دخلت واشنطن وطهران مرة أخرى في مرحلة مواجهة وتوتر عالٍ خلال عطلة نهاية الأسبوع الأخيرة.
فبعد الهجمات على مرافق النفط السعودية التي عطلت السوق العالمية، وجهت إدارة ترمب وبسرعة أصابع الاتهام صوب إيران.
في المقابل، أنكرت طهران الاتهامات، وتبنى حلفاؤها الحوثيون المسؤولية عن الهجمات، فهم يخوضون حربا شرسة منذ فترة طويلة ضد التحالف السعودي المدعوم أميركيا في اليمن، ولديهم حوافز كافية للهجوم على السعودية.
وقد اتهم وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو إيران بشن الهجمات بلغة قد تهيئ الأرضية لهجوم انتقامي محتمل.
كان خروج جون بولتون من البيت الأبيض قد زاد من إمكانية تحول ترمب باتجاه الدبلوماسية والابتعاد عن حرب محتملة مع إيران، لكن بعد أقل من أسبوع على مغادرته، عادت الحرب الكلامية مع إيران إلى سابق عهدها، إذ هدد ترمب طهران على موقع تويتر، بقوله إن الجيش الأميركي "متهيئ للقتال"، بينما قال قائد الحرس الثوري الإيراني إنهم مستعدون للحرب.
من جانبه، قال جمال عبدي، رئيس المجلس الوطني الإيراني- الأميركي، احدى المنظات الأهلية في واشنطن، إن انسحاب بولتون من الإدارة الأميركية كان فرصة لترمب لتغيير سياسته لكنه لم يكن سوى تغيير تجميلي محض.
وقال عبدي للاندبندنت إنه "مع بقاء أشخاص مثل مايك بومبيو في الإدارة الأميركية واستمرار ضعف القيادة التي ينتهجها الرئيس ترمب، لا تشي الأمور أن تغييرا حقيقيا قد طرأأ".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد أظهرت استطلاعات الرأي أنه ليس هناك شهية لدى الولايات المتحدة لحرب أخرى في الشرق الأوسط. فالأميركيون أدركوا تكاليف الحرب الباهظة وهم يطلبون من زعمائهم إنهاء تلك التي بدأوها سابقا.
فعدا عن تعليقات ليندزي غراهام ومستشاري "فوكس أند فريندز" من وقت إلى آخر، الصوت الكاسح خارج واشنطن اليوم هو ضد حرب جديدة، وترمب يعكس ذلك الصوت المعادي للحرب.
كان البحث المؤقت في إمكانية القيام بإجراء عسكري محدود ضد إيران بعد إسقاطها طائرة مسيَّرة أميركية، اختبارا لإرادة ترمب لخوض حرب، لكنه أظهر أنه لا يريد البدء بنزاع جديد.
غير أن منحى ترمب الانعزالي يتعارض مع خطاباته الهجومية، وصقور إدارته الذين يحيطون به ويسعون إلى دفعه للقيام بضربات عسكرية متزايدة ومحدودة، يمكنها أن تتطور إلى نقطة اللا عودة.
بالعودة إلى يونيو (حزيران) الماضي، كان بومبيو واحدا من مساعدي ترمب الكبار الداعمين لضربات عسكرية ويبدو أنه ما زال متمسكا بموقفه.
في المقابل قال ستيفن مايلز، المدير التنفيذي لـ "الانتصار من دون حرب"، المنظمة المناصرة لتجنب الحروب في واشنطن إن "إدارة ترمب وجدت الشرق الأوسط مملوءا بالحطب، فقررت صب البنزين فوقه. وحاليا يمكن لأي شرارة أن لا تشعل حريقا فحسب بل جحيما".
يُلمّح دونالد ترمب وحسن روحاني أنه من الممكن أن يلتقيا لحل الأزمة الأميركية- الإيرانية.
وإذا كانت إيران لا تملك القدرات العسكرية التي في حوزة الولايات المتحدة وحلفائها في الخليج، فإن طهران أعدت نفسها منذ فترة طويلة ليوم كهذا، فالإيرانيون عززوا أنظمتهم الدفاعية وكونوا نفوذا لهم من خلال وكلاء متعددين في الشرق الأوسط. لذلك فإنه حتى لو وقعت ضربات محدودة على إيران فإنها قادرة بسهولة وسرعة على التحول إلى حرب إقليمية.
غير أن إيران وإن تكن ربما مستعدة للحرب فإنها لا تريد البدء بها.
وفي هذا السياق قال روح الله نخاعي المراسل الدبلوماسي في صحيفة "الشرق" الإيرانية البارزة، إن استراتيجية إيران هي الاستمرار بممارسة الضغط خطوة خطوة على أوروبا لإجبارها على القيام بإجراء ما، وفي الوقت نفسه احتواء المتشددين الإيرانيين من أجل تجنب البدء بالحرب.
وقال نخاعي للاندبندنت إنه لم يحصل أن اتخذت القوات العسكرية الإيرانية أي "إجراء غير مبرر" يمكنه أن يضر بموقف إيران الدبلوماسي. وأضاف أن "أفضل سيناريو هو عودة ترمب إلى اتفاق "خطة العمل المشتركة الشاملة" (الاتفاق النووي الذي انسحبت الولايات المتحدة منه بشكل أحادي)، والبدء ثانية بالمفاوضات، وإذا لم يحدث ذلك فإن إيران ستستمر في كسب الوقت وتسعى لمنع وقوع كارثة".
إلا أنه طالما أن ترمب غير راغب بالتخلي عن حملته في ممارسة أقصى الضغط على إيران من خلال فرض عقوبات اقتصادية خانقة ضدها، فإنه قد يكون غير قادر على البدء بدبلوماسية مع طهران. ولعل ترمب قد وضع نفسه في حفرة حفرها بنفسه من دون وجود منفذ حقيقي للخروج منها. وشخصية صانع الصفقات العظيم التي يحاول الحفاظ عليها راحت تتحول أكثر فأكثر إلى صورة صقر الحروب.
© The Independent