ملخص
توقفت تونس عن تنفيذ حكم الإعدام منذ 34 عاماً عندما طبقته على القاتل المتسلسل ناصر الدامرجي المعروف شعبياً بـ"سفاح نابل" في 1990.
أيقظت الأحكام القضائية الصادرة في قضية اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد مخاوف وهواجس داخل جماعات حقوقية في تونس من أن تستأنف البلاد تنفيذ أحكام الإعدام، وهو أمر توقفت عنه منذ نحو 33 عاماً حين كان آخر تنفيذ لهذه العقوبة يتعلق بقاتل متسلسل.
على رغم أن الأحكام المذكورة أثارت ارتياحاً داخل الأوساط السياسية قادت إلى توافق نادر بين أحزاب المعارضة والموالاة في البلاد، فإن الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام دخل على الخط رافضاً تنفيذ عقوبة الإعدام في حق المتهمين مما يثير تساؤلات عن خيارات السلطات القضائية والأمنية في البلاد إزاء هذا الملف.
وكانت محكمة تونسية قضت بإعدام أربعة مدانين في قضية اغتيال بلعيد في السادس من فبراير (شباط) 2013 هم كل من محمد أمين القاسمي وعز الدين عبداللاوي ومحمد العكاري ومحمد العوادي.
لن يتم التنفيذ
وسارع الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام إلى رفض تنفيذ هذه الأحكام قائلاً في بيان نشر عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إن "ادعاء مقاومة الإرهاب التكفيري عبر الوسائل الأمنية وحدها، أو عبر التطبيع مع انتهاك الحرمة الجسدية والمعنوية واعتمادها مع الإعدام، ادعاء مخاتل وخطر وحلوله وهمية".
وجدد الائتلاف رفضه قانون مكافحة الإرهاب ومنع غسل الأموال الذي صادقت عليه تونس في عام 2015، إذ كانت البلاد عرضة لهجمات إرهابية، مشيراً إلى أن المعارضة تشمل بصورة رئيسة الفصول المتعلقة بتنفيذ عقوبة الإعدام.
وتنص المادة 26 في مشروع قانون مكافحة الإرهاب في تونس على أنه "يعد مرتكباً لجريمة إرهابية ويعاقب بالإعدام كل من يتعمد قتل شخص يتمتع بحماية دولية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كما تنص المادة 28 على أنه "كما يعاقب بالإعدام كل شخص تسبب الاعتداء بفعل الفاحشة في موت المجني عليه، كما يعاقب بالإعدام كل من يتعمد في سياق جريمة إرهابية مواقعة أنثى دون رضاها".
وفي تعليق لها على إمكانية عودة بلادها إلى تنفيذ عقوبة الإعدام، قالت النائبة في البرلمان التونسي، فاطمة المسدي، إنها تستبعد ذلك خصوصاً أن البلاد لديها اتفاقات ومعاهدات دولية صادقت عليها إلى جانب قرارات أممية ما يمنعها من ذلك.
وقالت المسدي في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، "لا أعتقد أنه سيتم تنفيذ الإعدام، وحتى إن تم التنفيذ فإنه يجب أن يكون لمن خطط لعمليات الاغتيالات السياسية التي عرفتها تونس وليس للمنفذين لأنهم مجرد أدوات فقط".
وشددت على أن "تونس من الصعب جداً أن تتخذ إجراءات تتعارض مع تعهداتها الدولية خصوصاً في ملف حساس مثل الإعدام".
وتوقفت تونس عن تنفيذ حكم الإعدام منذ 34 عاماً عندما طبقت هذه العقوبة على القاتل المتسلسل ناصر الدامرجي المعروف شعبياً بـ"سفاح نابل" في 1990 الذي دين في جرائم قتل واغتصاب في حق 14 قاصراً بين ولايتي نابل الساحلية والعاصمة تونس، ومنذ ذلك الحين توقفت البلاد عن تطبيق هذه العقوبة.
فرضية واردة
في المقابل، لم يتوقف القضاة في تونس عن إصدار أحكام تتعلق بالإعدام في حق مدانين سواء بالإرهاب أو جرائم أخرى.
وكان رئيس الائتلاف التونسي لإلغاء عقوبة الإعدام أفاد بأن عدد المحكومين بالإعدام في البلاد ويوجدون الآن في السجون، نحو 130 شخصاً يكتنف المجهول مصيرهم وخيارات السلطات في التعامل معهم.
وينص القانون التونسي على تنفيذ عقوبة الإعدام بعد أن يوقع الرئيس على ذلك، وهو أمر لم يستجب له الرئيس الراحل زين العابدين بن علي منذ تنفيذ آخر حكم في حق الدامرجي وأيضاً الرؤساء الذين تولوا إدارة الحكم بعد رحيله في 2011.
لكن موقف الرئيس الحالي قيس سعيد، الذي يؤيد تنفيذ أحكام الإعدام "بعد توفر شروط المحاكمة العادلة" للمتهمين تثير تكهنات بعودة البلاد إلى تنفيذ عقوبة كهذه.
وقال المحامي والناشط السياسي، عبدالستار المسعودي، إن "فرضية عودة تونس لتطبيق حكم الإعدام تبقى واردة جداً خصوصاً إذا نجح الرئيس قيس سعيد في الفوز بعهدة رئاسية ثانية، ذلك أن أطوار قضية شكري بلعيد لا تزال طويلة ولم تحسم بعد حيث في إمكان النيابة العامة أو فريق الدفاع عن المتهمين استئناف الحكم الصادر الأربعاء الماضي ومن ثم سنرى جولات جديدة من المحاكمة".
وأردف المسعودي في تصريح خاص بأن "رئيس الجمهورية في تونس لديه صلاحيات بأن يعفو عن متهمين أو يأمر بتنفيذ عقوبات ضدهم، ومن ثم أتوقع بأنه إذا فاز قيس سعيد بولاية جديدة فإنه سيوقع على تنفيذ أحكام الإعدام خصوصاً أننا نعرف موقفه تجاه هذه القضية وهو موقف يتعارض مع مواقف الجماعات الحقوقية التي تطالب بعدم تنفيذ هذه العقوبة".
وكان الرئيس التونسي قال خلال الحملة الانتخابية في 2019 "أنا مع الإعدام بالنسبة إلى الجرائم التي يقضي القانون بحكم الإعدام فيها بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها كل الضمانات بالنسبة إلى المتهم، وهذه القضايا في بعض الحالات من عدم الاستقرار يجب أن يطبق فيها القانون كاملاً على الجميع".
وعاد الرئيس ليثبت موقفه إثر مقتل شابة خنقاً على يد شاب له سوابق جنائية في 2020 بقوله إن "من قتل نفساً بغير حق جزاؤه الإعدام" في تصريحات عدتها منظمة العفو الدولية "صادمة"، فيما اعتبرت آنذاك الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان أن "عقوبة الإعدام لا تردع ولا تحد من تفشي الجريمة في البلاد".
وفي ظل عدم كسر الرئيس قيس سعيد صمته تجاه الأحكام الصادرة في مارس (آذار) 2024 فإن الباب سيبقى مفتوحاً أمام التكهنات في شأن إمكانية عودة تونس إلى تنفيذ عقوبة الإعدام على رغم التعليقات الحقوقية التي ما انفكت ترفض خطوة كهذه، بصرف النظر عن طبيعة الجرائم التي تصدر في شأنها هذه الأحكام.