Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تسرق الصين الغرب برضا الأخير وقبوله

قام الصينيون بخداع الغرب "الثمل" ومواطنيه المشوشين والخجولين من العمل والمنشغلين دوماً بنوافل الأمور والحروب الثقافية

الصينيون تحت حكم شي جينبينغ أظهروا تعلقاً شديداً بالتجارة والأعمال لدرجة يصعب معها التصديق بأنهم يعيشون في دولة ما زالت رسمياً دولة شيوعية (أ ف ب/غيتي)

ملخص

يعتبر الحزب الشيوعي الصيني مهمة الهيمنة على العالم عملية قيد التنفيذ، لكن كثيرون يرون أن هذه المهمة شبه منجزة وهي تأتي على حساب تراخي الغرب ولجوء بكين إلى الأساليب المبتذلة مثل القرصنة والقمع

في وقت سابق من هذا الشهر كنت واحداً من عشرات الصحافيين الذين دعوا إلى ألمانيا لحضور حفلة إطلاق جزازة عشب روبوتية (آلية) صنعتها شركة صينية. إنها جزازة لافتة بميزات جيدة، وأفضل بدرجات من منافساتها (المتوفرة بالسوق). لكن المناسبة، من نواح عديدة، لم تكن تستأهل أن تحضر، وبدت حفلة الإطلاق هذه كارثية إلى حد ما.

موظفو الشركة الذين حضروا من بكين كانوا، على ما بدا واضحاً، يقضون وقتاً ممتعاً وطيباً، لكن موقع الحفلة لم يكن سوى مركز مؤتمرات كئيب وسط لامكان. كان جلياً أن فريق المحتفلين الصينيين لم يفكروا كثيراً بالتفاصيل التنظيمية، مما أدى إلى ترك مجموعة من المراسلين الأوروبيين الساخطين في الخارج تحت المطر لساعات من دون أن يكون لديهم شيء يفعلونه.

لكن، في مرحلة ما، تمكنت من التحدث مع المدير العام للشركة الشاب، واكتشفت أمراً مهماً. سألت المدير إن كانت الجزازة ستباع في الصين، لأنني خلال السنوات الـ20 التي واظبت فيها على زيارة هذا البلد، لم أتعرف على أحد يعيش في بيت لديه مرجة عشبية. "آه لا"، قال المدير الشاب والعبقري في مجال الروبوتات، وأردف: "نحن جميعاً نعيش في شقق. والبيت المستقل الذي لديه مرجة عشبية ليس شائعاً في الصين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هذه الملاحظة معطوفة على حفلة الإطلاق الفاشلة، تخطرنا بأشياء كثيرة عن نجاح الصين الكبير في الهيمنة على كل نوع منتجات يمكن للمرء أن يتصوره. جزازة العشب الآلية هذه، بسعرها الذي يخرق أسعار السوق المعتادة، تمثل ربما حالة ناشزة، لكن إن أخذنا سلعة أو منتجاً أكبر، فإن طاقة الصين المبذولة لتحقيق التفوق تغدو مرعبة جداً.

مثال على ذلك: لدى الصين اليوم 300 شركة لتصنيع السيارات الكهربائية، بينها 50 شركة في الأقل تخطط للتصدير إلى أوروبا. كل سيارة من تلك السيارات، وفق ما زعم في الآونة الأخيرة، ستكون هدفاً محتملاً للقرصنة، وعرضة حتى لأن توقف في منتصف الطريق من الاستخبارات الصينية.

مسألتان أخريان في مناسبة إطلاق جزازة العشب الآلية لفتتا نظري كشخص يكتب عن الصين منذ سنوات وقام في الآونة الأخيرة بإلقاء المحاضرات والتحدث في جامعات صينية نخبوية وشركات بارزة، والمساعدة في إطلاق مشاريع إعمال بريطانية على الأراضي الصينية. المسألة الأولى تتمثل بأن الشركة المصنعة لجزازة العشب، "سيغواي" Segway، كانت في الأصل شركة أميركية ناشئة لم تحقق نجاحاً مقبولاً وجرى بيعها، في حالتها الميؤوس منها، إلى قطاع إنتاج الروبوتات في بكين. حالات من هذا القبيل تحدث باستمرار ونعاينها.

والصينيون يميلون بشدة للعمل بالتجارة لدرجة يصعب معها التصديق بأنهم يعيشون في دولة ما زالت رسمياً دولة شيوعية

أما المسألة الثانية فتتمثل بأن حفلة الإطلاق الفوضوية للجزازة بألمانيا لم تكن مفاجئة لأحد ممن يعرف الصين قليلاً. فالأعمال "نصف المنجزة" أو "غير المنجزة أبداً" تشكل الآفة التي يعانيها الغربي في حياته المهنية هناك [في الصين]. حتى أن ثمة قول في لغة الماندرين يعني: "لقد أنجزت شيئاً مشابهاً لما طلبته مني". وغالباً ما يبدو الأمر بالنسبة إلى أصحاب المشاريع الغربيين والصينيين المولودين في الغرب بمثابة إدارة شركة جلها من المراهقين. لكن حتى مع هذا فإن مقدار رغبة الصين في "السيطرة على" الغرب عملياً لا يمكن التقليل من شأنها.

إذ حتى مع اعتبار الحزب الشيوعي الصيني لمهمة الهيمنة على العالم عملية ما زالت قيد التنفيذ، إلا أن هذه المهمة في الواقع باتت منجزة إلى حد بعيد. فالاحتمالات أمامنا تفيد بأن أغلبية المنتجات التي يستخدمها المرء يومياً إما تأتي من الصين، أو مصنعة من شركة مملوكة صينياً. كما أن الطاقة الكهربائية التي تباع لنا، تباع من مصالح صينية، والتكنولوجيا التي تمكننا من قراءة كلمات هذه المقالة هي تكنولوجيا صينية.

مئات مشاريع الأعمال البريطانية الأساسية، من شركات المرافق والنافع العامة وغيرها من شركات البنى التحتية الوطنية، إلى شركات التكنولوجيا المختصة غالباً بمجالات حساسة كتقنيات تمييز الوجوه والذكاء الاصطناعي، وصولاً إلى المطارات، وقطاع العقارات، وأندية كرة القدم، وسلاسل الحانات، والمدارس الخاصة، لا يملكها أفراد صينيون أغنياء وحسب، بل تملكها أيضاً الدولة الصينية – الدولة ذاتها التي بتنا نعلم الآن أنها تعمل بلا كلل، عبر التجسس السيبراني، بغية تقويض مؤسساتنا الديموقراطية. والوضع وفق التقارير مماثل في الولايات المتحدة الأميركية والدول الغربية الأخرى.

ولأن الصين كانت فقيرة لدرجة لا تصدق قبل 50 عاماً فقط، وكانت منذ 60 عاماً تخسر عشرات الملايين من شعبها ضحايا للجوع والأمراض، ولأن الأسياد السياسيين ذاتهم – حفنة غريبي أطوار إيديولوجيين، بالفعل – ما زالوا يحكمون البلاد ويديرونها، فإن نهوض الصين شكل التحول العالمي الأكثر استثنائية بين التحولات التي حدثت خلال السنوات الـ100 الماضية. لكن كما قال يوم الإثنين (25 مارس / آذار) الخبير الأكاديمي في القضايا الصينية، البروفيسور جوسيلينو كولاريس: "شعب الصين هو أكبر ضحايا الحزب الشيوعي الصيني". إلا أنهم ما زالوا يقومون بهذا الانقلاب المذهل المستمر.

بيد أن ما يبهرني لا يتعلق فقط بكيفية سيطرتهم تجارياً على العالم، بل أيضاً بحافزهم للقيام بذلك. وهذا برأيي قد يكون واحداً من ثلاثة أمور.

الأمر الأول: أن الصين، بالنسبة إلى الدولة الصينية، تمثل "المملكة الوسيطة"، الترجمة الحرفية لاسم هذه البلاد – أي مركز العالم.

فضمن الحدود نفسها التي للبلاد اليوم وبالشعب ذاته – لم يدخل البلاد أية موجة بارزة من المهاجرين الموهوبين والطموحين – كانوا قادوا العالم على مدى 1800 سنة منذ انبثاق الصين الحديثة عام 221 للميلاد – وشكلوا الاقتصاد العالمي الأكبر طوال الأعوام الـ1800 تلك.


تراجع حظوظ البلاد بالنسبة إلى الصينيين من مطلع القرن الـ19 حتى حقبة التسعينيات كان مجرد زلة. ومع ذلك، في عام 1820، عندما كانت الصين سلفاً في حالة تراجع، كانت ما زالت مسؤولة عن 30 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي. حينها كانت الولايات المتحدة تشكل 1.8 في المئة من ذاك الناتج المحلي الإجمالي العالمي. إلى ذلك فإن قوة الصين التاريخية لم تكن قائمة على العدوانية، بل على قواها وبراعتها المعرفية والثقافية والتجارية. لقد كانت الصين، وفق تعبير بعضهم، حضارة أكثر منها دولة.

المصدر المحتمل الثاني لنجاح الصين تمثل بانتهازية تجارية صريحة ومباشرة. بريطانيا التي تتكشف أمامهم، على رغم أننا ما زلنا (على نحو مثير للدهشة) تاسع أكبر منتج صناعي في العالم، هي أمة تزداد ثمالة، وخدراً، وخجلاً من العمل، وتردداً، وتهاوياً، وتلهياً بتوافه الأمور ونوافلها – حروب ثقافية بسبب قضايا الجندر وبريكست والأسرة الملكية والألقاب و"تيار ووك" woke-ism، وغيرها من جراحنا المسببة بشكل ذاتي إذ أمكن قول ذلك.

في المقابل، فإن صين الرئيس شي جينبينغ – الذي قام بنجاح بتحويل نفسه إلى "ماو الثاني" – قد تكون في الغالب نافرة وغير منضبطة إذ يتعلق الأمر بفعالية وكفاءة قواها العاملة. إلا أن أناسها ما زالوا أذكياء ومتعلمين ويعملون بكد، وهم وطنيون وحازمون وبالغوا المهارة في التجارة والأعمال.

والصينيون يميلون بشدة للعمل بالتجارة لدرجة يصعب معها التصديق بأنهم يعيشون في دولة ما زالت رسمياً دولة شيوعية. لذا حين يرون شركة أميركية متعثرة، لكن مثيرة للاهتمام، مثل "سيغواي"، فهم فطنون بما يكفي لاقتناصها، والشروع في إنهاضها إن كان ثمة سوق لها، حتى لو كان ما تنتجه جزازة عشب، لا أكثر من جزازة عشب.

وهنا، في الكلام عن شي جينبينغ، من المهم أن نتذكر أولئك الشبان والشابات الجميلين والمجتهدين على رغم فشلهم الطفيف، وهم يستمتعون بوقتهم باسم شركتهم "لجلدنا" بجزازات العشب التي أنتجوها، إذ إن ذاك يشكل أحد أوجه المعجزة الاقتصادية الصينية. فهولاء بالحقيقة هم "الجنود المشاة" لأيديولوجيي الحزب العتاة والمتشددين، الذين قرروا منذ سنوات في إطار حملة أطلق عليها اسماً وردياً ومحيراً، "مبادرة الحزام والطريق"، أن يفعلوا تماماً ما يفعلونه – السيطرة على العالم. ولمصلحة هذا الهدف، فإن قرصنة الغرب سيبرانياً وتقويضه ليسا أمرين خاطئين، بل جزءاً جوهرياً من اللعبة.

من المرجح جداً ونتيجة لعمليات القرصنة الدائمة والمتفشية طوال أكثر من عقد، أن يكون أعضاء الحزب العاملون في "الأكاديمية الصينية للحوكمة" ضمن "مدرسة الحزب الرئيسة" ببكين، قد حصلوا اليوم على اسم وعنوان كل عميل في الاستخبارات الغربية وكل منشق صيني مقيم في الغرب. إذ بحسب إدوارد لوكاس، مؤلف كتاب "إعادة تشغيل الجاسوسية: كيف تغير التكنولوجيا عمل الاستخبارات" Spycraft Rebooted: How Technology Is Changing Espionage، تملك الصين أيضاً، على الأرجح، معلومات تتعلق بهؤلاء تتضمن سمات وملامح وجوههم، وأصواتهم، وبصمات أصابعهم وطريقة مشيهم – الصفات المحددة لطريقة مشي كل فرد من أولئك الأفراد.

خمولنا المزمن تجاه القيام برد فعل حاسم على هذا الأمر ليس سوى عنصر آخر من عناصر ضعفنا المميت. الاستشهاد بـ"فن الحرب" لسون تزو قد يكون مستهلكاً، لكن ثمة أمر من بين أمور كثيرة تناولها هذا الجنرال والفيلسوف وكتب عنها منذ 2000 سنة، ما زال سارياً ومنطبقاً: "فرصة إلحاق الهزيمة بالعدو يقدمها العدو بنفسه".

سألت البروفيسور كولاريس في جامعة كايس ويسترن أن يفسر لنا سبب قيام الصين، بمعنى من المعاني، بـ"شن حرب" ضدنا. بالنسبة إليه، الأمر قبل كل شيء يعود لإصرارهم على أن يشكلوا اقتصاداً من الدرجة الأولى قبل أن تحل بهم معاناة أكبر جراء المشكلات الديموغرافية – تقلص عدد النساء، بالدرجة الأساس – الناتجة من سياسة "الطفل الواحد" الكارثية التي فرضها ماو على الصين.


وأضاف "تود الصين تلافي فخ الدخل المتوسط، وهو الوضع الذي مضت به إلى حد ما دول كالبرازيل وتركيا والمكسيك من دون أن تتمكن من تجاوزه لأنها على الدوام دول تحاول اللحاق بالركب [الدول الأكثر تقدماً]. وإحدى الطرق للقيام بذلك تتمثل بالتوسع التجاري الذي تديره [وتشرف عليه] الدولة".

أما العنصر الفعال الآخر في هذا الإطار، وفق قوله، فهو الشعور بالتفوق العرقي، الذي في ظله تسحق حقوق الأقليات، بموازاة دولة تعتمد صفر تسامح تجاه المعارضين. وثمة في السياق عنصر آخر أيضاً يتمثل باستمرار سيطرة العقلية التي ما زالت عقلية شيوعية.

وأوضح "هناك فكرة توسيع السلطة إلى خارج الصين ليتسنى لهم تمديد الثورة. هذا الاعتقاد ما زال يقود طريقة تفكير الحزب". وأخيراً، قال كولاريس، هناك مخلفات تاريخ الصين في ظل الاستعمار الاستغلالي، لافتاً "ثمة امتعاض هائل عند الصينيين تجاه الغرب. وهذا الامتعاض يحيي إلى حد كبير رغبة الهيمنة على الغرب والسيطرة عليه، وإظهار للغربيين أن هذا الزمن زمننا".

إحدى المشاهدات المفضلة بالنسبة إلي خلال رحلاتي الـ27 إلى الصين، صدقوا أو لا تصدقوا، هي أغطية فتحات مجاري الصرف الصحي بمنطقة "البوند" Bund في شنغهاي [منطقة عند الواجهة البحرية في وسط شنغهاي مصنفة منطقة تاريخية]. أشك أن يكون سياح كثر انتبهوا إلى هذا التفصيل. إلا أن تلك الأغطية الحديدية منقوش عليها الأحرف الغربية (اللاتينية) التالية: SMCPWD، وهي ترمز اختصاراً إلى "دائرة مجلس مدينة شنغهاي للأشغال العامة" Shanghai Metropolitan Council Public Works، وهي، طبعاً، من بقايا المرحلة التي كان فيها البريطانيون قوة استعمارية في المدينة. فأفكر في نفسي: أليس من دواعي الفخر إن كان المرء مستثمراً صينياً – وهناك كثير كثير من المستثمرين – ممن مشى أجداده على فتحات المجاري تلك العائدة للحقبة الاستعمارية، أن يكون هو الآن مالكاً حصة معتبرة من شركة المياه البريطانية المخصخصة؟

© The Independent

المزيد من آراء