ملخص
مع الارتفاع في أسعار الخام ولو بقدر ضئيل، ترتفع أسعار الوقود في محطات البنزين في بريطانيا التي تزيد أصلا عن نظيراتها في الدول المماثلة نتيجة نسبة الضرائب
رغم التراجع الطفيف في أسعار النفط، إلا أنها تظل فوق حاجز 90 دولارا للبرميل، بينما توقع تقرير لوكالة "بلومبيرغ" أن يصل سعر النفط إلى 100 دولار هذا الصيف في ظل زيادة الطلب عن العرض في السوق. وفي آخر التعاملات كان سعر خام برنت القياسي عند 90.27 دولار للبرميل وسعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) عند 86.05 دولار للبرميل.
كانت أسعار النفط أضافت نسبة 4 في المئة الأسبوع المنتهي الجمعة، مرتفعة نتيجة التوترات الجيوسياسية حول العالم خاصة في الشرق الأوسط، ما زاد من مخاوف تعطل الامدادات. لكن الانباء المتفائلة بالتوصل إلى هدنة في حرب غزة قللت من تلك المخاوف لتهدأ الأسعار قليلا.
مع الارتفاع في أسعار الخام ولو بقدر ضئيل، ترتفع أسعار الوقود في محطات البنزين في بريطانيا التي تزيد أصلا عن نظيراتها في الدول المماثلة نتيجة نسبة الضرائب والرسوم التي تحصلها الخزانة العام على كل لتر وقود. ومع أن خام "برنت" يظل المقياس العالمي لأسعار النفط الخام، إلا أن حقول الانتاج في بحر الشمال ، تتراجع بوتيرة سريعة حتى يكاد خام "برنت" يختفي. وفي الوقت الذي يعاني منه السائقون في بريطانيا من ارتفاع أسعار الوقود لسياراتهم حاليا، لا يعرف كيف سيكون امن الطاقة مع توقف الانتاج من بحر الشمال وغيره من حقول النفط البريطانية.
اختفاء برنت
ليست هذه سابقة في الخامات القياسية التي تظل الأسواق تعتبرها مؤشرا على أسعار العقود الآجلة. فما زال "خام دبي" مؤشر أسعار لبعض خامات النفط على الرغم من توقف انتاجه. اليوم، في داخل بحر الشمال قبالة اسكوتلندا، هناك منصة هائلة لانتاج نفط من تحت مياه البحر مهجورة وتنتظر تفكيكها. تلك المنصة، "تشارلي برنت"، هي آخر المنصات المتبقية من حقل برنت الشهير الذي كان في يوم من اليام يوفر لبريطانيا ثلث احتياجات الاستهلاك المحلي من النفط.
واكتشف حقل "برنت" في السبعينيات، وفي قمة مجده كان ينتج 184 مليون برميل في السنة لتحصل شركة "شل" المالكة للحقل على المليارات من العائدات إضافة إلى نحو 20 مليار جنيه استرليني (23 مليار دولار) تحصلها الخزانة العامة كضرائب. كان الحقل من الضخامة لدرجة أنه احتاج 4 منصات لاستخراج نفطه، هي برنت تشارلي ، وألفا ،وبرافو ، ودلتا.
واختفت ألفا وبرافو ودلتا بعدما تم تفكيكها وإزالة مكوناتها من البحر، ولم تبق سوى برنت تشارلي مهجورة تنتظر المصير نفسه. وبنهاية هذا العام سيتم انتزاع المنصة العملاقة لتفكك وتحمل على سفينة "بايونيرنغ سبيريت" وهي سفينة هائلة متخصصة في تفكيك منصات انتاج النفط والغاز التي حان أوان تحولها إلى "خردة".
تتطلع سفينة "بايونيرنغ سبيريت" وأمثالها من سفن تفكيك وتكهين منصات النفط والغاز البحرية لموسم نشاط حافل في الفترة القادمة. فإلى جانب بحر الشمال، هناك 8 آلاف حقل بحري قبالة شواطيء بريطانيا بلغت مرحلة الشيخوخة وحان أوان اغلاقها وتفكيك منصاتها.
لا يقتصر تاثير تدهور انتاج النفط من بحر الشمال على الاضرار بأمن الطاقة في بريطانيا وعلى عائدات الخزانة من الضرائب على شركات الانتاج، بل إنه يمتد إلى الميزانية العامة ايضا. فكلفة تفكيك تلك المنصات البحرية وتكهينها قد تصل إلى 60 مليار جنيه استرليني (70 مليار دولار). ومع أن شركات الطاقة هي المسؤولة عن تفكيك تلك المنصات، إلا أن الاعفاءات الضريبية التي تتمتع بها تعني أنها ستطالب بتلك الأموال من الحكومة وبالتالي يتحملها في النهاية دافع الضرائب البريطاني.
تراجع كفاءة الاستثمار
في العام الماضي وحده، أغلقت 200 منصة بحرية لانتاج النفط والغاز في بريطانيا، بالاضافة إلى انتهاء صلاحية خط أنابيب بحرية بطول 250 كيلومتر، ما نتج عنه سحب 8 آلاف طن من الانشاءات تحت مياه البحر من المياه إلى البر، كما تشير صحيفة "الديلي تلغراف" في تقرير لها. ومن التوقع اغلاق 180 حقلا من حقول انتاج النفط والغاز في بريطانيا وعددها الآن 284 حقلا بنهاية العقد الحالي، اي في غضون 6 سنوات.
ليس اغلاق حقول النفط والغاز بسبب مظاهرات أنصار البيئة المدافعين عن المناخ مثلا، ولا حتى نتيجة تراجع الطلب على النفط. إنما تقول الشركات إن تلك الحقول لم تعد مجزية لها بسبب عدم كفاءة الاستثمار. وترجع شركات الطاقة ذلك إلى ما تصفه بانه "نظام الضرائب والرسوم العقابي" البريطاني.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
حسب البيانات والأرقام المتوفرة من الهيئة الانتقالية لبحر الشمالى (إن إس تي إيه) فإن انتاج بريطانيا من النفط وصل إلى ذروته قبل نحو ربع قرن عندما كان 150 مليون طن سنويا عام 2000. وكان ذلك الانتاج يساوي ضعف استهلاك بريطانيا من النفط. ذلك بالاضافة إلى انتاج 108 مليار قدم مكعب من الغاز الطبيعي، اي بما يزيد بنحو 20 مليار قدم مكعب عن استهلاك بريطانيا.
كانت صناعة النفط والغاز وقتها توظف نصف مليون شخص (500 ألف من العاملين) بشكل مباشر أو في شركات الخدمات المساعدة. وكانت الصادرات وعائدات الضرائب على الصناعة النفطية كبيرة جدا. على سبيل المثال، وفرت صناعة انتاج والنفط والغاز من الحقول البحرية على مدى خمسة عقود (من السبعينيات القرن الماضي حتى 2020) ما يصل إلى 400 مليار جنيه استرليني (466 مليار دولار) من الضرائب على شركات الطاقة العاملة في الحقول البحرية.
خسائر من كل جانب
للمقارنة، ففي العام الماضي لم تنتج بريطانيا سوى 38 مليون طن من النفط فقط، اي بانخفاض بنسبة 74 في المئة عما كان عليه الانتاج عام 2000، وبما يقل بمقدار 20 مليون طن عن احتياجات الاستهلاك في بريطانيا. أما انتاج الغاز في 2023 فلم يكون سوى عند 30 مليار قدم مكعب، اي اقل من نصف احتياجات الاستهلاك البريطاني. وتراجع عدد العاملين في القطاع إلى 130 ألفا، بينما لم تحصل الخزانة العام سوى 3 مليار جنيه استرليني (3.5 مليار دولار) من الضرائب.
إلى جانب الخسائر المباشرة نتيجة انهيار انتاج بحر الشمال من النفط والغاز، سواء بالنسبة للعمالة أو عائدات الضرائب للخزانة العامة، فإن نقص المعروض من الانتاج المحلي عن الطلب اللازم للاستهلاك يعني تعويض الفارق بالاستيراد. وتلك كلفة اضافية على ميزانية البلاد. فرغم كل الضجيج حول مصادر الطاقة الجديدة غير الوقود الأحفوري، لم يتغير اعتماد بريطانيا على النفط والغاز كمصدر أساسي للطاقة عما كان عليه قبل عقدين.
إذ يظل هناك نحو 27 مليون منزل في بريطانيا تتم تدفئتها باستخدام الغاز أو سخانات الوقود التي تعمل بزيت البترول. وتنتج بريطانيا ثلث الكهرباء بواسطة محطات تعمل بالغاز أو مشتقات النفط. كما أن هناك 30 مليون مركبة في بريطانيا تعمل بالبنزين أو الديزل. وما زالت بريطانيا تستهلك 77 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، اي بمعدل 1100 متر مكعب للفرد من سكانها. كما تستهلك سنويا 60 مليون طن من النفط، اي بمعدل طن نفط لكل مواطن.