ملخص
الجيش الإسرائيلي يتبع نهج حرق منازل الغزيين في محيط الشفاء ويحولها إلى كومة رماد، ويعتقد السكان أن تدمير بيوتهم أهون من إضرام النيران فيها
من بعيد نظرت سميرة محمد إلى منزلها وقد اشتعل اللهب فيه، وبدأ عمود الدخان يخرج من نوافذ بيتها، بكت بحرقة وأخذت تمعن النظر في شقتها التي عاشت فيها دهراً طويلاً، بسرعة هرع جندي إسرائيلي نحوها وخاطبها "أكملي طريقك للجنوب ولا تلتفتي للخلف".
هزت سميرة رأسها وخطفت آخر نظرة لمنزلها الذي أكلته النيران، وغادرت محيط مجمع الشفاء الطبي الذي تعيش فيه، وفي طريقها شاهدت السيدة منازل عدة قد أكلها اللهب، وحينها أيقنت أن الجيش الإسرائيلي بدأ يعتمد سياسة حرق المنازل في حربه على قطاع غزة.
وحدات سكنية
منذ بداية الحرب اتبع الجيش الإسرائيلي سياسة تدمير المنازل في القطاع إما بالقصف الجوي أو المدفعي، لكن منذ شهر تقريباً بدأ يحرق بيوت الغزيين، ووفقاً للمتابعة الميدانية فإن القوات البرية أضرمت النار في معظم الوحدات السكنية في محيط مجمع الشفاء الطبي الذي تنفذ فيه عملية عسكرية منذ نحو أسبوعين.
في وقت الإفطار وعندما تجمعت عائلة سميرة على مائدة متواضعة جداً لكسر الصيام، اقتحم الجنود بيتها تقول "كسر جندي باب شقتي ودخل خلفه 50 عنصراً مسلحاً، كانوا يطلقون النار عشوائياً، ثم طلب جندي يتكلم العربية من النساء والأطفال مغادرة المنزل على الفور، فيما اعتقل جميع الرجال".
في شهادة سميرة التي أدلت بها لـ"اندبندنت عربية"، فإن الجيش الإسرائيلي بعدما أحكم سيطرته على محيط مجمع الشفاء الطبي، فتش جميع المنازل في المنطقة، وأشعل الجنود النيران في كل بيت دخلوه بعدما طردوا سكانه منه وأمروهم بالنزوح نحو الجنوب.
تضيف سميرة "حرقوا شقتي فور أن غادرناها، ولاحظت أن ذلك أسلوب اتبعه الجيش في المنطقة بأكملها، إذ يشعل النار في المنازل أمام أصحابها، مشهد ألسنة اللهب وهي تأكل بيوتنا جعلتنا نبكي بحرقة".
التدمير أهون
"انحرق البيت، راح كل شيء" تكرر سميرة هذه العبارة، وتتنهد ثم تتذكر "رأيت منازل وقد حرق الجنود طوابقها السفلية، وسمعت صوت صراخ أشخاص بداخلها، خفت أن أقدم لهم النجدة، جعلونا نتخلى عن قيمنا وأخلاقنا".
حزينة سميرة على بيتها المكون من خمسة طوابق، وتعتقد أن إضرام النيران في منزلها أصعب على نفسها من قصفه وتدميره، وتبرر ذلك بأنها قد تجد تحت الأنقاض أي ذكرى، لكن في الحرق فإن كل شيء يتبدد.
بحسب معلومات المكتب الإعلامي الحكومي فإن الجيش الإسرائيلي استخدم سياسة حرق المنازل منذ بداية الحرب وتركزت غالب هذه الأفعال في شمال غزة ومدينة خان يونس جنوباً، لكنه اتبعها كأسلوب معتمد بعد بدء عمليته العسكرية في محيط مجمع الشفاء الطبي.
تصدع الأسمنت
"لم أتخيل للحظة أن يحرق الجنود بيتي" يقول العم عزمي الذي تمكن من العودة لتفقد منزله في شرق مدينة غزة، ووجد أن الجيش أضرم النار في مسكنه وحوله إلى كومة رماد، بعدما التهمت النيران محتوياته.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يضيف عزمي "إحراق المنازل أصعب علينا من قصفها وتدميرها"، أمام بيته يقف العم ويشير إلى الحجارة السوداء ويقول "هنا كنت أسكن فيه أنا وعائلتي وإخواني، أطفال ونساء ورجال، هذا منزل متعدد الطبقات".
أثناء تفقد العم عزمي منزله كان يلاحظ أن النار سببت تصدعاً في جدران بيته وأن السقف الخرساني تشقق كثيراً، حينها جلب شقيقه الذي يعمل مهندساً لتقييم أساسات عمارته.
يقول عزمي إن شقيقه أبلغه أنها "آيلة للسقوط وغير صالحة للسكن"، وأنه يجب عليه هدم المنزل وإعادة بنائه من جديد، ويعتبر العم ذلك أنه أصعب خبر سمعه لأنه سيقوم بهدم منزله بنفسه ولن يستصلح منه شيئاً.
احتاج العم عزمي نحو 15 سنة من العمل المتواصل لجمع جزء من ثمن عمارته، واضطر إلى اقتراض الجزء المتبقي حتى يتمكن من استكمال عملية البناء، وبعد هذا العناء يعيش في خيمة إيواء صغيرة، ويختم حديثه قائلاً "لم أعد متحمساً للعودة لبيتي، لا أتحمل رؤيته محترقاً كل يوم".
قرار الحرق
وفقاً لتقديرات المكتب الإعلامي الحكومي فإن الجيش الإسرائيلي حرق نحو 30 ألف وحدة سكنية منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، ومن بين أبرز الأبنية العامة التي أضرم فيها الجنود النار جامعتا فلسطين والأزهر، ومربعات سكنية كاملة في شمال قطاع غزة ووسطه وجنوبه.
في تقرير نشرته صحيفة "هآرتس" العبرية، كشفت عن أن سياسة حرق المنازل في غزة جاءت بقرار من القيادة العسكرية إذ أصدروا أوامر بالقيام بذلك حتى من دون موافقة قانونية، وذكرت أن إحراق المنازل بات ممارسة شائعة والهدف منه أن تصبح البيوت عديمة الفائدة.
وبحسب "هآرتس" فإن الولايات المتحدة طلبت من إسرائيل وقف هدم المباني العامة وعدم تدمير منازل المدنيين ما دامت لم تستخدم لأغراض عسكرية، وذلك لأن النازحين يسعون إلى العودة لمنازلهم، واستجاب الجيش لذلك لأن القوات العاملة في قطاع غزة أدركت أن عمليات التدمير تحتاج إلى وقت وموارد.
بصورة رسمية ينفي المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري القيام بحرق منازل في غزة، ويشير إلى أنه إذا حدث ذلك فقد يكون لأسباب تحييد قدرات عسكرية تابعة لحركة "حماس"، مؤكداً أن جيش بلاده يتمتع بأعلى القيم الأخلاقية ويلتزم قوانين الحرب.
لكن رئيس المكتب الإعلامي الحكومي الفلسطيني إسماعيل الثوابتة يقول "لاحظنا أن حرق المنازل يتم باستخدام قنابل مخصصة لإشعال نار كثيفة للغاية، وتسبب تصدعاً حتى الخرسانة الأسمنتية، هذه الأفعال تجعل الوحدات السكنية غير صالحة للسكن على الإطلاق، واضح تماماً أن الجنود يحرقون المنازل انتقاماً من الغزيين، وبهدف إلحاق أكبر الأضرار الممكنة بمن تبقوا على قيد الحياة".