ملخص
هذا التحذير كان الأخير ضمن سلسلة أطلقتها شخصيات عسكرية وسياسية أوكرانية تشير إلى أن طموحات روسيا تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا
بعد أقل من شهرين من قيادة عملية إجلاء مكلفة من إحدى المدن الرئيسة على خط الجبهة الشرقية، حذر قائد عسكري أوكراني رفيع من أن روسيا مستعدة لابتلاع أوروبا بأكملها.
نائب قائد لواء الهجوم الثالث في أوكرانيا ماكسيم زورين أطلق في حديث إلى "اندبندنت" من مكان غير معلن في دونيتسك تحذيراً مثيراً للقلق إلى شركاء كييف الغربيين.
وفي التفاصيل قال زورين إن على الغرب أن يستعد على وجه السرعة مع "استحداث أنظمة دفاعية قوية قادرة على التصدي لروسيا، لأن هذه الأخيرة ستفتح فمها بلا أدنى شك، وتحاول ابتلاع ما تبقى من أوروبا".
هذا التحذير كان الأخير ضمن سلسلة أطلقتها شخصيات عسكرية وسياسية أوكرانية تشير إلى أن طموحات روسيا تمتد إلى ما هو أبعد من أوكرانيا، ويأتي بعد أقل من شهرين من اضطلاع زورين بدور رئيس في عملية الإخلاء الصعبة من أفدييفكا التي كانت أول مدينة أوكرانية تقع تحت السيطرة الروسية منذ شهر مايو (أيار) 2023، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب الانخفاض الأخير في الدعم العسكري الغربي مما ترك القوات الأوكرانية هناك عرضة للخطر بشكل كبير.
زورين، وهو عضو في وحدة مرموقة تعتبر من أكثر الوحدات نخبة في الجيش الأوكراني، واستدعيت بشكل عاجل لإجلاء مئات الجنود المحاصرين في أفدييفكا بينما كانت القوات الروسية تتقدم وتسعى إلى تطويق المدينة بعد أشهر من القتال.
وقد تُرك عدد كبير من هؤلاء الجنود في الخلف، فكان مصيرهم لاحقاً إما الأسر أو القتل، ومع انسحاب القوات الأوكرانية تقدمت القوات الروسية بسرعة وسيطرت على بلدات إضافية عدة في هذه العملية، وتظهر مقاطع الفيديو جنوداً أوكرانيين يقتلون بلا رحمة ويتركون في الشوارع، بخاصة في الضواحي الشمالية الغربية للمدينة، والتي تمثل الطريق الأخير الباقي إلى الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.
واللافت هنا أن زورين يدرك أكثر من أي طرف آخر ما سيكون عليه ثمن أي تقدم يحرزه الجانب الروسي.
وفي أول مقابلة له مع وسائل إعلام غربية منذ سقوط المدينة كان زورين صريحاً في شأن الحقائق القاسية التي يواجهها على خط المواجهة الشرقي، ولا سيما في ضوء تأخر إمدادات الأسلحة الغربية أو حجبها، كما كان صريحاً أيضاً في ما يتعلق بتداعيات ذلك على مستقبل الأمن الأوروبي.
وفي سياق متصل لا تزال الحزمة العسكرية الأميركية البالغة قيمتها نحو 60 مليار دولار معلقة في واشنطن منذ سبعة أشهر، وهي رهينة مشاحنات بين السياسيين، في حين يتعذر على الشركاء الأوروبيين إرسال أكثر من نصف مليون قذيفة مدفعية كانوا قد وعدوا بتقديمها إلى كييف بحلول هذا العام، لأنهم وببساطة لم يتمكنوا من الاتفاق على كيفية تمويل إنتاج هذه القذائف.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعيد ساعات من إعلان الأمين العام لحلف شمالي الأطلسي (ناتو) ينس ستولتنبرغ اقتراحاً طويل الأمد بتقديم حزمة مساعدات عسكرية بقيمة 100 مليار يورو (116 مليار دولار أميركي) لأوكرانيا هذا الأسبوع، في خطوة تصب في الاتجاه الصحيح بنظر كييف، قال زورين إن التعهد بتقديم هذه الحزمة سيكون مفيداً، لكنه أضاف أنها ستأتي في وقت متأخر جداً، شأنها شأن جميع المساعدات الغربية.
وبعد حوالى سبعة أسابيع من سيطرة روسيا على أفدييفكا أكد زورين أن الوضع استقر أخيراً مع الحفاظ على الدفاعات من القرى الواقعة غرب أفدييفكا، بما في ذلك قرية تونينكي مروراً بسيمينيفكا ووصولاً إلى بريدتشي.
ومع ذلك لا يزال الضغط الشديد قائماً، وفي هذا السياق زعم زورين أن روسيا تلقي يومياً ما بين 40 و60 قنبلة جوية قوية على المواقع الأوكرانية، في حين كشف موقع "ديب ستايت" DeepState، وهو موقع أوكراني لتعقب أحداث الحرب، الخميس الماضي أن روسيا تتقدم نحو برديتشي وتشن هجمات في اتجاه سيمينفيكا، وفي المقابل تشير خريطة الموقع المذكور إلى أن منطقة تونينكي تقع منذ الآن تحت السيطرة الروسية.
كان الجمود مصطلحاً أقرب إلى المحرمات أثناء الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا صيف العام الماضي لأنه كان يعني ضمناً فشل الهجوم، أما الآن فهو يحمل خطراً مختلفاً، فمع أن روسيا وأوكرانيا ربما تخوضان حرب استنزاف، لكن قوات فلاديمير بوتين هي التي تتحرك فعلياً.
وتابع زورين، "بالطبع تَلقي المساعدات يخفف الوضع إلى حد ما، لكن في النهاية فإن أي تأخير سيعني خسارة مزيد من الأراضي الأوكرانية وأرواح الأوكرانيين".
وقال أيضاً، "لقد أنهك التعب جنود المشاة الأوكرانيين العاديين وأرهقتهم ديناميكيات الحرب والأحداث القاسية التي مروا بها، فهم مرهقون جداً وللأسف هذه هي الحقيقة".
وينتمي عدد كبير من الجنود الذين أنقذتهم وحدة زورين من أفدييفكا إلى "اللواء 110" الذي كان يقاتل في المدينة طوال فترة الحرب الشاملة التي شنها بوتين في فبراير (شباط) 2022 من دون أي تناوب، وكذلك كان عدد كبير من أفراد الوحدة التي انتمى إليها زورين يقاتلون أيضاً من دون انقطاع.
وبصرف النظر عن النقص في المدفعية، والذي يشير السيد زورين إلى أنه يمتد إلى الأسلحة الرئيسة أيضاً، فإن عدم وجود قوات إضافية شكل تحديات كبيرة لأوكرانيا.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع وقّع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي مرسوماً بخفض سن التجنيد من 27 إلى 25 عاماً، بهدف توسيع قاعدة المجندين المحتملين، مع العلم بأن متوسط عمر الجندي الأوكراني اليوم يبلغ 43 عاماً، إذ تحاول كييف تجنب استقطاب مجندين من قاعدة صغيرة من الشبان اليافعين [دون سواهم].
لكن كما هو الحال بالنسبة إلى المساعدات الغربية، يقول زورين إن هذه الخطوة لا تكفي، مؤكداً أنها تأتي بعد فوات الأوان.
وصرح قائلاً، "لا أعتقد أن ذلك كاف"، قبل أن يضيف: "[الأرجح أنني] كنت سأخفض السن أكثر من ذلك، ومع أن قول مثل هذا الكلام صعب لكن لا بد للشبان اليافعين أن يقاتلوا، فمن الصعب جداً الحفاظ على حماسة الجنود الأكبر سناً، وغالباً ما يعاني هؤلاء مشكلات صحية مزمنة، أما الشبان اليافعون فهم أكثر حماسة وحيوية وأكثر استعداداً للقتال."
ولا شك في أن المشكلات الناجمة عن حملات التعبئة المتأخرة وتأخر وصول المساعدات الغربية تتجلى للعيان على امتداد الجبهة الأمامية، بيد أنها أكثر حدة بكثير في اتجاه أفدييفكا.
ويقول زورين إنه على رغم كفاءة الجنود الأوكرانيين في المنطقة إلا أنهم غير قادرين على القيام بأي عمل آخر غير الهجمات المضادة الموضعية التي "تعتبر شكلاً من أشكال الهجوم الدفاعي، أكثر من كونها هجوماً مضاداً واسع النطاق"، وهو جزء مما سماه قائد الجيش الأوكراني أولكسندر سيرسكي بالدفاع الفاعل.
وقال زورين، "في الوقت الراهن من غير الحكيم الكلام عن هجمات مضادة"، وبدلاً من ذلك قال إنه "يجب التركيز على الدفاع حيث تتمثل الأولوية الآن في توفير دفاع متماسك وخطوط دفاعية مناسبة وقوية".
وأضاف أن وحدات هندسية عدة نُشرت للمساعدة في تحصين الدفاعات في المنطقة، إذ شارك كل جندي مشاة في حفر الخنادق في مرحلة ما، كما أن التضاريس الطبيعية التي تشمل خطوط أشجار وتلال صغيرة وبعض المسطحات المائية تعد مناسبة لتأمين الدفاع.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع أعرب زيلينسكي عن انبهاره من التباطؤ النسبي في هجوم أفدييفكا الروسي، "على رغم نقص القذائف والتباطؤ الكبير في الإمدادات"، وأضاف خلال خطاب ليلي: "إن صمود كل جندي هو صمود أوكرانيا بأكملها".
بيد أن تعليقاته وتعليقات زورين تؤكد الصعوبة التي تواجه أوكرانيا في عام 2024، وتسلط الضوء على الاختلاف الكبير في الوضع على الجبهة الأمامية مقارنة بالعام الماضي، وبالفعل فقد يكون لواء الهجوم الثالث نجح في الحد من التقدم الروسي، إذ يزعم زورين أن وحدته قتلت ما يصل إلى 15 ألف روسي خلال الأشهر القليلة الماضية وحدها، إلا أن التهديد بهجوم آخر قد تشنه قوات بوتين أصبح الآن ملموساً وحقيقياً، ومن ثم يأتي دور أوروبا في المرحلة اللاحقة.
وفي الختام وجه زورين كلامه إلى شركاء كييف الغربيين فخاطبهم مباشرة قائلاً، "استغلوا هذا الوقت بحكمة"، قبل أن يضيف: "بينما تهاجم روسيا أوكرانيا، استعدوا لحربكم الخاصة مع روسيا".
© The Independent