة في السودان أو استبعاد وإنكار حدوثها خطأ كبيراً "لأن المجاعة قد بدأت بالفعل في قرى الجزيرة حيث لا يستطيع الأهالي الحركة لاستجلاب حاجاتهم من السلع، وتم إغلاق الأسواق المحلية، وأصبح المواطن محاصراً، وحتى من يملك المال لا يستطيع الحركة لشراء حاجاته، وزاد انقطاع شبكات الاتصال وتحويلات الأموال بالداخل والخارج الطين بلة".

مجاعة حقيقية

وفي ظل واقع الجوع والمعاناة الإنسانية المتفاقمة التي فرضتها الحرب الراهنة، يعاني إقليم دارفور على وجه التحديد نقصاً حاداً في الغذاء، لا سيما في معسكرات النزوح.

وأوضح رئيس منسقية النازحين واللاجئين بدارفور يعقوب محمد عبدالله أن نقص الغذاء دفع عديداً من النازحين في الإقليم إلى تناول علف الحيوانات وأوراق الأشجار والجراد وغيرها من الأطعمة غير التقليدية لمقاومة الجوع، وأكد أن المجاعة حقيقة ماثلة معروفة ومعاشة في دارفور، وكل من ينكر ذلك هو منفصل عن الواقع، مطالباً وزير الزراعة بزيارة دارفور ليرى بنفسه كيف يموت الناس والأطفال من الجوع وسوء التغذية، بدلاً من التستر على عيوب وتقصير الحكومة المركزية.

تضارب التقارير

وسط هذه الأجواء، اتفق الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد الناير مع موقف وزير الزراعة من أن السودان لن يتعرض لموجة جوع، واصفاً ما ذهبت إليه تقارير المنظمات الأممية بأنها "معلومات لا تتطابق مع التقارير الوطنية، بينما من المفترض أن تكون معلومات الأمم المتحدة مستقاة من التقارير الرسمية لمؤسسات الدولة السودانية وألا يكون هناك تضارب أو خلاف بينهما"، وأشار الناير إلى أن السودان بإمكاناته وموارده الطبيعية الضخمة لن يعاني الجوع، وهو يمتلك إنتاجاً وفيراً من المحاصيل الزراعية المتنوعة، كما أن لديه موانئ تعمل على الاستيراد لسد النقص والفجوات التي تظهر، مشيراً إلى أن المشكلة لا تكمن في انعدام السلع، بل في الارتفاع الكبير في أسعارها وارتفاع معدلات التضخم وتدهور قيمة العملة الوطنية التي ألقت بظلال قاتمة وأعباء ضخمة على كاهل المواطن السوداني البسيط.

 

ولفت الناير إلى أن تطبيق سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، خلال الفترة الانتقالية، تسبب في ارتفاع أسعار السلع ورفع الدعم عن بعضها وتحرير أسعار عدد كبير من السلع مما أضعف القدرة الشرائية لعدد مقدر من الناس، وهي مشكلة أخف وطأة من الفجوة الغذائية أو المجاعة، إذ يمكن بتدخل من الدولة إيجاد معالجات بآليات مختلفة تمكن الشرائح الضعيفة من الحصول على السلع الضرورية.

مرحلة الكارثة

في الأثناء، أوصى اجتماع لمناقشة الأزمة الإنسانية في السودان عقدته تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" بتكثيف الاتصالات الدبلوماسية وممارسة أقصى الضغوط على الأطراف المتحاربة لوقف الأعمال العدائية، والامتناع عن استخدام تجويع المدنيين كوسيلة للحرب، وحماية البنية التحتية والخدمات الحيوية، والتزام فتح المسارات الداخلية والخارجية لوصول المساعدات الإنسانية.

وطالبت "تقدم" بضرورة ربط الاستجابة الإنسانية الفورية بدعم الاستثمار في الإنتاج الزراعي لمنع حدوث مستويات كارثية من الجوع، وتمويل الموسم الزراعي في الولايات الخالية من النزاع والعمليات العسكرية للتخفيف من وطأة انعدام الأمن الغذائي الذي وصل مراحل الأزمة والكارثة. وأعربت التنسيقية عن أملها أن يعمل مؤتمر باريس الإنساني في شأن السودان، المزمع عقده منتصف أبريل، على توفير الموارد اللازمة لمعالجة الكارثة الإنسانية ولفت انتباه العالم لما يدور في السودان.

موارد ضخمة ولكن

ووفق تقارير اقتصادية يمتلك السودان ما يعادل 40 في المئة من المساحات الزراعية في الدول العربية مجتمعة، وهو ما أهله لاكتساب لقب سلة غذاء العالم، كما يعتبر من أغنى الدول العربية والأفريقية بثروته الحيوانية المقدرة بنحو 103 ملايين رأس من حيوانات الغذاء (أبقار، أغنام، ماعز، إبل)، فضلاً عن 45 مليوناً من الدواجن، وثروة سمكية تقدر بنحو 100 مليون طن من الأسماك.

وفي يوليو (تموز) 2022 وافقت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية على مبادرة السودان للأمن الغذائي خلال الدورة الاستثنائية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي انعقد بمقر الجامعة بالقاهرة، ودعا وزير المالية والاقتصاد السوداني جبريل إبراهيم الدول العربية إلى إقامة شراكات استراتيجية للاستفادة من ثروة السودان الزراعية إلى جانب توفر موارد مائية كبيرة.

المزيد من متابعات