ملخص
ما بين رد إيران وصفقة الأسرى هناك تحركات مستمرة ومطالبة واسعة بتقديم موعد الانتخابات في إسرائيل. أما بالنسبة إلى غزة، الجبهة التي تعتبرها إسرائيل الأهم من أجل تحقيق أهدافها فشهدت خلال الساعات الـ48 الأخيرة حالاً شديدة من الضبابية، خصوصاً ما يتعلق برفح وباستمرار القتال فيها.
لم يتأخر وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت على التهديد الذي أطلقته إيران ومن ثم خطاب الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله أمس الجمعة، فتوجه إلى قاعدة "تال نوف" العسكرية ليعلن أن إسرائيل مستعدة لمختلف السيناريوهات وأنها مستعدة كذلك للهجوم والدفاع، جواً وبراً وبحراً.
وقال غالانت إن "العدو يبحث عن طرق للرد على الضربات القوية والدقيقة التي نوجهها له، فنحن نهاجم أينما تقرر إسرائيل وضد أي عدو. يمكن أن يكون في دمشق ويمكن أن يكون في بيروت. يمكن أن يكون الرد من أي مكان وبمختلف الطرق"، مشيراً إلى أن سلاح الجو الإسرائيلي يشكل هدفاً مركزياً للضربات المعادية من أجل تعطيل نشاطه، لكنه أضاف أننا "مستعدون لكل رد من أي مكان يأتي، بالدفاع القوي جواً وبراً وبحراً. سنعرف كيف ندافع عن أنفسنا وسنعرف كيف نكون فاعلين في المكان المناسب".
حديث غالانت الذي جاء في ذروة الاستعدادات الإسرائيلية لاحتمال الرد الإيراني، لم يلقَ اهتماماً كبيراً لدى الجمهور الإسرائيلي الواسع الذي كان يملأ شوارع تل أبيب والقدس بالتظاهرات والاحتجاجات بعد الكشف عن قرار الكابينت الحربي بعدم الموافقة على إرسال وفد إسرائيل إلى مفاوضات للقاهرة قبل أن تقدم حركة "حماس" تنازلات وتقبل بالمقترح الأخير الذي وافقت عليه إسرائيل وقدمت فيه تنازلات في بند الخلاف المركزي ضمن مفاوضات الصفقة حول عودة سكان شمال القطاع، إذ قبلت إسرائيل زيادة عدد العائدين لكنها رفضت مطلب إلغاء الممر الذي يفصل المنطقة هناك ووضعت شرطاً لهذه العودة بعبور نقاط تفتيش للجيش الإسرائيلي، خشية أن يدخل معهم مقاتلو "حماس".
وسيعود الكابينت الحربي ويجتمع مساء اليوم وسط توقعات بأنه على رغم رفضه إرسال وفد للتفاوض في القاهرة، إلا أنه سيعود ويتجاوب مع مطلب الرئيس الأميركي جو بايدن ومدير الاستخبارات الأميركية وليام بيرنز، ويسمح لرئيس الموساد ديفيد برنياع بالتوجه إلى القاهرة على أن تلحق به بقية الوفد في حال طرأ تقدم في المحادثات، بعدما أبلغت حركة "حماس" بأنها ستصل غداً الأحد للمشاركة في التفاوض.
وما بين رد إيران وصفقة الأسرى هناك تحركات مستمرة ومطالبة واسعة بتقديم موعد الانتخابات في إسرائيل. أما بالنسبة إلى غزة، الجبهة التي تعتبرها إسرائيل الأهم من أجل تحقيق أهدافها فشهدت خلال الساعات الـ48 الأخيرة حالاً شديدة من الضبابية، خصوصاً ما يتعلق برفح وباستمرار القتال فيها، وكشف تقرير عن أن عدد الوحدات المنتشرة في القطاع لا تتناسب والتهديدات المستمرة للقيادة الإسرائيلية بضرورة تكثيف القتال والضغط على "حماس" كأنجع وسيلة لإخضاعها والموافقة على صفقة أسرى.
كل هذا أدخل إسرائيل في متاهة وصفها مسؤولون أمنيون وسياسيون بالأكثر تعقيداً وانعكاساً لضعفها في مختلف الجبهات.
"دولة إسرائيل تتفكك في جميع المجالات، الأمن والاقتصاد والمجتمع والتعليم والطب وعلاقاتنا الدولية، وتتحول إلى "زومبي" أي إنسان من دون روح، غير متعاطفة وتتصرف بصورة أوتوماتيكية. وقف الحرب في غزة وحده سيوقف تدهور الدولة"، وفق ما قاله الجنرال المتقاعد إسحق بريك الذي سبق وشغل أكثر من منصب في سلاح البر الإسرائيلي، وحديثه هو غيض من فيض تصريحات وكتابات عسكريين وأمنيين يحذرون من انهيار حقيقي لإسرائيل ومن ضربة قوية من إيران تجعل حالها أكثر ضعفاً وتفككاً، وأجمع معظمهم على ضرورة التوصل إلى صفقة أسرى فورية، تضمن عودة الأسرى سيراً على الأقدام بأكثر من عدد النعوش (للأسرى القتلى) التي ستصل داخل الحافلات"، خصوصاً بعدما ارتفع عدد الأسرى القتلى في غزة الذين اعترفت تل أبيب بسقوطهم خلال قتال جيشها أو جراء القصف على غزة".
من القذيفة وحتى الصاروخ الباليستي
وفي ذروة الارتباك الإسرائيلي مع تطور الأحداث الأمنية على الجبهة الشمالية انشغلت الأجهزة الأمنية بمشاركة الكابينت في مناقشة سبل التعامل مع سيناريوهات الرد الإيراني المتوقع وفي مركزها عمليات محددة ضد قواعد عسكرية تابعة لسلاح الجو بهدف شلّ عمله.
إزاء هذه التوقعات أنهى سلاح الجو الإسرائيلي أمس الجمعة تدريباً واسعاً شمل مختلف القواعد العسكرية على الدفاع والهجوم، وتضمن التعاون بين سلاحي الجو والبر. أما من ناحية الدفاع، فاعترف عسكريون بأن إسرائيل ستواجه مشكلة دفاع حقيقية بسبب نقص في المنظومات الدفاعية وعدم توفير منظومات خاصة لمواجهة الطائرات من دون طيار.
وهذا السيناريو الذي كانت إسرائيل وضعته في المكانة الثانية في توقعاتها عادت ورفعته إلى المكانة الأولى بعد تهديد رئيس أركان الجيش الإيراني.
في هذا السيناريو تتوقع إسرائيل، إلى جانب استهداف سلاح الجو، قصفاً مكثفاً بقذائف صاروخية، وحتى قصف صواريخ باليستية من قبل وكلاء إيران في لبنان وسوريا والعراق واليمن الذين سيشنون هجمات صاروخية في الوقت ذاته، لتغطي الصواريخ معظم إسرائيل من الشمال والمركز حتى الجنوب. وتعتبر تل أبيب أن السيناريو الأكثر تحدياً لها هو إطلاق عشرات المسيّرات الانتحارية والهجومية التي تحمل الواحدة منها أكثر من 40 كيلوغراماً من المتفجرات في آنٍ واحد نحو أهداف عدة.
أما سيناريو الهجوم الإيراني المباشر فتستبعده إسرائيل، لكن الأجهزة الأمنية أعلنت أنها على استعداد لمهاجمة الأراضي الإيرانية وهو سيناريو سيؤدي إلى حرب شاملة بحسب تل أبيب.
والسيناريو الثالث واحتمال تنفيذه لا يقل عن الأول هو الاعتداء على مناطق في الخارج يقصدها الإسرائيليون وسفارات وقنصليات إسرائيلية، وصدرت تعليمات بإغلاق 28 سفارة في مختلف أرجاء العالم.
وفي تقرير حول توقعات وسيناريوهات الرد الإيراني، اعتبر الإسرائيليون أن اللجوء إلى "حزب الله" للرد هو التهديد الأخطر الذي تستطيع إيران استعماله. وبحسب هذا التقرير تعمل إيران وفق معادلة استراتيجية خاصة بها في مواجهة إسرائيل، من دون قوة عظمى يمكن أن تنضم إليها وقت الحرب، حتى لو هاجمتها قوات أميركية. ويشير التقرير إلى أن إيران لا تستطيع الاعتماد على روسيا أو مطالبتها بإلغاء اتفاق التنسيق بينها وإسرائيل في كل ما يتعلق بالمنطقة الشمالية والتي لإسرائيل بموجبه حرية العمل في الأجواء السورية. وعليه يرى الإسرائيليون أن "هذه الاعتبارات يمكن أن تفرض على إيران التمسك بردّ تكتيكي لا يضعها في موضع اختبار ولا يعرض أرصدتها للخطر"، وفق التقرير.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الإسرائيليون في حال صدمة نفسية
وفي مناقشته لسيناريو إطلاق نار مباشر من إيران على إسرائيل يرى الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية تامير هايمن أن "الكرة في مثل هذا السيناريو ستعود لإسرائيل التي عليها أن تقرر ما إذا كانت ستواجهه بعمل حربي أو من خلال استمرار المناوشات مع هذا المحور عبر الحدود الشمالية، كما هو الوضع اليوم"، لكنه يضيف أنه "بالنسبة إلى إيران، فإن السيناريو الأخطر هو أن تعتبر تل أبيب والولايات المتحدة هذا العمل عملاً حربياً، وتقومان برد مشترك، مما تحاول طهران تجنبه".
ويربط هايمن بين المواجهة مع إيران وما أسماه "الوحل الغزي"، ويرى أن "إسرائيل اليوم في إحدى أسوأ النقاط التي مرّت بها، فهي عالقة داخل حرب لم تنجح في حسمها حتى الآن، وتواجه كل التصدعات والاستقطابات الاجتماعية العميقة التي تختبئ وراء غبار المعارك".
ويتابع "أمام هذا الوضع من الصعب اليوم تقدير تداعيات حرب غزة على مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط وعلى المجتمع الإسرائيلي. ومن الواضح أنها نقطة تحول، لكن لا أحد يعلم إلى أين ستؤدي. ومن الواضح أننا بحاجة إلى مسافة وإلى منظور بعيد الأمد".
ويحذر هايمن من وضع الإسرائيليين بقوله "من الواضح لنا أننا مصابون بصدمة نفسية، ونشعر بالغضب والحزن، ونطمح إلى تغيير هذه المشاعر. نحن نطلب من زعمائنا مساعدتنا في ذلك. والتحدي هو أن يفعلوا ذلك بالطريقة الصحيحة من أجل تاريخ إسرائيل، وليس من أجل هدف تكتيكي راهن وقصير الأمد. صحيح أنه من المؤسف أننا لم نفكك كتائب رفح قبل ثلاثة أشهر من المناورة البرية، لكننا لا نستطيع إعادة الزمن إلى الوراء. فالوضع تغيّر، ومن الأفضل حالياً عدم تضييع فرص إضافية. فالوقت الذي يمر يقلص الاحتمالات المتوافرة لدينا".