ملخص
أي زيادة في إنتاج النفط الصخري ستؤدي إلى تمديد أزمة فائض الغاز في الولايات المتحدة، وسترفع من صادرات الولايات المتحدة من السوائل الغازية، والتي تنافس إنتاج بعض دول "أوبك". كما أنها ستزيد من صادرات الولايات المتحدة من النفط الخفيف الحلو لأن المصافي الأميركية لا تريده لأنها وصلت إلى حد الإشباع.
نشرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية في نهاية الأسبوع الماضي بيانات إنتاج النفط في الولايات المتحدة لشهر يناير (كانون الثاني) الماضي. وأوضحت البيانات أن إنتاج النفط الخام انخفض بمقدار 762 ألف برميل يومياً، من 13.295 مليون برميل يومياً في ديسمبر (كانون الأول) إلى 12.533 مليون برميل يومياً في يناير.
كما انخفض على أساس سنوي بشكل طفيف عما كان عليه في يناير 2023. جاء هذا الانخفاض بسبب الصقيع الذي ضرب أغلب الولايات المتحدة وأدى إلى وقف الإنتاج في ولايات عدة أهمها تكساس، وأوكلاهوما، وداكوتا الشمالية. إلا أن أغلب الانخفاض كان في تكساس.
والسؤال الذي يحاول الخبراء والمحللون الإجابة عليه هو: ما مستوى الإنتاج لو لم يكن هناك صقيع؟ وبالتالي، هل هناك نمو في إنتاج النفط في الولايات المتحدة على رغم انخفاض عدد الحفارات؟ إدارة معلومات الطاقة الأميركية ترى أن إنتاج النفط سينمو في 2024، وإن كان بشكل أقل من توقعاتها السابقة. ولكن هناك عدداً من المحللين والتجار الذين يرون أن الإنتاج وصل إلى أوجه أو انخفض. الحقيقة أنه لا يمكن الجزم لسببين، الأول أن هناك سوائل غازية تحسبها إدارة معلومات الطاقة على أنها نفط خام. الثاني أن هناك عمليات دمج لكميات كبيرة من النفط الثقيل مع السوائل الغازية بهدف زيادة الصادرات، وهذا يؤدي إلى زيادة المعروض من النفط حتى لو لم يرتفع الإنتاج، كما قد ينتج منه حساب المعروض من السوائل النفطية مرتين، وهذا ما تحاول إدارة معلومات الطاقة الأميركية حله. باختصار، يجب أن ينخفض إنتاج النفط الأميركي بشكل كبير حتى يتم تأكيد الانخفاض.
ثورة النفط الصخري... قصة تاريخية
ذكرت في مقالات سابقة سبب التأكيد على كلمة "ثورة"، وهو أنها قلبت أسواق الطاقة رأساً على عقب وحولت الولايات المتحدة من مستورد صافي للنفط والغاز إلى مصدّر صافٍ لهما، وجعلت الولايات المتحدة أكبر منتج في العالم للنفط، والغاز، والغاز المسال. ونتج من استخدام الغاز محل الفحم في محطات الكهرباء إلى تعاظم دور الولايات المتحدة في أسواق الفحم العالمية بسبب زيادة صادراتها.
ويشمل النفط، النفط الخام وسوائل أخرى، أغلبها السوائل الغازية التي كانت تُنتَج تاريخياً من آبار الغاز. إلا أن آبار النفط الصخري جاءت بكميات كبيرة من الغاز المصاحب والسوائل الغازية. وبعض المنظمات تضع الوقود الحيوي ضمن السوائل النفطية.
بدأت ثورة النفط الصخري منذ 15 سنة في عام 2010، ورفعت إنتاج النفط الخام والسوائل النفطية بمقدار 12.6 مليون برميل يومياً، إلى نحو 20 مليون برميل يومياً. أما إنتاج النفط الخام فارتفع بمقدار 7.9 مليون برميل يومياً إلى 13.3 مليون برميل يومياً. إلا أن أثر الصخري أكبر من ذلك، لأنه عوّض الانخفاض المستمر في إنتاج النفط التقليدي، لهذا فإن إنتاج النفط الصخري من النفط الخام تجاوز 9 ملايين برميل يومياً. كما ذُكر سابقاً، الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط حالياً، وأغلب الإنتاج يأتي من ولاية تكساس. ولو كانت تكساس دولة مستقلة لكانت رابع أكبر منتج للنفط في العالم.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مشكلة النوعية
بخلاف آبار النفط التقليدي، تحتوي آبار النفط الصخري على كميات كبيرة من الغاز والسوائل الغازية. ونتج من ذلك انهيار أسعار الغاز في الولايات المتحدة، الأمر الذي دعم تصدير الغاز المسال إلى كافة أنحاء العالم بسبب انخفاض أسعار الغاز، وجعل الولايات المتحدة أكبر منتج ومصدر له. ووصل الأمر إلى أن أسعار الغاز الطبيعي في بعض الأسواق تحولت إلى السالب: يحصل المشتري على الغاز مجاناً ويأخذ فوقه مبلغاً من المال!
يحصل هذا عندما ترتفع أسعار النفط، فيحقق المنتج إيرادته من النفط، ويرمي الغاز المصاحب في السوق بغض النظر عن سعره. فإذا لم يكن هناك سوق، وامتلأت الخزانات، فلا يستطيع إنتاج النفط إلا إذا تخلص من الغاز، وهذا قد يتطلب أحياناً بيعه بالسالب.
المشكلة الآن أن آبار الصخري أصبحت غازية أكثر، بمعنى أن نسبة الغاز والسوائل الغازية تزداد باستمرار، ولهذا انعكاسات عدة على أسواق النفط والغاز والسوائل الغازية. مشكلة هذه الزيادة أنها تفاقمت بعد انتهاء إغلاقات كورونا، وبخاصة في العام الماضي، وستتم مناقشة الأسباب في مساحة قادمة إن شاء الله لأنه لا مجال لذكرها هنا للحفاظ على عدد كلمات المقال. وكانت الزيادة في إنتاج الغاز المصاحب والسوائل النفطية، في حوض بيرميان تحديداً، والذي يقع أغلبه في غرب تكساس، كبيرة جداً.
ولكن المشكلة الأكبر أن ما تصنفه إدارة معلومات الطاقة على أنه نفط خام لا يعد كذلك من وجهة نظر الصناعة. فهناك كميات لا بأس بها من المكثفات والسوائل الغازية تُصنَّف على أنها نفط خام، بينما الكميات الأخرى من النفط الخفيف الحلو.
هذا يعني أن أي زيادة في إنتاج النفط الصخري ستؤدي إلى تمديد أزمة فائض الغاز في الولايات المتحدة، وسترفع من صادرات الولايات المتحدة من السوائل الغازية، والتي تنافس إنتاج بعض دول "أوبك". كما أنها ستزيد من صادرات الولايات المتحدة من النفط الخفيف الحلو لأن المصافي الأميركية لا تريده لأنها وصلت إلى حد الإشباع.
أما إذا انخفض الإنتاج، وهنا بيت القصيد، فإن هذا لن يؤثر كثيراً في أسواق النفط الخام لأن أغلب التخفيض سيكون في المكثفات والسوائل الغازية.
خلاصة القول هنا إن انخفاض إنتاج النفط الصخري لن يؤثر كثيراً في الأسواق، وهذا على خلاف ما يقوله كثير من المحللين.