ملخص
حتى السابع من أكتوبر الماضي كان نحو ثلث موارد الضفة الغربية يأتي من أجور 193 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل
يزداد الوضع الاقتصادي في الضفة الغربية المحتلة الذي يعاني أزمة منذ سنوات صعوبة بسبب الحرب في قطاع غزة التي تعمق ارتهانه لإسرائيل، وفق ما يقول مراقبون.
ويقول المحلل الاقتصادي الفلسطيني عادل سمارة "في المفهوم العلمي لا يوجد اقتصاد فلسطيني تحت الاحتلال الإسرائيلي، هناك تبادل غير متكافئ، واقتصادنا ملحق بالاقتصاد الإسرائيلي وبالقوة".
ويحكم الاقتصاد الفلسطيني "بروتوكول باريس" الموقع في أبريل (نيسان) من عام 1994 بين إسرائيل وممثلين عن "منظمة التحرير الفلسطينية"، في إطار اتفاق "أوسلو 2" أو "اتفاق المرحلة الانتقالية للضفة الغربية وقطاع غزة" الذي وقع في الـ24 والـ28 من سبتمبر (أيلول) 1995.
وكان من المفترض أن يكون البروتوكول سارياً لفترة انتقالية مدتها خمس سنوات في انتظار أن تتوصل المفاوضات إلى اتفاق حول "الوضع النهائي" للأراضي الفلسطينية، لكن لا يزال معمولاً به حتى الآن.
ويشير سمارة إلى أن الإنتاج المحدود في الأراضي الفلسطينية وعدم قدرته على توفير فرص عمل للفلسطينيين دفعا إلى الاعتماد إلى حد كبير على إسرائيل لتشغيل اليد العاملة الفلسطينية، الأمر الذي توقف منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين حركة "حماس" وإسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، مضيفاً "اقتصادنا مشوه".
6 قطاعات رئيسة
وينظم البروتوكول العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية في ستة قطاعات رئيسة: الجمارك والضرائب، والعمالة، والزراعة، والصناعة، والسياحة، والصادرات والواردات، بصورة تعطي إسرائيل صلاحية التحكم بالحدود الخارجية وبضرائب الاستيراد والقيمة المضافة، وتمر تجارة الفلسطينيين مع دول أخرى عبر الموانئ البحرية والجوية الإسرائيلية، أو عبر المعابر الحدودية بين السلطة الفلسطينية والأردن ومصر التي تسيطر عليها إسرائيل أيضاً، ويستخدم الشيكل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وشنت "حماس" هجوماً غير مسبوق انطلاقاً من قطاع غزة على إسرائيل تسبب بمقتل 1170 شخصاً، غالبيتهم من المدنيين، وفق تعداد لوكالة "الصحافة الفرنسية" يستند إلى بيانات رسمية إسرائيلية.
وغداة الهجوم، أوقفت إسرائيل تسليم السلطة الفلسطينية كامل المبلغ العائد لها من الرسوم الجمركية، متذرعة بأن المال يستخدم من أجل تمويل "حماس" التي تسيطر منذ 2007 على قطاع غزة وتعدها إسرائيل "منظمة إرهابية".
حل جزئي
ورفض الرئيس الفلسطيني محمود عباس احتجاجاً تسلم مبالغ ناقصة، وتتوسط النرويج حالياً في المسألة، وفي فبراير (شباط) الماضي أفرجت إسرائيل عن نحو 115 مليون دولار، لكن الأزمة لم تحل.
وفي الماضي، أوقفت إسرائيل أكثر من مرة، على خلفية خلافات أو توتر، هذه التحويلات التي تشكل قرابة 60 في المئة من واردات السلطة الفلسطينية، وتحتاج السلطة إلى هذه المبالغ لدفع رواتب موظفيها ولمصاريفها، وفق مسؤولين.
كارثة كبرى
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى إن "الأوضاع الاقتصادية الفلسطينية تنذر بكارثة كبرى"، مضيفاً أن "الأزمة المالية غير مسبوقة ووصلت إلى مستويات خطرة، والتزامات ومديونيات الحكومة العامة وصلت إلى نحو 7 مليارات دولار أميركي"، أي أكثر من ثلث الناتج الداخلي الصافي.
وبعد اندلاع الحرب سحبت إسرائيل، "لأسباب أمنية"، تراخيص العمل من 130 ألف فلسطيني في الضفة الغربية كانوا يعملون في إسرائيل، فلم يعد لديهم مورد رزق، وتقدر نسبة البطالة اليوم في الضفة الغربية المحتلة بـ30 في المئة، بينما كانت 14 في المئة قبل الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويصف سمارة الأمر بأنه "تبعية طوعية"، كون لا خيار للعمال الفلسطينيين إلا بالعمل داخل إسرائيل، مضيفاً "في الاقتصاد الحقيقي لأي دولة يجب أن تكون هناك مواقع إنتاج اقتصادية وصناعية وزراعية توفر العمل لأبنائها".
ويرى المحلل السياسي الإسرائيلي ميخائيل ميلتشين "أن عدم السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل في إسرائيل وعدم تسليم عائدات الضرائب الفلسطينية أو الحسم منها"، يهدف "الى إسقاط السلطة الفلسطينية التي تعدها إسرائيل عدواً"، ويصف ذلك بـ"العقاب الجماعي للفلسطينيين".
ويقول إنه حتى السابع من أكتوبر الماضي كان نحو ثلث موارد الضفة الغربية يأتي من أجور 193 ألف فلسطيني يعملون في إسرائيل، وفق معطيات إسرائيلية، مشيراً إلى أن نحو 8 آلاف فلسطيني فقط يعملون حالياً بصورة قانونية في إسرائيل.
ويضيف أن بعض السياسيين الإسرائيليين مثل الوزيرين بيني غانتس وغادي إيزنكوت يريدون "السماح بإدخال العمال إلى إسرائيل حتى لا ينفجر الوضع الأمني" في الضفة الغربية، مما قد يعقد مهمة القوات الإسرائيلية التي تخوض حرباً طاحنة في غزة وتنتشر في الشمال على الجبهة مع "حزب الله اللبناني".
ويرى المحلل نصر عبدالكريم أن "نتنياهو يضغط على الفلسطينيين ويرسل رسائل للسلطة بأن مفاتيح الاقتصاد الفلسطيني بأيدينا، ونستطيع أن نؤذي السلطة ونسقطها، أو نحييها ونعزز قوتها"، مشيراً إلى أن إضعاف السلطة "سيجعلها تقبل بتنازلات سياسية".
ويتابع "لا تريد الحكومة الإسرائيلية سلطة فلسطينية قوية، حتى لا تلعب دوراً محورياً خصوصاً بعد انتهاء الحرب".
ويتابع أن "الإسرائيليين يعتقدون أنه من خلال البوابة الاقتصادية يحققون تنازلات سياسية، من ثم يقولون للفلسطينيين تخلوا عن الأرض وخذوا اقتصاد، لكن الأمن والاقتصاد لا يجلبان السلام"، بل "السلام يجلب الأمن والاقتصاد".