ملخص
دخلت الولايات المتحدة والصين في حرب تجارية منذ عام 2018، إذ فرضت الولايات المتحدة تعرفة ضريبية بنسبة 25 في المئة على سلع معينة، كان الهدف منها تقليل كمية الواردات التي تُشترى من الصين
أظهرت الحرب التجارية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين آثارها السلبية على كلا البلدين وبخاصة في قطاع التصنيع، إذ شهدت الولايات المتحدة العام الفائت تضاؤلاً في النشاط التصنيعي لأطول فترة منذ عام 2002، بينما شهد الاقتصاد الصيني انكماشاً في 10 من الأشهر الـ 12 الماضية، ولكن كما يقول المثل الشائع فإن مصائب قوم عند قوم فوائد، وهذه الفوائد كانت من نصيب جار الولايات المتحدة، المكسيك.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أوضحت بالأرقام الإنجازات الكبرى التي حققتها المكسيك على الصعيد الاقتصادي خلال الأعوام القليلة الماضية، فحال عملة البلاد "البيزو" حالياً أقوى مما كانت عليه على الإطلاق خلال العقد الماضي، وتدفق الأموال الأجنبية إلى البلاد يشبه الطوفان، كما وصفته الصحيفة، كما ارتفع عدد الشركات متعددة الجنسيات ذات الأسماء الكبيرة الموجودة في البلاد إلى مستوى قياسي.
وربطت الصحيفة هذا التحول الاقتصادي البارز في المكسيك بالحرب التجارية القائمة بين أقوى اقتصادين في العالم، فمن جهة كانت العملة المكسيكية قوية على نحو غير عادي خلال الآونة الأخيرة، على رغم تقلبات العملات عالمياً منذ أوائل عام 2023 وضعف معظمها أو فقدان قيمتها عند مقارنتها بالدولار، إذ ارتفع البيزو المكسيكي 10 في المئة تقريباً في مقابل الدولار خلال العام الماضي وحده، ووصل في مارس (آذار) الفائت إلى أقوى مستوى له منذ عام 2015، وهذا الانتعاش كان ملاحظاً بشكل كبير، وبخاصة بعد المستويات المنخفضة القياسية التي وصل إليها بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وكذلك جائحة كورونا عام 2020.
وساعدت عملة المكسيك القوية أيضاً في كبح التضخم الذي عانته معظم دول العالم، والذي مهد الطريق بدوره أمام المكسيك للاستفادة من التدفق الكبير لرأس المال الأجنبي.
"وول ستريت جورنال" ذكرت أنه وبشكل عام قفز الاستثمار الأجنبي المباشر في المكسيك خلال النصف الأول من عام 2023 بنسبة 41 في المئة عن العام الذي سبقه، كما ارتفع الاستثمار في مشاريع البناء بنسبة 21 في المئة لعام 2023 ككل، ونما اقتصاد البلاد بأكثر من ثلاثة في المئة العام الماضي، على رغم امتلاك المكسيك بعض أعلى أسعار الفائدة في العالم، كما قالت إن تقديرات مؤسسة الخدمات المصرفية "مورغان ستانلي" تشير إلى أن الدول الأخرى ستشتري ما قيمته 609 مليارات دولار من صادرات المكسيك الصناعية على مدى الأعوام الخمس المقبلة، بزيادة قدرها 34 في المئة عن العام الماضي.
أما عن الأمر الذي يدفع الشركات العالمية إلى الاستثمار في المكسيك، فترى الصحيفة الأميركية أن الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة تشكل جزءاً كبيراً من القصة، وقالت إنه من المتوقع أن تضع شركات مثل "تيسلا" وشركة صناعة السيارات الكهربائية الصينية "بي واي دي" BYD خطط إنتاج رئيسة في المكسيك هذا العام، وقد قامت شركات مثل "يونيليفر" و"فوكسكون" بالفعل باستثمارات كبيرة في المصانع والإنتاج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ومن المعلوم أن الولايات المتحدة والصين دخلتا في حرب تجارية منذ عام 2018، إذ فرضت الولايات المتحدة تعرفة ضريبية بنسبة 25 في المئة على سلع معينة مستوردة من الصين، كان الهدف منها تقليل كمية الواردات التي تُشترى من الصين، وهذا ما حدث.
ففي عام 2023 تقلص العجز التجاري الأميركي مع الصين إلى أقل مستوى له منذ عام 2010، وكانت هذه هي المرة الأولى منذ 20 عاماً التي تتجاوز فيها صادرات المكسيك إلى الولايات المتحدة صادرات الصين.
"وول ستريت جورنال" قالت إن مرد هذا ليس أن الأميركيين توقفوا عن شراء السلع التي تصنعها الشركات الصينية، وإنما لأن كثيراً من الشركات الصينية والأميركية التي تتعامل بشكل كبير مع الصين نقلت عملياتها إلى المكسيك، وتقوم بشحن المنتجات إلى الولايات المتحدة من هناك باستخدام "اتفاق التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا" (USMCA) [حلّ بديلاً عن اتفاق أميركا الشمالية للتجارة الحرة ’NAFTA’ عام 2020] لتجنب الرسوم الجمركية.
ومن المعلوم أن معظم السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من المكسيك لا تخضع للتعريفات الجمركية، وإنما فقط واردات السيارات من المكسيك التي لا تمتثل للوائح (USMCA) هي التي تواجه تعرفة بنسبة 2.5 في المئة فقط بموجب قانون التجارة الأميركي، ولذلك فحتى المنتجات مثل السيارات التي تحوي أجزاء من الصين وتقوم شركة صينية في المكسيك بتجميعها تحصل على خفض كبير في التعرفة الجمركية.
وختمت الصحيفة أنه ومع عدم وجود نهاية في الأفق للحرب التجارية بين البلدين، فمن الممكن أن تستمر الاستثمارات الكبيرة في المكسيك.