Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات إعادة إعمار السودان بعد عام من الحرب

تقارير: قطاع الصناعة فقد 70 في المئة ونظيره الخدمي وصل إلى 50 في المئة وطريق طويل ينتظر البلاد

حريق في برج شركة النيل الكبرى للنفط البترولي بالخرطوم   (أ ف ب)

ملخص

تقديرات المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية بالتعاون مع البنك الدولي أشارت إلى أن خسائر حرب السودان من الناتج المحلي بلغت نحو 15 مليار دولار

وضعت الحرب المستمرة منذ عام في السودان البلاد على حافة الانهيار الشامل وظروف اقتصادية استثنائية بتداعياتها وخسائر بشرية ومادية هائلة، وأسفرت عن أزمة إنسانية تأثيراتها عميقة في كل قطاعات الاقتصاد السوداني تسببت في خفض إيرادات الدولة بنسبة تفوق 80 في المئة، ولا يزال التدهور مستمراً مقابل تضاعف الإنفاق العام بصورة متزايدة منذ اندلاع الحرب في الـ15 من أبريل (نيسان)، بحسب وزير المالية جبريل إبراهيم.

فاتورة باهظة التكاليف

وشهد الاقتصاد السوداني انكماشاً بنسبة نحو 40 في المئة حتى نهاية العام الماضي، مع توقعات بارتفاع هذه النسبة خلال العام الحالي، فضلاً عن تدهور مريع في قيمة العملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي من 570 جنيهاً سودانياً قبل اندلاع الحرب إلى نحو 1350 جنيهاً اليوم.

ويؤكد باحثون أن فاتورة الحروب الحقيقية في صورتها النهائية لن تتضح إلا بعد توقف هدير الآلة العسكرية، وأشاروا إلى أنها قد تكون أكبر بكثير من كل التوقعات لتجد البلاد نفسها في مواجهة مهمة شاقة لإعادة الإعمار والبناء، ليس على المستوى المادي فحسب، بل أيضاً على مستوى معالجة الآثار الاجتماعية والإنسانية في حرب شهدت أبشع الممارسات من قتل ونهب وتدمير وانتهاك لحرمات البيوت والأعراض.

يضيف مراقبون أنه في حال توصل إلى اتفاق وقف الحرب فإن خيارات الإصلاح والإعمار تبدو أمراً غاية الصعوبة والتعقيد، لكنه غير مستحيل حالما توفرت الإرادة الوطنية والتكاتف المجتمعي لمجابهة تحدي توظيف تجربة الحرب المريرة وتحويلها إلى فرصة برؤية جديدة، تعتمد على تطوير قدراتها ومواردها.

خسائر ودمار

تقديرات المعهد الدولي لبحوث سياسات الأغذية بالتعاون مع البنك الدولي أشارت إلى أن خسائر تبلغ نحو 15 مليار دولار فاقد من الناتج المحلي للسودان، أي ما يعادل نحو 50 في المئة منه، في حال استمرار الحرب حتى نهاية عام 2023 وهو ما أصبح واقعاً الآن.

وقع النصيب الأكبر من الدمار على القطاع الصناعي الذي فقد 70 في المئة منه مدخلات الإنتاج والقوى العاملة، بينما تأثر القطاع الزراعي بنسبة نحو 20 في المئة، وفق تقديرات المعهد الدولي لبحوث الأغذية، أما القطاع الخدمي فقد بلغت نسبة الخسائر فيه نحو 50 في المئة تقريباً.

كما تشير التوقعات إلى احتمال فقدان 5 ملايين شخص وظائفهم بسبب الحرب معظمها في ولاية الخرطوم وبعض المناطق في إقليم دارفور بنهاية العام الحالي، في وقت يستهلك فيه السودانيون مدخراتهم بسرعة كبيرة، إضافة إلى تراجع القدرة الشرائية وانخفاض الدخول بنسبة 50 في المئة وتوسع مظلة الفقر بسبب النزوح والتشرد.

النداء الأول

مبكراً أطلق وزير الصحة الاتحادي المكلف هيثم محمد إبراهيم نداءً دولياً وإقليمياً ومحلياً لإعمار قطاع الصحة بالسودان، وانعقد الأسبوع الماضي الاجتماع الأول للجنة العليا لنداء وزارة الصحة لإعمار المستشفيات بهدف وضع ترتيبات والموجهات الأساسية وأهداف واضحة للنداء.

 وأفرد الاجتماع محوراً خاصاً للمرحلة الأولى يتعلق بإعمار المستشفيات التي دمرتها الحرب، تعقبها مراحل أخرى لتأهيل وتقوية النظم الصحية في الولايات الأخرى.

وأكد وزير الصحة أن الاجتماع الأول للجنة شكل بداية مبشرة، إذ اتضحت بعض المعالم للتنفيذ العاجل عقب عطلة عيد الفطر في المناطق الآمنة والمستشفيات التي عادت فيها الحياة والخدمات.

استدامة السلام

من جانبه يرى متخصص المراصد الحضرية بالمعهد العربي لإنماء المدن سابقاً أحمد طه صغير، ضرورة إعداد دراسة تنموية شاملة متشابكة ومتداخلة بشراكات مجتمعية مع تحديد أولوياتها للمديات القريبة والمتوسطة والبعيدة للتعامل مع النزاعات التي تؤدي إلى الحروب الأهلية.

يضيف، لكن مثل تلك الدراسة لا يمكن أن تتأتى إلا بعد الاتفاق الشامل على الوقف الكامل للحرب الدائرة الآن على أن تكون مسؤولية القيام بهذه الدراسة من أولويات الحكومة الوطنية الجديدة لتبني عليها طريق النهج المستدام لمعالجة النزاعات والخطوات اللازمة للتحول الديمقراطي، إذ إنه لا يمكن لأي جهة غير الحكومة الوطنية الجديدة القيام بمثل هذه الدراسة لطبيعتها التشاركية والمتكاملة والمتشابكة.

وأشار إلى ضرورة أن تعالج الدراسة التنموية الأسباب الجذرية للنزاعات والحروب السابقة في السودان بما فيها الحرب الراهنة، وتحديد الأخطار وكيفية الإدارة الناجحة لاستدامة العملية السلمية لمعالجة النزاعات بما يمكن من تحقيق التنمية المستدامة.

 

مائدة مستديرة

في خطوة استباقية استضاف بيت السودان بالعاصمة المصرية القاهرة الشهر الماضي فعاليات مائدة مستديرة لإعادة الإعمار في السودان التي نظمها مركز التكامل السوداني المصري بالقاهرة، أصدرت نحو 70 توصية في خصوص إعادة الإعمار، تضمنت أبرز توصياتها ضرورة حصر الخسائر وإنشاء بنك للإعمار وإحكام سيطرة الدولة على إدارة القطاعات الاستراتيجية واستعادة دور الاقتصاد، والاستعانة بقطاع خاص مقتدر مالياً وفنياً، مع التركيز على إعادة بناء المواطن على أساس الحقوق والواجبات، وإنشاء مجلس للعلاقات الخارجية.

وأوضح السفير على يوسف أن الهدف من المائدة هو تحقيق الأمن والسلم الشامل وإجراء مصالحة وطنية عميقة وتكوين أجهزة تنفيذية فاعلة وراشدة وابتدار سياسة خارجية متوازنة تحقق مصالح الدولة السودانية الجديدة، مشيراً إلى أن إعادة البناء والإعمار يمثل أكبر الأهداف لسودان ما بعد الحرب، لذلك من الضروري توفير العناصر الأساسية لتحقيق تلك المبادرة، وضرورة إعداد دراسات لإعانة اللجنة العليا على إعادة الإعمار والتعويضات على وضع خطة محكمة وشاملة.

أين الموارد؟

يرى المتخصص في الشأن الاقتصادي السياسي محمود يوسف الريح أن على النخب السياسية والعسكرية أن تتعلم من كوارث الماضي إذ لا مجال لسوء التقديرات التي جرت البلاد إلى هذا المصير القاتم، وأن الدمار المهول الذي تعرضت له البلاد يضاعف تحديات إعادة تأهيل القطاعات الخدمية والصحية والمعيشية الحيوية كأولوية قصوى لإعادة عجلة الحياة لتتواصل من جديد.

يشدد الريح على أن الحاجة إلى توافق وطني تبقى مطلوبة بشدة من أجل ضمان عبور هذه المرحلة الحساسة عبر إنجاز انتقال سياسي سلس ومستقر، يقود إلى انتخابات تقود بدورها إلى الحكم المدني الديمقراطي المنشود والتأسيس لحكومة انتقالية مدنية تتولى مهمة الشروع في إعادة الإعمار وبناء ما دمرته الحرب.

يشير إلى أنه في ظل هذا الواقع من الأفضل أن تكون هناك حكومة تكنوقراط مستقلة تتفرغ لمعالجة الملفات العاجلة والملحة المرتبطة بإعادة الحياة والخدمات والإعمار، بينما تنصرف القوى السياسية المدنية ومؤسسات الدولة لمفاوضات وترتيبات الانتقال، بما فيها بناء جيش مهني وطني موحد.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يلفت الريح إلى أن إعمار البنية التحتية وكثيراً من المشاريع الأخرى المرتبطة بها سيحتاج إلى موارد لا تتوفر للدولة السودانية، كما لن يكون هناك مانحون كثر ممن يقدمونه، مما يعني أن على السودان البحث عن حلول عبر تحريك موارده الذاتية، أو بالاقتراض من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، أو عبر شراكات استثمارية جادة كمورد مهم لاقتصاد البلاد ما بعد الحرب.

وقف الدمار

من زاوية أخرى يرى صلاح الأمين، المتخصص في النزاعات والتنمية، أن الوقت يبدو مبكراً للحديث عن إعادة الإعمار في ظل استمرار الحرب وعدم القدرة على إيقافها، إذ من الصعب الحديث عن البناء وإعادة الإعمار من دون إسكات آلة دمار الحرب المستمرة بالنظر إلى الخراب شبه الشامل الذي تتعرض له البلاد كل يوم ويتطلب وقف النزف أولاً وفوراً.

يرى الأمين أنه لا بد من تصميم خطة محكمة وشاملة لجميع جوانب الدمار وبتمثيل عريض من المكونات المجتمعية والسياسية والمجتمع الدولي والإقليمي، للنظر في كيفية توفير الموارد المطلوبة كعمود فقري في عملية إعادة الإعمار.

وفق الأمين فإن إعادة الإعمار مرحلة لا بد أن يسبقها ترميم وإعادة ثقة المجتمع في استدامة الأمن والاستقرار، وجعل حرب أبريل الراهنة آخر حروب السودان، ثم الشروع بعدها في عقد مؤتمرات قاعدية لسماع آراء أصحاب المصلحة الحقيقية في قضية إعادة التعمير، قبل الاتجاه نحو ترتيب عقد مؤتمرات إقليمية أو دولية للبحث عن التمويل والموارد.

 البرنامج المتكامل

في المقابل يرى الباحث الاقتصادي محمد الناير أن إعلان تشكيل لجنة عليا لإعادة الإعمار جاء في الوقت المناسب على أن تتضمن رؤية وبرنامجاً متكاملاً للإصلاح، وتكون مشروعات إعادة الإعمار جزءاً منه، مع ضرورة أن يتم هذا الأمر بصورة متناغمة مع الرؤية العسكرية لمسار العمليات الحربية الهادفة إلى حسم المعارك عسكرياً بحيث تكون الخطط جاهزة مع لحظة الحسم المنتظرة.

يؤكد الناير أهمية تحديد مصادر موارد برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يمكن عبره خفض معلات التضخم واستقرار سعر الصرف وأداء الموازنة العامة للدولة، مشدداً على ضرورة تفعيل دور القطاع المصرفي وكل القطاعات الإنتاجية لا سيما الصناعي الأكثر تضرراً، إضافة إلى القطاعات الخدمية والتجارية والقطاع الزراعي بشقيه النباتي والحيواني، وفق حسابات دقيقة وكلية متكاملة لمعالجة أوضاع ما بعد الحرب.

دعا المحلل الاقتصادي اللجنة المتخصصة إلى أن تشرع فوراً في مهمتها وتبدأ في حصر حجم الخسائر على رغم صعوبة اكتمال عمليات الحصر النهائية في ظل استمرار القتال حتى الآن، على أن يشمل الحصر كل خسائر البنية التحتية والقطاعات وفاقد الإيرادات وكذلك خسائر المواطنين، لأن عمل هذه اللجنة يرتبط مستقبلاً بمسألة التعويضات.

رؤية استراتيجية

في السياق، حدد تقرير حول "رؤية استراتيجية لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار في السودان"، إطاراً عملياً حول كيفية معالجة الصراع ووقف الاقتتال العسكري بالبلاد.

وسلط التقرير الضوء على خطة متقدمة لوقف إطلاق النار ووضع حد لتراكم الآثار الوخيمة للصراعات الهدامة التي لازمت السودان طوال الـ50 سنة الماضية، والمضي قدماً في مسيرة إعادة إعمار البلاد ووضع أسس للسلام بين المتصارعين وتحقيق الأهداف السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية خلال فترة انتقالية محددة الوقت والمهام والاختصاصات، تزامناً مع بسط الأمن بمساندة إقليمية ودولية.

لفت التقرير إلى أن الحرب المدمرة التي تكمل عامها الأول، أدت إلى كارثة امتدت آثارها الاقتصادية والاجتماعية لبقية الولايات السودانية ودول الجوار الأفريقي والعربي، وأضفت أعباء واستحقاقات متراكمة على الفترة الانتقالية السابقة في ظل فشل هذه الفترة في تحقيق استحقاقات السلام والانتعاش الاقتصادي وتهيئة البيئة المؤدية لانتخابات حرة ونزيهة.

بخلاف المساعدات الإنسانية، قالت الأمم المتحدة، وفي وقت سابق أن حاجات إعادة البناء والإعمار ستكون أضعافاً مضاعفة، وستضع السودان أمام اختبار حقيقي وتحتاج إلى تفكير خارج الصندوق.

وأعلنت الأمم المتحدة أنها راجعت خطتها السابقة منذ اندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منتصف أبريل الماضي، وتتوقع الآن أنها ستحتاج إلى أكثر من مليارين ونصف المليار دولار لتقديم مساعدات داخل أراضي السودان، إضافة إلى نحو 470 مليون دولار للاجئين والنازحين بسبب الحرب الجارية.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير