ملخص
تظهر صورة قدمتها شركة "بلانيت لابز" للتصوير بالأقمار الاصطناعية طائرة "بوينغ 747" يتطابق طول جناحيها مع طول جناحي الطائرة "747-200" بمطار بورتسودان في السابع من ديسمبر الماضي، وهو يشير إلى تاريخ أولى الرحلات الجوية بين إيران وبورتسودان.
قال مصدر كبير بالجيش السوداني إنه مع مرور عام على بدء الحرب الأهلية في السودان، تساعد الطائرات المسيرة المسلحة إيرانية الصنع "التي طورها الجيش السوداني" في تحويل دفة الصراع ووقف تقدم قوات "الدعم السريع" شبه العسكرية التي يحاربها واستعادة أراض حول العاصمة.
كما قالت ستة مصادر إيرانية ومسؤولون ودبلوماسيون بالمنطقة طلبوا، شأنهم شأن المصدر العسكري، عدم الكشف عن هوياتهم بسبب حساسية المعلومات، لوكالة "رويترز" إن الجيش حصل على طائرات مسيرة إيرانية الصنع خلال الأشهر القليلة الماضية.
طائرات مسيرة
وذكر أكثر من 10 من سكان الخرطوم أن القوات المسلحة السودانية استخدمت بعض الطائرات المسيرة القديمة في الأشهر الأولى من الحرب إلى جانب بطاريات صواريخ وطائرات مقاتلة، لكنها لم تحقق نجاحاً يذكر في القضاء على مقاتلي قوات "الدعم السريع" المتمركزين في أحياء مكتظة بالسكان في الخرطوم ومدن أخرى.
وقال خمسة شهود من السكان إنه في يناير (كانون الثاني)، أي بعد تسعة أشهر من اندلاع القتال، بدأ استخدام طائرات مسيرة أكثر فاعلية من قاعدة وادي سيدنا العسكرية شمال الخرطوم.
وأضاف السكان أن الطائرات المسيرة بدا أنها تراقب تحركات قوات "الدعم السريع" وتستهدف مواقعها وتحدد بدقة ضربات المدفعية في أم درمان، وهي واحدة من ثلاث مدن على ضفاف نهر النيل تضم العاصمة الخرطوم.
وقال محمد عثمان (59 سنة) وهو من سكان حي الثورة في أم درمان "في الأسابيع الماضية، الجيش أصبح يستخدم مسيرات دقيقة في العمليات العسكرية أجبرت ’الدعم السريع‘ على الهرب من مناطق كثيرة، وجعلت الجيش يستطيع نشر قواته على الأرض في أم درمان القديمة بكثافة تحت حماية الطيران".
تسليح إيراني
ولم تشر أي تقارير في السابق إلى حجم وطريقة نشر الجيش للمسيرات الإيرانية في أم درمان ومناطق أخرى، وأفادت وكالة "بلومبرغ" ووسائل إعلام سودانية بوجود طائرات مسيرة إيرانية في البلاد.
ونفى المصدر الكبير بالجيش السوداني أن تكون المسيرات إيرانية الصنع جاءت مباشرة من طهران، وامتنع عن ذكر كيفية شرائها أو عدد الطائرات التي حصل عليها الجيش. ولم تتمكن الوكالة من التوصل إلى تلك التفاصيل على نحو مستقل.
وقال المصدر إنه على رغم عودة التعاون الدبلوماسي بين السودان وإيران العام الماضي، لا يزال التعاون العسكري الرسمي معلقاً.
ورداً على سؤال عن الطائرات المسيرة الإيرانية، قال وزير الخارجية السوداني المكلف علي الصادق، وهو حليف للجيش وزار إيران العام الماضي "لم يحصل السودان على أي سلاح من إيران"، ولم ترد إدارة الإعلام بالجيش ولا وزارة الخارجية الإيرانية على طلبين للتعقيب.
انتكاسات وأدلة
وأقرت قوات "الدعم السريع" بأنها تعرضت لانتكاسات في أم درمان، وقال مكتبها الإعلامي إن الجيش تسلم طائرات مسيرة إيرانية وأسلحة أخرى، استناداً إلى معلومات استخبارية جمعتها، ولم تستجب لطلبات لتقديم الأدلة على ذلك.
وقالت المصادر الإيرانية والإقليمية إن دعم طهران للجيش السوداني يهدف إلى تعزيز العلاقات مع البلد ذي الموقع الاستراتيجي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يقع السودان على ساحل البحر الأحمر، وهو موقع مهم في ظل المنافسة بين القوى العالمية، بما في ذلك إيران، مع احتدام الحرب في الشرق الأوسط، وعلى الجانب الآخر من البحر الأحمر يشن الحوثيون في اليمن هجمات دعماً لحركة "حماس" في غزة.
وقال دبلوماسي غربي طلب عدم نشر اسمه "ما الذي ستحصل عليه إيران في المقابل؟ لديهم الآن نقطة انطلاق على البحر الأحمر وعلى الجانب الأفريقي".
والمكاسب الأخيرة على الأرض هي الأكبر بالنسبة إلى الجيش منذ بدء القتال بالعاصمة السودانية في أبريل (نيسان) الماضي.
دعم الجوار
والحرب بين قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان وقائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" ألقت بملايين في براثن الجوع، وخلقت أكبر أزمة نزوح في العالم، وتسببت في موجات من أعمال القتل والعنف الجنسي ذات الدوافع العرقية في منطقة دارفور بغرب السودان.
ويقول خبراء من الأمم المتحدة إن الجهود الحربية لقوات "الدعم السريع" تحصل على دعم من دول أفريقية مجاورة منها تشاد وليبيا وجنوب السودان.
وذكر شاهدان أن نجاح الجيش في أم درمان سمح له اعتباراً من فبراير (شباط) الماضي بمواصلة هجمات مماثلة باستخدام الطائرات المسيرة والمدفعية والقوات البرية في بحري شمال الخرطوم، لمحاولة السيطرة على مصفاة الجيلي المهمة لتكرير النفط.
وقال الجيش إن مكاسبه الأخيرة ساعدت أيضاً في تجنيد آلاف المتطوعين في المناطق التي يسيطر عليها، وعمليات تجنيد المتطوعين جارية منذ أكثر من ستة أشهر وتتسارع منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي.
رحلات جوية
كان التعاون بين السودان وإيران وثيقاً في عهد الرئيس السابق عمر البشير، إلى أن لجأ إلى خصوم طهران في الخليج للحصول على دعم اقتصادي في أواخر فترة حكمه الذي استمر ثلاثة عقود، مما أدى إلى قطع العلاقات مع طهران.
وقال أمين مجذوب، وهو جنرال سابق بجهاز المخابرات السوداني، إن السودان كان يصنع في السابق أسلحة بمساعدة إيران، وأعاد تهيئة طائرات مسيرة كانت بحوزته بالفعل لجعلها أكثر فاعلية خلال الحرب، ولم يعلق المجذوب تحديداً على مصدر الطائرات المسيرة التي استخدمت أخيراً في القتال.
وذكر مصدر إقليمي مقرب من الدائرة الحاكمة في إيران أن شركة الطيران الإيرانية (قشم فارس إير) نقلت طائرات مسيرة إيرانية من طرازي "مهاجر" و"أبابيل" للسودان مرات عدة منذ أواخر العام الماضي.
وطائرات "مهاجر" و"أبابيل" المسيرة تصنعها شركات تعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الإيرانية، التي لم ترد بعد على طلب للتعقيب.
تظهر سجلات تتبع رحلات جوية جمعها فيم زويننبرج من منظمة "باكس" الهولندية للسلام وقدمها إلى الوكالة أنه في ديسمبر (كانون الأول) 2023 ويناير (كانون الثاني) 2024، قامت طائرة شحن من طراز "بوينغ 747-200" تابعة لـ"قشم فارس إير" بست رحلات من إيران إلى بورتسودان، وهي قاعدة مهمة للجيش منذ سيطرة قوات "الدعم السريع" على مواقع استراتيجية بالخرطوم في الأيام الأولى من الحرب.
شركات سودانية
ولم تشر أي تقارير سابقة إلى وتيرة هذه الرحلات، ولم ترد "قشم فارس إير" الخاضعة لعقوبات أميركية، على رسائل بالبريد الإلكتروني ومكالمات هاتفية، ولم يتسن للوكالة التأكد مما إذا كانت التفاصيل المذكورة في شأن شركة الطيران محدثة.
وتظهر صورة قدمتها شركة "بلانيت لابز" للتصوير بالأقمار الاصطناعية، التي تحققت الوكالة من موقع وتاريخ التقاطها، طائرة "بوينغ 747" يتطابق طول جناحيها مع طول جناحي الطائرة "747-200" بمطار بورتسودان في السابع من ديسمبر، وهو ما يقول زويننبرج إنه تاريخ أولى الرحلات الجوية.
وأضاف زويننبرج أن طائرة "مهاجر-6" ظهرت في يناير الماضي على المدرج في قاعدة وادي سيدنا في صورة أخرى التقطتها الأقمار الاصطناعية في التاسع من الشهر نفسه.
وذكرت قوات "الدعم السريع" أن الجيش يتلقى مرتين أسبوعياً شحنات تحملها طائرات شحن إيرانية تضم طائرات مسيرة وأسلحة أخرى من طهران، وقالت للوكالة إن معلومات استخبارات قوات "الدعم السريع" أظهرت تسليم مسيرات إيرانية من طراز "مهاجر-4" و"مهاجر-6" وأبابيل إلى بورتسودان، وقالت إنها أسقطت عدداً من الطائرات المسيرة.
ولم تقدم قوات "الدعم السريع" أدلة على تسليم الطائرات المسيرة.
والحصول على أسلحة من إيران قد يعقد علاقات الجيش السوداني مع الولايات المتحدة التي تقود مساعي إلى إجراء مفاوضات بين الطرفين المتحاربين، ولم ترد وزارة الخارجية الأميركية على طلب للتعقيب على ما ورد في هذا التقرير.
وقال السفير الأميركي السابق لدى السودان جون جودفري لصحافيين قبل وقت قصير من انتهاء مهمته هناك الشهر الماضي إن التقارير عن الدعم الإيراني للجيش السوداني بالسلاح "مزعجة للغاية، ومصدر قلق كبير لنا".