أسئلة عن مصير الكون تثيرها خريطة فائقة التفصيل عنه

أورد علماء وضعوا الخريطة الثلاثية الأبعاد الأكثر تفصيلاً عن كوننا، أن الطاقة المظلمة "تتطور".

وبحسب أولئك العلماء، تؤكد البيانات الجديدة أن الكون يتمدد بتسارع متزايد، لكنها تشي أيضاً بأن الطاقة المظلمة التي تقود عملية التمدد، تتغير مع مرور الزمن ما يتناقض مع فهمنا حاضراً عن الكون.

[منذ عشرينيات القرن الماضي، لوحظ أن المجرات تتباعد عن بعضها، بمعنى أن الكون يتمدد. وحينها، أظهرت الحسابات أن معدل التمدد ثابت، لكن هذا المفهوم يتغير الآن].

وقد وُضِعَتْ تلك الخريطة بفضل أعمال "أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة" Dark Energy Spectroscopic Instrument ، اختصاراً "دي إي أس آي" DESI التي تستطيع رصد الأضواء حتى تلك التي انطلقت قبل 11 مليار سنة؛ ما أتاح للعلماء صنع خريطة للكون تشمل أكثر من ستة ملايين مجرة. وكذلك أُتيح للعلماء رؤية الكون إبّان يفاعته نسبياً.

[حتى وقت قريب، ساد اعتقاد بأن عمر الكون يفوق 13 مليار سنة بقليل، لكن بعض البحوث الحديثة ترى أن عمره قد يفوق ضعفي ذلك].

كذلك يأمل العلماء بأن يستعملوا تلك البيانات الهائلة كي يرسموا خريطة عن تأثير الطاقة المظلمة، وبالتالي، توسيع الفهم عن تلك الطاقة الغامضة التي يُعتقَد بأنها تدفع الكون إلى التسارع في التمدد.

وتشكل الدراسة المرة الأولى التي درس فيها الباحثون الكون المُبَكِّر بدقة تفوق الواحد في المئة، ما أتاح صنع أفضل صورة لدينا عن تطور الكون حتى الآن.

وفي غالبيتها، تتوافق البيانات الجديدة مع أفضل النماذج المتوافرة بالفعل عن الكون. وفي المقابل، أورد العلماء أن "هنالك فوارق تنطوي على إمكانات مثيرة، قد تشير إلى أن الطاقة المظلمة تتطور مع مرور الزمن"، وأن النهوض بمزيد من العمل في ذلك الإطار، قد يكشف مزيداً من الأشياء عن الكون.

استكمالاً، أُنجِز البحث بواسطة "أداة التحليل الطيفي للطاقة المظلمة" المُكوَّنة من تلسكوب يتألف من خمسة آلاف روبوت تُدقق في أعماق أرجاء الكون. [يقصد بذلك أن "العدسة" الرئيسة للتلسكوب تتألف من الألياف التي تحركها خمسة آلاف يد روبوتية، فكأن كل منها تلسكوب مستقل. وتجمع صور التلسكوبات الصغيرة بواسطة كمبيوتر].

ويُعرف أفضل نموذج لدينا عن الكون باسم "لامبادا سي دي أم" Lambda CDM ، ذلك أن التسمية تجمع بين "المادة المظلمة الباردة" cold dark matter، واختصاراً "سي دي أس أم" CDSM، مع الطاقة المظلمة التي تعرف أيضاً باسم "لامبادا" Lambda.

[مع الأخذ في الاعتبار أن المادة المظلمة ليست مفهومة بشكل كامل، يميز العلماء بين ثلاثة أنواع منها، وتسهم كلها في مقاومة تمدد الكون. وهنالك النوع الساخن الذي يتألف من مكونات تتحرك بسرعة فائقة ترافقها طاقة مناسبة لحركتها. ويتشكل النوع البارد من مكونات بطيئة السرعة ما يعني أن طاقتها "أبرد" من نظيرتها الساخنة. وتقع المادة المظلمة الدافئة Warm Dark Matter في مرتبة وسطى بين هذين النوعين].

وكذلك لا يزال الباحثون غير متيقنين من كيفية التفاعل بين هذين الطرفين، المادة المظلمة الباردة والطاقة المظلمة، ولا كيفية تأثيرهما على تطور كوننا. في المقابل، يرجح أن خلاصات أعمال السنة الأولى لمشروع "دي إي أس آي" تؤشر إلى أنها تتسم بالدقة، مع وجود بعض الفوارق الغامضة والمثيرة للاهتمام.

وتستمر بحوث "دي إي أس آي" لخمس سنوات، ويورد الباحثون أنه قد يظهر في خاتمة المطاف، ان الفوارق قد لا تحمل تلك الدلالة التي تبدو عليها. لكن، يرى العلماء أنها قد توحي أيضاً بحاجتنا إلى تحديث نموذجنا عن الكون.

وبحسب عالم الفلك الجزائري مصطفى إسحاق بوسحاقي، بروفيسور في الفيزياء من جامعة تكساس بدالاس وعضو في الفريق العلمي للبحث، فإن "نتائجنا تظهر بعض الانحرافات المثيرة للاهتمام عن النموذج المعياري للكون، ما قد يشير إلى تطور الطاقة المظلمة مع مرور الزمن. كلما راكمنا المزيد من البيانات، نغدو أكثر تجهُّزاً لحسم مدى مصداقية ما عثرنا عليه من فوارق. مع تزايد البيانات، قد نتعرف إلى تفسيرات مختلفة عن النتيجة التي لاحظناها أو قد نؤكدها. إذا أثبتت مصداقيتها، فمن شأن تلك النتيجة أن تلقي بعض الضوء على ما يتسبب في تسارع التمدد الكوني، وبالتالي، ستقدم خطوة ضخمة في فهم تطور كوننا".

وقد نشر العلماء مجموعة كبيرة من الأوراق العلمية المنجزة في السنة الأولى من بيانات أداة "دي إي أس آي"، على موقع "أي إكس آي في" ، المفتوح المصدر والمخصص لنشر الأوراق البحثية. وكذلك فإنهم سيقدمون عملهم خلال اجتماع "الجمعية الأميركية للفيزياء" American Physical Society في الولايات المتحدة، و"لقاءات أصحاب الخوذات المفتوحة" Rencontres de Moriond المخصصة لمناقشة مستجدات الفيزياء، في إيطاليا.