ملخص
مع كثرة الكلام على ضرورة تعديل "اتفاق الطائف" الذي لم يطبق ببنوده الكاملة، هل ستخلي "خماسية" انتخاب الرئيس الساح لـ"ثلاثية" أو "سداسية" مهمتها مرة أخرى "إيجاد حل للأزمة اللبنانية؟"
تجربة اللبنانيين مع اللجان ليست مشجعة، وكلما سمعوا بتشكيل لجنة تشاءموا وتذكروا القول الشائع "اللجان مقبرة المشاريع". وبعيداً من اللجان البرلمانية المحلية، ينشغل اللبنانيون هذه الأيام بـ"اللجنة الخماسية" الساعية إلى تذليل العقبات التي تحول دون انتخاب رئيس للجمهورية. "الخماسية" التي تضم سفراء الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لم تنجُ بدورها من تباينات بين أعضائها، ولكن في الآونة الأخيرة أوحت لعديد من الفرقاء الذين اجتمعت بهم أنها أصبحت على "قلب واحد". "خماسية" اليوم لها سابقتها وللهدف ذاته. ففي يناير (كانون الثاني) 1989 شكلت جامعة الدول العربية لجنة سداسية بعد الشغور الرئاسي مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في سبتمبر (أيلول) 1988، وما أشبه اليوم بالبارحة، إذ حاول النظام السوري في أغسطس (آب) من تلك السنة، فرض مرشحه الأوحد للرئاسة، وهو سليمان فرنجية الجد، كما يحاول "حزب الله" اليوم فرض سليمان فرنجية الحفيد. بالنسبة إلى فرنجية الجد تصدت له آنذاك القوتان المسيحيتان الأبرز، وهما "القوات اللبنانية" وقائد الجيش ميشال عون (رئيس الجمهورية السابق) باعتباره "مرشح النظام السوري". أما بالنسبة إلى "مرشح الثنائي الشيعي" ("حزب الله" و"حركة أمل") فرنجية الحفيد، فالاعتراض عليه اليوم لا يقتصر على القوى المسيحية الوازنة، ويشمل أيضاً عدداً كبيراً من النواب المسلمين.
"اللجنة السداسية" المذكورة آنفاً ترأسها وزير خارجية الكويت صباح الأحمد، وضمت أيضاً وزراء خارجية الإمارات والأردن والجزائر وتونس والسودان، واستبعد من عضويتها العراق وسوريا باعتبار أنهما طرفان في النزاع اللبناني. وعلى غرار ما أوحت به "خماسية" اليوم من "تزكية" لأسماء معينة، فسر ميشال عون إيجابية "السداسية" بعد اجتماعها معه في فبراير (شباط) 1989 بنوع من الدعم الذي ينقله من "رئيس حكومة انتقالية" إلى رئيس للجمهورية. وليكسب ود الرئيس حافظ الأسد، حاول عون ضرب "القوات اللبنانية" عسكرياً كونها الخصم اللدود للنظام السوري، ولكن بعد أن وصلت علاقته مع السوريين إلى طريق مسدود على رغم كثرة الوسطاء بينه وبينهم، قادته الأوهام المبددة إلى "حرب تحرير" ضد الجيش السوري، ثم "حرب إلغاء" ضد "القوات اللبنانية"، وفي الحربين انتهى إلى فشل ذريع. ولأن لكل خسارة عسكرية ثمناً سياسياً، انتهى دور "السداسية" الباحثة عن رئيس جديد، وجاء دور "اللجنة الثلاثية العليا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تشكلت "الثلاثية العليا" أثناء "قمة الدار البيضاء الاستثنائية" لوقف التدهور في لبنان، في مايو (أيار) 1989، وضمت الملك السعودي فهد بن عبدالعزيز والملك المغربي الحسن الثاني والرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. مغامرات عون الفاشلة نقلت الاهتمام من انتخاب رئيس للجمهورية إلى البحث في "أسس الجهورية" والعمل على إيجاد حل شامل وجذري للأزمة اللبنانية المتواصلة منذ 1943. ويمكن القول إن "الثلاثية العليا" مهدت الطريق لـ"وثيقة الوفاق الوطني" التي عرفت بـ"اتفاق الطائف" وصوت عليها النواب اللبنانيون بمدينة الطائف السعودية في الـ22 من أكتوبر (تشرين الثاني) 1989، وبعد 11 اجتماعاً على مدى 23 يوماً.
مع كثرة الكلام على ضرورة تعديل "اتفاق الطائف" الذي لم يطبق ببنوده الكاملة، هل ستخلي "خماسية" انتخاب الرئيس الساح لـ"ثلاثية" أو "سداسية" مهمتها مرة أخرى "إيجاد حل للأزمة اللبنانية؟".