ملخص
في صبيحة الـ 13 من أبريل (نيسان) 1975 وأثناء حضور رئيس "الكتائب" بيار الجميل تدشين كنيسة "سيدة الخلاص" في عين الرمانة القريبة من العاصمة بيروت، وصلت سيارة "فولكس فاغن" يقودها عنصر لبناني من "الكفاح المسلح الفلسطيني" يدعى أحمد ناصر، وحاولت اختراق الشارع الذي أقفلته القوى الأمنية لمناسبة الحفل، ولم يذعن ناصر لتعليمات قوة الدرك اللبناني وتلاسن مع شباب "الكتائب" الذين أطلقوا النار على السيارة المتقدمة نحوهم مما أدى إلى جرح عنصر "الكفاح المسلح" ونقله إلى المستشفى.
عمليتا اغتيال لصحافيين كانتا شرارة "ثورة 58" التي تعتبر حرباً أهلية لبنانية مصغرة، ففي الثامن من مايو (أيار) 1958 ترجل صاحب جريدة "التلغراف" نسيب المتني من سيارته عائداً لمنزله نحو الثالثة فجراً، فعاجله مسلح بخمس رصاصات، وآخر كلمات المتني كانت "يا كلب، يا جبان".
على إثر الاغتيال، اندلعت الاشتباكات المسلحة في طرابلس شمال لبنان، ثم عمت مناطق عدة، وتلك الحرب الأهلية المصغرة تذرعت بعنوان خارجي تمثل بالخلاف بين رئيس الجمهورية كميل شمعون والرئيس المصري آنذاك جمال عبدالناصر في عز الاحتدام بين "حلف بغداد" المناهض للشيوعية، والمد الناصري المؤيد للاتحاد السوفياتي.
نسيب المتني كان معارضاً للرئيس شمعون، وعملياً وضعت "الثورة" أوزارها في يوليو (تموز) ذلك العام بنزول فرقة "المارينز" الأميركية على الشواطئ اللبنانية وفق ترتيب غير معلن ما بين الولايات المتحدة وعبدالناصر، وبعد شهرين وفي الـ 19 من سبتمبر (أيلول) 1958 خطف الكاتب في جريدة "العمل" الناطقة باسم حزب "الكتائب" فؤاد حداد الملقب بـ "أبو الحن" (نوع من العصافير)، وبحسب كتاب "أوراق من دفتر الوطن (1946-1961) لضابط الاستخبارات السوري سامي جمعة، فقد خُطف فؤاد حداد إلى سوريا ثم قُتل في لبنان بأمر من عبدالحميد السراج، رجل عبدالناصر في الاستخبارات السورية. واللافت أن السراج نفسه اُتهم بقتل المتني على رغم قربه من التيار الناصري، بهدف إشعال الفتنة على غرار "فتنة 1860" بين المسيحيين والدروز في جبل لبنان، فالمتني مسيحي ومن منطقة مسيحية - درزية منقسمة بحدة بين شمعون الماروني وخصمه اللدود كمال جنبلاط الدرزي.
اغتيال "أبو الحن" مهد لقيام "الثورة المضادة" التي قادها مؤسس حزب "الكتائب" بيار الجميل لتصحيح "الوضع المسيحي" والتي أثمرت حكومة من أربعة وزراء هم بيار الجميل وريمون إده وحسين العويني ورئيس الحكومة رشيد كرامي، ويمكن القول إن اغتيالاً أشعل "الثورة" وآخر ختمها.
وعلى وقع اغتيالين اندلعت الحرب الأهلية الكبرى في الـ 13 من أبريل (نيسان) عام 1975 في تظاهرة للصيادين في صيدا جنوب لبنان، احتجاجاً على منح شركة "بروتيين" رخصة لاستثمار الثروة السمكية، وتحديداً في الـ 26 من فبراير (شباط) ذلك العام، وبينما كانت التظاهرة تجوب شوارع المدينة تحت المطر بدأ تفجير أصابع "ديناميت" في الهواء الطلق من ضمن "طقوس الاحتجاج" وعلى مرأى الجيش الذي يراقب التظاهرة، وبين أصوات "الديناميت" والرصاص وقع معروف سعد أحد وجهاء المدينة جريحاً برصاصة لم يُعرف مصدرها إلى اليوم. وفي السادس من مارس (آذار) توفي معروف سعد في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، وارتفعت حرارة الدولة المريضة بأعراض التدخل المسلح الفلسطيني وأزمة الحكم المتمادية منذ الاستقلال عام 1943.
وفي صبيحة الـ 13 من أبريل 1975 وأثناء حضور رئيس "الكتائب" بيار الجميل تدشين كنيسة "سيدة الخلاص" في عين الرمانة القريبة من العاصمة بيروت، وصلت سيارة "فولكس فاغن" يقودها عنصر لبناني من "الكفاح المسلح الفلسطيني" يدعى أحمد ناصر، وحاولت اختراق الشارع الذي أقفلته القوى الأمنية لمناسبة الحفل، ولم يذعن ناصر لتعليمات قوة الدرك اللبناني وتلاسن مع شباب "الكتائب" الذين أطلقوا النار على السيارة المتقدمة نحوهم مما أدى إلى جرح عنصر "الكفاح المسلح" ونقله إلى المستشفى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد دقائق وقبل بدء القداس وصلت إلى المكان ذاته سيارة "فيات" حمراء بداخلها عدد من المسلحين، فاخترقت السيارة المسرعة الحواجز وبدأ ركابها بإطلاق النار عشوائياً أمام الكنيسة، فقتل جوزيف أبو عاصي وأنطوان الحسيني وديب عساف وإبراهيم أبو خاطر، وجُرح سبعة آخرون.
أبو عاصي كان المرافق الشخصي لبيار الجميل، واعتبرت الحادثة محاولة اغتيال لرئيس "الكتائب"، أحد أقوى الأحزاب المسيحية، ونزل الأهالي في حال هستيرية إلى الشوارع، ولأن "دولة الاستقلال" المحمومة كان يجب أن تنتهي تحت وطأة أعراض هذه الحمى السياسية المتمادية، فقد وجدت حافلة صغيرة تقل أيضاً فلسطينيين بسلاحهم الظاهر وطريقها إلى المكان المتوتر ذاته.
الحافلة العائدة من تشييع أحد عناصر "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين" في مخيم "شاتيلا" انبرى شخص مجهول وطلب من سائقها اللبناني مصطفى حسين عبور الشارع الخطأ، فالطريق المعتاد لخط مرور المسلحين إلى مركزهم في مخيم "تل الزعتر" لا يمر بشارع "المراية" الفرعي، وفي تلك اللحظة كُتبت للبنان حربه الدامية التي استمرت إلى عام 1990، عندما أمطر الأهالي المسلحين في الحافلة بوابل من الرصاص وقتلوا 26 من ركابها اعتقاداً منهم أنهم عرضة لهجوم من مسلحي "الجبهة الشعبية".
في كتابه "من ميشال عفلق إلى ميشال عون... تجارب في علاقة مستحيلة"، كان فايز قزي شاهداً على اللقاء الذي جمع في فبراير 1989 ياسر عرفات برئيس الحكومة الانتقالية ميشال عون في تونس بعد "حرب التحرير" التي أعلنها عون ضد النظام السوري.
وتعمد عرفات، الخصم آنذاك لرئيس النظام السوري حافظ الأسد، خلال اللقاء إبلاغ عون أنه يضع بتصرفه "البندقية الفلسطينية في لبنان"، وهذه البندقية التي فجرت لبنان عام 1975 انتهت مفاعيلها في 1990 لتقع الدولة اللبنانية التي أنشأها "اتفاق الطائف" ضحية اغتيال سيادتها واستقلالها من قبل الجيش السوري إلى عام 2005، ومنذ ذلك التاريخ والدولة رهينة عند "حزب الله" التابع لإيران، وقبل أيام كاد يعلن رسمياً موت "الجمهورية الثانية" التي افتداها بدمه باسكال سليمان المسؤول في حزب "القوات اللبنانية"، لكن الحكمة أجّلت الإعلان إلى حين.