ملخص
الأمم المتحدة أكدت أنها لا تزال بعيدة من توفير المبلغ اللازم المستهدف بالنظر إلى أن ما يعادل 27 مليون شخص يحتاجون إلى تدخل إنساني عاجل
مع دخول الحرب في السودان عامها الثاني، ووسط أزمة إنسانية متصاعدة يعيشها ملايين النازحين، بينما يهددهم شبح مجاعة وشيكة تلوح في الأفق، وانهيار تام للبنية التحتية، التأم مؤتمر باريس برئاسة مشتركة بين فرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي، وبمشاركة 20 دولة وممثلي منظمات دولية والمجتمع المدني. وشاركت تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم) بوفد ترأسه رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك إلى جانب 40 شخصية سودانية من منظمات المجتمع المدني في السودان، فيما لم تدع الحكومة السودانية متمثلة في قيادة الجيش، كما لم يدع "الدعم السريع".
انفض سامر المؤتمر عن مناشدة ألمانيا المجتمع الدولي بتقديم دعم عاجل للسودان في ضوء الوضع الإنساني المأسوي بسبب الحرب، بينما تعهد المشاركون تقديم مساعدات إنسانية تبلغ نحو 2.7 مليار دولار لدعم المدنيين، جمع منها 842 مليون دولار تقريباً، بإعلان كل من فرنسا تمويل خطة الاستجابة الإنسانية بنحو 110 ملايين دولار، وألمانيا 244 مليون دولار، وبلجيكا 350 مليون دولار، والولايات المتحدة 138 مليون دولار.
ومع مبادرة الدول والمنظمات بتقديم هذه التعهدات، لكن الأمم المتحدة أكدت أنها لا تزال بعيدة من توفير المبلغ اللازم المستهدف لتوفير المساعدات، بالنظر إلى أن أكثر من نصف السودانيين أي ما يعادل 27 مليون شخص، يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، ويعاني غالبيتهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد مع انهيار شبه تام للبنية التحتية للرعاية الصحية، بحسب ما أوردته الأمم المتحدة من خطة الحاجات والاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2024.
تطورت الأحداث، وامتد تأثير الحرب مهددة لحياة وصحة الناس في مناطق بعيدة حتى تلك التي لم تصل إليها النزاعات، ولكن تكشفت الحاجة إلى المساعدات الإنسانية في مواقع الحرب للأشخاص المتضررين وفي مناطق النزوح، نسبة للظروف الاقتصادية الحرجة، وتعطل وسائل الإنتاج. وتفاقمت الحاجة في وقت واجهت المساعي الدبلوماسية لحل سلمي، تحديات نتج منها فشل الهدن السابقة من أجل إيصال المساعدات والعلاج وتوفير مسارات آمنة لخروج المدنيين.
وحذر مفوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن إدارة الأزمات يانيز لينر تشيتش، من تجاوز تأثير الحرب في السودان حدودها، لتمتد إلى منطقة القرن الأفريقي.
الوفاء بالتعهدات
استنكرت وزارة الخارجية السودانية في بيانها عقد مؤتمر باريس حول الشأن السوداني، من دون أن يتم التشاور أو التنسيق مع السودان باعتباره دولة مستقلة وذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، ما عدته "استخفافاً بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة ومبدأ سيادة الدول، أساس النظام الدولي المعاصر".
وفي ضوء ذلك، طالبت الخارجية بـ"الوفاء بالتعهدات السابقة بدلاً من تبديد الموارد والجهود في عقد مؤتمرات جديدة، لن تعدو أن تكون مجرد مهرجانات سياسية ودعائية، ربما يستغلها رعاة الدعم السريع لإعادة تسويقها وغسل جرائمها، وتقديم الدعم لها تحت غطاء المساعدات الإنسانية".
وذكر البيان أن الحكومة السودانية جددت التزامها "تقديم كل التسهيلات الممكنة لحشد وإيصال المساعدات الإنسانية للمحتاجين في كل أنحاء البلاد". كما طالبت المجتمع الدولي باتخاذ موقف حازم ضد استهداف قوات "الدعم السريع" المعلن لقوافل المساعدات الإنسانية عبر المسارات التي اتفق عليها بين السودان والأمم المتحدة، كاحتجازها مركبات الـ"يونسيف" وبرنامج الغذاء العالمي التي تحمل أغذية وأدوية الأطفال مخصصة لمعسكرات النازحين في شمال دارفور، واستيلائها على طائرة تابعة لبرنامج الغذاء العالمي، ونهب أكبر مخازن برنامج الغذاء العالمي بالجزيرة، والاستيلاء على أغذية تكفي لأكثر من مليون ونصف من المحتاجين.
شراكة فاعلة
قال سفير السودان لدى باريس خالد فرح لـ"اندبندنت عربية"، "كما توقعنا من قبل، لم يأت مؤتمر باريس بجديد، ولم تحدث مخرجاته اختراقات جوهرية ولافتة للنظر، وذلك نظراً لسبب جوهري هو عدم مشاركة الحكومة السودانية، ذلك أن المنظمين لم يشاءوا دعوتها إليه حتى يكون حواراً حقيقياً وجاداً عبر مقاربة واقعية وعملية".
وأضاف "كان من المؤمل أن يتمخض المؤتمر عن شراكة فاعلة من شأنها أن تخفف من ويلات الحرب على السكان، وتضع اللبنات الأساسية، وتسهم في وضع حد للحرب بصورة نهائية. ولكن الذي حدث هو أن المنظمين دعوا مشاركين جلهم من الأطراف المناهضة للحكومة وللجيش الوطني".
وأوضح سفير السودان بباريس "كان المنظمون يرون أن هؤلاء هم فقط الجديرون بتمثيل الشعب السوداني والتعبير عن آماله وتطلعاته ومستقبله السياسي في حكم ديمقراطي مستدام عبر إرادة شعبية حرة من طريق انتخابات شفافة ونزيهة، ولذلك فإن ما جرى هو عبارة عن محاورة ذاتية أو مونولوغ".
ويرى فرح أن "دعوة كافة الدول للامتناع عن تزويد ما سموهما بطرفي النزاع بالأسلحة والعتاد، تعد دعوة غير صريحة لأن المنظمين يعلمون أن حكومة السودان، وهي الممثل الشرعي المعترف به دولياً لجمهورية السودان المستقلة وذات السيادة، قد ظلت تربطها علاقات تعاون عسكري مع عدد من الدول منذ عقود بلا انقطاع، باستثناء بعض دول الغرب التي ظلت تفرض حظراً من جانبها لتوريد الأسلحة للسودان منذ عام 1983، وهو عام اندلاع تمرد جنوب السودان بقيادة العقيد جون قرنق. وقد كانت تلك عقوبة واضحة ضد السودان منذ ذلك التاريخ، ومساندة صريحة لحركة التمرد الجنوبية".
وأردف "كان ينبغي على منظمي المؤتمر أن يطلبوا من الدول والكيانات التي تزود ’الدعم السريع’ بالأسلحة، الكف عن ذلك".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تعهد سابق
وأكد سفير السودان لدى باريس "بالنسبة لما أعلن من أنه قد تم التعهد بدفع أكثر من ملياري دولار لدعم جهود الإغاثة وتوفير المساعدات الإنسانية، فقد سبق التعهد خلال العام الماضي ومن خلال اجتماعين خصصا لهذا الغرض في كل من جنيف في يونيو (حزيران) وبنيويورك في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على التوالي وبمبلغ مقارب لهذا المبلغ، إلا أن ما تم تحصيله منه بالفعل بشهادة المسؤولين بالأمم المتحدة، لم يتجاوز نسبة الخمسة في المئة فقط. لذلك ليس هناك ما يدعو للإسراف في التفاؤل في هذا الجانب".
وتابع فرح "هذا المؤتمر مثل فصلاً من فصول العلاقات العامة والدعاية والإعلام والتشبيك بين القوى المدنية المعادية للحكومة وللجيش الوطني، وشريكتها الميليشيات المتمردة من جانب، وبين حواضنهما الدولية سعياً وراء تحقيق أهداف كل طرف منهم في السودان".
ضحايا النسيان
علق الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش على مؤتمر باريس، بأن "الشعب السوداني في حاجة ماسة إلى دعم وسخاء المجتمع الدولي لمساعدته على تجاوز هذا الكابوس". وأضاف "خطة الاستجابة الإنسانية المخصصة لتلبية الحاجات في السودان خلال العام الحالي، لم تتلق حتى قبل انعقاد المؤتمر سوى ستة في المئة من إجمالي التمويل المطلوب البالغ 2.7 مليار دولار. ولم تمول خطة الاستجابة الإقليمية المتعلقة بحاجات اللاجئين سوى بنسبة سبعة في المئة فقط من أصل 1.4 مليار دولار".
وأشار غوتيريش إلى التزامات أطراف الصراع في جدة في شأن ضرورة ضمان الوصول الإنساني الكامل عبر الحدود والخطوط الأمامية للمعارك، لتصل المساعدات الحيوية حيثما تشتد الحاجة إليها. وأكد ضرورة إنصات الأطراف إلى دعوة مجلس الأمن الدولي لضمان الوصول الإنساني العاجل والآمن من دون عوائق وحماية المدنيين.
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول التعهد بتقديم الدعم إنه "سيسمح بالاستجابة للحاجات الأكثر إلحاحاً في قطاعات الأمن الغذائي والصحة والمياه والصرف الصحي والتعليم وحماية الفئات الأكثر ضعفاً من الأطفال والنساء".
من جانبه، قال وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيغورنيه "السودانيون هم أيضاً ضحايا النسيان واللامبالاة، وهدف هذا المؤتمر هو كسر جدار الصمت المحيط بهذه الحرب، ودفع المجتمع الدولي إلى التحرك". في حين، علقت وزيرة الخارجية الألمانية أناليا بيربوك، بأن "نسيان السودان هو نتيجة لتركيز العالم على الهجوم الإيراني على إسرائيل".
ولكن الناشط في برنامج أفريقيا بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن كاميرون هدسون، قلل في حديثه إلى أحد المواقع السودانية من أهمية مؤتمر باريس لمساعدة السودان على رغم التعهدات بتقديم المساعدة. واستبعد أن يفيد المؤتمر السودانيين، وفي رأيه أنه "بعدم دعوة القوات المسلحة السودانية أو قوات ’الدعم السريع’ أو التعاون معهما، فلا يمكن ضمان أن يسمح بدخول المساعدات إلى السودان، لأنهما يسيطران على الحدود". ونوه بأن "تحرك المجتمع الدولي ليس محاولة حقيقية لإدخال المساعدات، وإنما إشارة فقط إلى أن المجتمع الدولي لم ينسَ السودان الذي يتهمون بنسيانه، بالتالي لن يكون له تأثير في حياة السودانيين في الأقل ليس في الأيام أو الأسابيع المقبلة".
وفي السياق ذاته، أشار رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية (تقدم)، عبدالله حمدوك إلى أن "المجتمع الدولي نسي الملف السوداني، إلا أن مؤتمر باريس أعاده للواجهة ثانية".
إعادة إنتاج الأزمة
وفي السياق ذاته، أكد سلطان قبيلة "المساليت" سعد عبدالرحمن بحر الدين، في كلمته بمؤتمر باريس أن "المؤتمر يمثل جزءاً من حل مشكلة السودان، ولكنه ليس الشكل المثالي الذي يقود إلى حل نهائي وعاجل يفضي إلى حل أزمة السودان". وعلق سلطان دار مساليت على أن "حضور المؤتمر لا يمثل كل السودان، وأن مخرجاته ستؤزم قضية السودان بدلاً من حلها".
يذكر أن قبيلة "المساليت" بولاية غرب دارفور تعرضت لهجمات نفذت على أساس إثني من قبل قوات "الدعم السريع" وفصائل متحالفة معها. وأورد مكتب المنظمة الدولية المشترك لحقوق الإنسان تقارير موثقة عن وجود ما لا يقل عن 13 مقبرة جماعية في مدينة الجنينة حاضرة غرب دافور والمناطق المحيطة بها، تضم رفات ضحايا من هذه القبيلة.
وقال الكاتب الصحافي إبراهيم شقلاوي "يعمل مؤتمر باريس على إعادة إنتاج الأزمة السودانية من خلال إعادة تقديم قوى إعلان الحرية والتغيير للعالم من جديد بعد أن خسرت كثيراً من مبررات وجودها السياسي في الداخل السوداني بعد انحيازها الواضح لقوات ’الدعم السريع’، على رغم الانتهاكات التي مارستها في حق السودانيين والتي تمت إدانتها عبر دول ومنظمات إقليمية، ودعمها في جميع المحافل الدولية والإقليمية".
ولكن عضو مقاومة منطقة بحري أحمد بشير يرى أن "الجيش السوداني هو من قاد إلى تفاقم الأزمة الإنسانية بأدائه في الحرب، واستهدافه مساكن المواطنين لوجود قوات ’الدعم السريع’ داخلها، مما أدى إلى إطالة أمد النزاع، واستنزاف الاقتصاد السوداني المنهك الذي تحول إلى اقتصاد حرب، وهو ما أدى بدوره إلى تشعب الأزمة وبروز الحاجة الماسة إلى المساعدات الإنسانية التي عمت غالبية مناطق السودان".
وأوضح بشير أن "مؤتمر باريس كشف عن حجم ما تمارسه قيادات الجيش من تضليل بالتغطيات الإعلامية التي تعكس فرض سيطرتها، والتعتيم على المناطق المنكوبة التي لا تستطيع المنظمات الدولية الوصول إليها".
وتوقع عضو مقاومة منطقة بحري "نظراً لطبيعة الاستجابة الدولية في ما يتعلق بالوضع المأسوي في السودان، فإن حجم هذه الجهود والوفاء بالتعهدات لتقديم المساعدات، سيكون لها تأثيرات فاعلة، خصوصاً بعد أن اضطلعت بتسيير إجراءاتها تنسيقية تقدم، وبعض القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني".